إنها ضربة جديدة من الرئيس الأميركي لتركيا، ولكن مهلاً يبدو أن هذه الضربة سوف تؤثر على أكبر مشروع في تاريخ الجيش الأميركي وليس على أنقرة وحدها.
فقد وقع الرئيس الأميركي دونالد ترمب مشروع قانون سياسة الدفاع الذي من شأنه تعطيل تسليم 100 طائرة مقاتلة من طراز F-35 إلى تركيا، ويعمق الخلاف بين الدولتين حول استمرار اعتقال القس الأميركي في تركيا.
ماذا يقول القانون، وهل هو خاص بتركيا وحدها؟
عبر ترامب عن سعادته لموافقة الكونغرس السريعة على هذا القانون لأنه سيجعل الجيش الأميركي أقوى، حسب تعبيره، حيث ينظم مجمل سياسات الدفاع مع تخصيص ميزانية قدرها 717 مليار دولار لهذا العام، فهو ليس قانوناً يتعلق بتركيا فقط.
ويحظر القانون بيع طائرات F-35 إلى تركيا حتى يصدر البنتاغون تقريراً عن العلاقات التركية الأميركية في غضون 90 يوماً، خاصةً في ما يتعلق بالعمليات العسكرية الأميركية من قاعدة إنجرليك الجوية التركية مع التركيز أيضاً على تقييم العلاقات الأميركية-التركية إجمالاً.
كما يريد المشرّعون الأميركيون من البنتاغون تقييم تداعيات خطط أنقرة لشراء منظومة الدفاع الصاروخي S-400 الروسية.
وتعد تلك الخطوة بمثابة ضربة قوية لأنقرة، التي تعاني بالفعل من قرار ترمب خلال الأسبوع الماضي حول زيادة الرسوم الجمركية على واردات الحديد والألومنيوم من تركيا، حسب تقرير لمجلة Foreign Policy الأميركية.
وكانت تركيا تخطط لاستلام الطائرات على مدار العقد القادم، ما يجعلها ثالث أكبر دولة تمتلك طائرات F-35 في العالم.
وتعتبر هذه الطائرة جوهرة تكنولوجية بسبب قدرتها على الاختفاء من أجهزة الرادارات.
ولكن مهلاً القرار سيلحق الضرر بواشنطن، فتركيا ليس مجرد مشتر.. إنها تصنع كل هذه المكونات
ومع ذلك، سيؤدي إلغاء تسليم الطائرات إلى تعقيد الأمور للولايات المتحدة أيضاً، حيث يتم تصنيع العديد من المكونات الرئيسية للطائرة في الشركات التركية، حسب Foreign Policy.
فلقد دخلت أنقرة في برنامج F-35 منذ بداية عام 1999، وقد لعبت صناعة الدفاع التركية دوراً فعالاً في إنتاج الطائرات.
ووفقًا لمؤسسة لوكهيد مارتن الأميركية صاحبة المشروع، فإن 10 شركات تركية تشارك في برنامج طائرة F-35 ويمكن أن تبلغ حجم مشاركتها في النهاية أكثر من 12 مليار دولار.
وبالتنسيق مع شركة نورثروب غرومان، وهي شركة تصنيع جسم الطائرة الرئيسية للطائرة F-35، تقوم شركة Turkish Aerospace Industries بتصنيع وتجميع جسم الطائرة، وتنتج الجلود المركبة وأبواب الحوائط، ومدخل الهواء المركب من الألياف.
وتقوم شركة لوكهيد مارتن بتقييم كيف يمكن أن تؤثر القيود التي تفرضها الكونغرس على مشاركة تركيا في برنامج F-35 في إنتاج الطائرات.
والأمر قد ينعكس على أرباح الشركة الأميركية وتكلفة الطائرة
وتمثل مبيعات الطائرات، بما في ذلك طائرة F-35 ، نسبة 40 في المائة من عائدات شركة لوكيهد مارتن المتوقعة لعام 2018 والتي تزيد عن 50.3 مليار دولار.
لكن محللين أرادوا من مسؤولي شركة لوكهيد مارتن أن يشرحوا كيف سيؤدي منع تركيا من الاستحواذ على طائراتها من طراز F-35 للإضرار بالأداء المالي الإجمالي لأكبر برنامج للشركة.
ولقد تحدث كل من قادة الكونغرس ومسؤولي البنتاغون ومديري لوكهيد مارتن بشكل متكرر حول الحاجة إلى خفض التكلفة الإجمالية للبرنامج إلى أقل من 100 مليون دولار لكل مقاتلة إذا كان البرنامج سيكون مستداماً، ولكن أي خطط للتوفير في التكاليف تمت مناقشتها من قبل كانت في الأصل تشمل شراء تركيا المخطط له 100 F -35 طائرة.
ووزير الدفاع الأميركي سبق أن حذّر الكونغرس من أضرار هذا القرار.. إليك تقديراته لخسائر واشنطن
وترى وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أنها ستستغرق عامين للعثور على موردين جدد يحلون محل الشركات التركية إذا تم استبعادها من البرنامج.
ففي رسالة بعث بها وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس الشهر الماضي يوليو/تموز 2018 إلى ماك ثورنبيري، رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب عارض الوزير جهود المشرعين الأميركيين لإخراج تركيا من برنامج F-35 ، قائلاً هذا سيؤدي لفقدان بسلسلة التوريد وسوف يؤخر تسليم بعض الطائرات لمدة تصل إلى عامين.
وحذر ماتيس في رسالته من أن إبعاد تركيا من البرنامج يمكن أن تؤدي إلى تعطيل لسلسلة الإمدادات بالنسبة للجيش الأميركي وشركاء واشنطن الآخرين، بالإضافة إلى زيادة تكاليف البرامج الأخرى.
وقال "إذا تعطلت سلسلة التوريد التركية اليوم، فسينتج عن ذلك توقف في إنتاج الطائرات وتأخير تسليم من 50 إلى 75 طائرة من طراز F-35 ، وسيستغرق ما بين 18 و24 شهراً تقريباً لإعادة توريد الأجزاء واستردادها".
وتخطط تركيا لشراء 100 طائرة من طراز F-35، مع أول دفعة من 14 طائرة تم التعاقد عليها بالفعل. ومن المقرر تسليم ما مجموعه 30 طائرة بحلول نهاية عام 2022.
ولكن التأثيرات لن تقتصر على التصنيع فحتى الصيانة تعتمد على أنقرة
وعلاوة على ذلك، فإن المركز الأوروبي الرئيسي لإصلاح وتجديد محرك طائرات F-35 يقع في مدينة إسكيشهير الواقعة شمالي غرب تركيا.
تحذير وزير الدفاع الأميركي جاء رغم إعرابه عن تفهمه لمخاوف الكونغرس حول ما وصفه" بالانجراف السلطوي في تركيا وتأثيرها على حقوق الإنسان وسيادة القانون بما في ذلك اعتقال المواطنين الأميركيين مثل القس برونسون"، وشراء أنقرة المحتمل لنظام الدفاع الجوي S-400 الروسي ".
وأجرت وزارة الخارجية الأميركية محادثات الشهر الماضي لبيع صواريخ باتريوت، بدلاً من طراز S-400 الروسي.
لماذا يريد ترمب القصاص بعد أن كان متحمساً للعلاقات مع تركيا؟
واعتقلت تركيا القس الأميركي أندرو برونسون منذ نحو عامين خلال حملتها الأمنية واسعة النطاق في أعقاب محاولة الانقلاب العسكري. وترى أنقرة أن برونسون، الذي عاش في تركيا لأكثر من 20 عاماً، على اتصال بمخططي الانقلاب.
ولفترة ما، كان يبدو أن إدارة ترمب ستتوصل إلى اتفاق لنزع فتيل الأزمة وإطلاق سراح برونسون. ومع ذلك، يُذكر أن المحادثات قد أخفقت خلال الشهر الماضي.
وحالياً، يشعر ترمب، الذي كان يشارك بصفة شخصية في تعزيز العلاقات الأميركية التركية، بالخيانة ويريد القصاص، بحسب ما نقلت Foreign Policy عن محللين.
وقال آرون شتاين، خبير الشؤون التركية بالمجلس الأطلنطي: "ترمب.. كان يريد تحقيق التقارب مع تركيا وكان يستثمر بصفة شخصية في تلك العلاقة بكافة المقاييس. وهو يشعر حالياً أن الأتراك نكثوا الاتفاق الذي توصلوا إليه معه. فالموقف الأميركي حالياً يُعد بمثابة إنذار أخير"، حسب تعبيره.
وأردوغان في المقابل يلوح بالبدائل
لم ترد السفارة التركية بواشنطن على تساؤلات Foreign Policy حول القرار.
ومع ذلك، فقد حذر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في مقال بمجلة New York Times الأميركية خلال عطلة نهاية الأسبوع، من أن التدابير العقابية التي يتخذها ترمب ضد تركيا سوف تأتي بنتائج عكسية على الولايات المتحدة.
وكتب أردوغان: "في وقتٍ يستمر الشر فيه بالتربُّص في مختلف أنحاء العالم، لن تؤدي التصرفات الأحادية ضد تركيا من جانب الولايات المتحدة، حليفتنا منذ عقود، إلا لتقويض مصالح الولايات المتحدة وأمنها.
وعلى واشنطن أن تتخلى قبل فوات الأوان عن الفكرة الخاطئة بأنَّ علاقتنا يمكن أن تكون غير متكافئة، وأن تتقبَّل فكرة أنَّ تركيا لديها بدائل. إنَّ عدم عكس مسار هذا التوجه المتمثل في النزعة الأحادية وعدم الاحترام سيقتضي منا البدء في البحث عن أصدقاء وحلفاء جدد".
كما تحدثت تقارير إعلامية عن إمكانية لجوء تركيا لروسيا لشراء طائرات سوخوي 57 الشبحية التي مازالت قيد التطوير بدلاً من F 35.
وجاء هذا التحذير بعد أن تضررت بلاده من الرسوم الجمركية
وأدى النزاع إلى الإضرار بمصالح أنقرة بصفة رئيسية. إذ تسبب قرار ترمب بزيادة الرسوم الجمركية على واردات الألومنيوم والصلب، الذي أعلنه عبر موقع تويتر والذي أفقد تركيا السوق الأميركية، في هبوط حاد في الليرة التركية يوم الجمعة 10 أغسطس/آب 2018.
وكتب السيناتور الجمهوري ليندساي غراهام في تغريدة له يوم الجمعة: "أكره أن تصل الأمور إلى هذا الحد، ولكن لم يكن هناك خيار آخر أمام الرئيس دونالد ترمب".
وتعافت الليرة التركية الثلاثاء 14 أغسطس/آب 2018 بعد حزمة قرارات أصدرها البنك المركزي التركي جعلت العملة تصعد أمام الدولار مسجلة
6.4241 مقابل الدولار، بعد أن بلغت مع بدء تعاملات الإثنين 7.2169 ليرة.
كما ارتفعت سوق الأسهم التركية هذا الصباح بأكثر من 2٪ في التعاملات المبكرة.
وتعني المكاسب الأولية أن معظم الخسائر الكبيرة التي تكبدتها يوم أمس الإثنين 13 أغسطس/آب قد تم استردادها، حسب تقرير نشر بموقع صحيفة express البريطانية.
ولكن هناك أوراقاً أخرى بيده، فالردع النووي الأميركي مرتبط بتركيا
تحذيرات كبار المسؤولين الأميركيين، ومن بينهم وزير الدفاع ، من استبعاد تركيا من برنامج F-35، لا تقتصر على القلق من تأثيرات هذا القرار على مشروع F 35 البرنامج العسكري الأكبر في تاريخ أميركا ولكن لأن هناك خيارات أقوى في يد أنقرة للرد.
إذ تعد تركيا شريكاً سياسياً هاماً وركيزة أساسية بحلف شمال الأطلسي (الناتو)؛ وتعتبر قاعدة إنجرليك الجوية الواقعة جنوبي تركيا منصة انطلاق رئيسية للعمليات في الشرق الأوسط، وخاصة عمليات الحملة المناهضة لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
كما تعد أيضاً مقراً للمخزون الأميركي من القنابل النووية B61، محور الردع النووي في أوروبا. وتعتبر أنقرة أيضاً شريكا هاماً في إعادة إعمار سوريا، حيث يسعى الغرب وروسيا وإيران من أجل السيطرة والسلطة في الدولة التي مزقتها الحروب.
ورغم كل ذلك الجدل أنقرة تسلمت الطائرة بالفعل
وهذا الجدل ليس جديداً، إذ سن الكونغرس في يونيو/حزيران 2017 إجراءات تتضمن حظراً مؤقتاً على تسليم تركيا طائراتٍ من طراز إف-35 من حتى يقدم البنتاغون تقييماً، خلال 90 يوماً من إقرار هذا الإجراء المتعلق بالعلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا، وتأثير سعي تركيا المخطط له لامتلاك نظام الدفاع الصاروخي الروسي المتقدم طراز إس-400، وتداعيات ذلك على القاعدة الصناعية الأميركية، إذا أُسقطت تركيا من برنامج طائرات إف-35 الدولي.
وفِي اليوم ذاته لقرار الكونغرس أي الخميس 22 يونيو/ حزيران 2018، سلمت المجموعة الدفاعية الأميركية لوكهيد مارتن صانعة هذا النوع من الطائرات المقاتلة، مسؤولين أتراكاً خلال احتفال أقيم في فورت وورث في ولاية تكساس.
وخلال الاحتفال تم تسليم أول طائرتين من طراز F-35، فيما تخطط أنقرة للحصول على 100 طائرة مقاتلة من طراز F-35 في السنوات القادمة، وكجزء من هذه الصفقة تم طلب 30 طائرة بالفعل.
وقال مسؤولون آنذاك إن أول طائرة مقاتلة من طراز F-35 تم تسليمها إلى تركيا سيتم نقلها لقاعدة لوقا الجوية في أريزونا لتدريب الطيارين.
واللافت أن لهجة القانون تم تخفيفها قبل توقيعه
ويعد بيع طائرات F-35 إلى تركيا مثيراً للجدل، نظراً لأن أنقرة تخطط أيضاً لشراء منظومة صواريخ S-400 الروسية المتطورة.
ويقول المسؤولون الأميركيون أن دمج منظومة S-400 مع F-35 ودفاعات الناتو الجوية يمكن أن يفضح الأسرار العسكرية للولايات المتحدة وحلفائها والتي تخضع لحراسة مشددة.
وقال لورين ثومبسون، المحلل بمعهد لكسينغتون البحثي التي يتلقى التمويل من شركة لوكهيد مارتن، ضمن شركات أخرى تعمل لحساب وزارة الدفاع الأميركية: "لسوء الحظ، فإن اعتزاز كلا الزعيمين يحول دون تحسين الأوضاع".
وتخفَّفت حدة اللغة التي وقَّع بها ترمب على القانون المقترح يوم الإثنين، من شكلها الأصلي والتي أغلبها رمزي في ما يتعلق بتركيا، Foreign Policy .
لكنَّها تمهد الطريق لأعضاء لجنة المخصصات الدفاعية في الكونغرس لاتخاذ إجراءات أكثر حسماً.
وهذا ما جرى للبنود التي كانت تتضمن عقوبات على أنقرة
القانون الذي وقع عليه ترامب "لا يفرض أي عقوبات" ضد أنقرة، حسبما قالت
مصادر دبلوماسية إلى وكالة الأناضول التركية الثلاثاء 14 أغسطس/آب 2018.
وتمت إزالة اقتراح باستبعاد تركيا من برنامج F-35 من مشروع القانون من قبل لجنة المؤتمر بالكونغرس.
ولكن من شأن أحد النصوص في نسخة مسودة مشروع قانون الاعتمادات الدفاعية، الذي يُتوقَّع أن يمضي قدماً في الأسابيع القليلة المقبلة، أن يحظر صراحةً التمويل لعملية النقل.
اقرأ أيضا