بخطوات متسارعة، يتوجه مبروك حاجي في الصباح الباكر من يوم الجمعة 10 أغسطس/آب 2018، إلى سوق الماشية بمدينة العلمة شرقي الجزائر، لمعرفة جديد الإجراءات التي اتخذتها وزارتا الفلاحة والتجارة لتأمين عملية بيع الأضاحي مع اقتراب العيد ومنع تعفن اللحوم.
وحددت الحكومة الجزائرية يوم الجمعة 10 أغسطس موعداً للافتتاح الرسمي للأسواق المرخصة، بغرض بيع أضاحي العيد، بعيداً عن المضاربات والتلاعب بالأسعار وبيع الأكباش غير السليمة.
وتؤكد جميلة حاج اعمر، مفتشة مركزية بوزارة الفلاحة، لـ"عربي بوست" اتخاذ جميع الإجراءات لضمان نجاح الأسواق المرخصة، داعيةً كل المواطنين إلى التوجه لهذه النقاط لتجنب المضاربات من جهة والوصول إلى الماشية السليمة من جهة ثانية.
رُعب اخضرار اللحوم وتعفنها
في مثل هذا الوقت من العام الماضي، كان مبروك حاجي قد حسم أمر الأضحية، واشترى كبشاً بما يقارب 5 ملايين سنتيم بالعملة المحلية (350 دولاراً)، واقتاده إلى بيته وسط فرحة العائلة، لا سيما الصغار.
الفرحة بهذا الكبش لم تدم طويلاً، فبعد ذبحه بأقل من ساعة، بدأت تظهر على الأضحية بقع زرقاء، ازدادت قتامة مع مرور الوقت، بل وانبعثت منها رائحة كريهة رغم وضعها داخل الثلاجة، ما أرغم أحمد على رمي الأضحية كاملة.
ظن أحمد حينها كما صرح لـ"عربي بوست" أن الحالة شاذة، واقتصرت على أضحيته قبل أن تبلغ مسامعه أخبار الجيران وما تداوله الإعلام المحلي حينها، بعد تعرض المئات من الأضاحي إلى تعفن مفاجئ وغريب.
حدث ذلك رغم تشديد الرقابة والإجراءات التي اتخذتها وزارتا التجارة والفلاحة، لمنع تكرر سيناريو العام الذي قبله 2016، لكن ذلك لم يمنع من تسجيل أكثر من 600 حالة تعفن بحسب وزير الفلاحة عبدالقادر بوعزقي.
وبدأت قصة اخضرار اللحوم وتعفنها في الجزائر صيف 2016، حيث أكدت وزارة الفلاحة تسجيل ما يفوق 1000 حالة، من الأضاحي التي تم التخلص من لحومها من قِبل المواطنين.
ونقلت حينها قناة "النهار" الجزائرية صوراً للحوم ببقع زرقاء وخضراء، سجلت لدى العديد من العائلات، رغم اتخاذها إجراءات الحفظ الصحي، بتوفير ثلاجات ومبردات، وقد حذرت حينها المراكز البيطرية من تناولها للخطورة التي قد تحتويها.
تكرُّر السيناريو لسنتين متتاليتين جعل مبروك حاجي وأمثاله من المواطنين البسطاء في الجزائر يفكرون ألف مرة قبل اتخاذ أي إجراء أو قرار باقتناء أضحية العيد للعام الجاري 2018، خاصة مع نار الأسعار التي تراوحت بين 4 و8 ملايين سنتيم بالعملة المحلية (300 و550 دولاراً).
1000 بيطري لكشف سموم التسمين
قامت وزارة الفلاحة وبالتنسيق مع وزارة التجارة في الجزائر، بفرض منطق الوقاية خير من العلاج، وكشف المخالفات في أوانها، من خلال استراتيجية المراقبة والمتابعة، من نقطة التربية والتسمين إلى حتى بلوغ الكباش أيادي المستهلكين.
وتؤكد جميلة حاج اعمر، مفتشة مركزية بوزارة الفلاحة، أن الوزارة قامت بإجراءات وقائية امتدت إلى ما قبل فتح 800 نقطة لبيع الكباش عبر ولايات الجزائر، بعدما كان في البداية مقتصراً على 20 سوقاً فقط للبيع بالولايات الكبرى.
كما أضافت في حديث لـ"عربي بوست" أن الوزارة حرصت على وجود 1000 طبيب بيطري لمراقبة مختلف الأسواق والترخيص ببيع الأضاحي، دون الحديث عن تجنيد ما بين 20 إلى 80 بيطرياً لمتابعة الذبح يوم العيد عبر الولايات.
كما أن هناك فرقاً بيطرية متنقلة تم توجيهها للولايات الصحراوية والسهبية المعروفة بتباعد المجمعات السكنية بها، بغرض متابعة طرق تسمين وسلامة الأعلاف الموجهة لذلك.
وكان وزير الفلاحة عبدالسلام شلغوم، وفي لقاء مع الإذاعة الجزائرية، طمأن الجزائريين بعدم خطورة تلك اللحوم، وأن التحقيقات مستمرة، وسبب تعفن اللحوم يرجع بالدرجة الأولى إلى الأعلاف.
"الفيزا" لنقل الكباش
وجد التجار ومربو الماشية أنفسهم هذا العام أمام مئات الحواجز الأمنية، والتي تطالبهم بالدرجة الأولى بتراخيص تسمح لهم بنقل الخراف والكباش بين الولايات.
وقالت في هذه النقطة حاج اعمر إن الوزارة فرضت على عمليات النقل والبيع ترخيصاً يقدم من طرف المصالح البيطرية للموالين والتجار، ويتم استخراجه في مختلف الحواجز الأمنية التي فرضت عليها تعليمات من الهيئات العليا.
الإجراء جاء لصد أي تجارة مشبوهة بعيدة عن الرقابة البيطرية، وحفاظاً على صحة المواطنين من خلال متابعة سلامة الكباش الموجهة للاستهلاك خلال عيد الأضحى.
وعلى كل مربٍّ أن يقوم بتعيين نقطة من بين الأماكن التي صرحت بها الوزارة لبيع ماشيته، الوزارة في هذا الشأن توفر طبيباً بيطرياً يقوم بمتابعة الحالة الصحية للماشية أثناء البيع للمواطنين.
والمواطن في هذا الإطار يتحمل مسؤولية اقتنائه الكباش من الأماكن الموازية وغير القانونية، البعيدة عن الرقابة البيطرية، تضيف المسؤولة.
وله بطاقة هوية أيضاً
يستطيع أي مواطن في الجزائر أن يتحصل على بطاقة هوية خاصة بالكبش من الأماكن المصرح بها من قبل وزارة الفلاحة والتنمية والصيد البحري.
ويؤكد أحمد بن رحم، منسق البياطرة على مستوى الشرق الجزائري، لـ"عربي بوست" أن المواطنين المتخوفين من سلامة أضاحيهم بإمكانهم الحصول على بطاقة تحمل معلومات الخروف، ومصدره، إضافة إلى اسم المربي أو التاجر وبياناته.
وفي حالة المرور على المراحل القانونية في اقتناء الكبش، من أماكن مصرحة، وبعد مراقبة الطبيب البيطري، والحرص على طرق الحفظ السليمة للحوم، يكون بذلك قد اجتنب مشكل اللحوم الفاسدة أو كما قال بن رحم، وخلال الذبح، إذا ما تم اكتشاف أمر ما في الأضحية فإن المعلومات التي بحوزته تستطيع أن توصله إلى التاجر أو الموال للمطالبة باسترجاع أمواله.
وطالب رئيس المنظمة الجزائرية لحماية المستهلك مصطفى زبدي في حديث لـ"عربي بوست" بسنّ وتفعيل وثيقة بيع تحمل هوية الموال والتاجر والمشتري، ومعلومات عن الكبش كهوية يتم تقديمها في حال الغدر والغشّ.
..وترقيم وطني
ترقيم رؤوس الأغنام من المشاريع المقدمة لوزارة الفلاحة في الجزائر منذ مدة، بهدف منع ظواهر الغش وفضيحة فساد اللحوم، ومنع تهريب المواشي، زيادة إلى تنظيم إحصاء الثروة الحيوانية.
وكشفت يومية المساء الحكومية، نقلاً عن المصادر البيطرية بوزارة الفلاحة قبل سنة من الآن، عن مشروع جرد وترقيم رؤوس الماشية في مرحلته النهائية، وسيتم عرضه أمام وزير القطاع خلال الأشهر القادمة.
المشروع بحسب الصحيفة، تم إعداده في إطار التوأمة مع الاتحاد الأوروبي للاستفادة من الخبرة والتقنيات تحضيراً لمنح أول علامة جودة لسلالة أغنام أولاد جلال، على أن يتم إطلاق حملة تحسيسية مع الموّالين لتشجيعهم على المشاركة بصفة تطوعية في عملية جرد القطعان وترقيمها.
ويهدف المشروع أساساً إلى تحديث الإحصائيات الرسمية لثروة المواشي، وتنظيم سوقها الذي ينتعش خلال عيد الأضحى، وتجنب بعض الأمراض التي قد تضر بالصحة العمومية، إضافة إلى البحث عن اعتراف عالمي ببعض السلالات الجيدة للغنم في الجزائر.
وانتقد رئيس المنظمة الجزائرية لحماية المستهلك مصطفى زبدي في تصريح لـ"عربي بوست"، تأخر الوصاية في تطبيق هذا الإجراء رغم الحديث عنه منذ سنوات، معتبراً إياه المنفذ لإنقاذ المستهلكين من خطر المضاربين والمتلاعبين بالصحة العامة للسكان.
سنتان ونتائج التحقيق لم تظهر
صرح وزير الفلاحة عبدالسلام شلغوم في سبتمبر/تشرين الأول 2016، عن فتح تحقيق من قبل مختبرات متخصصة لكشف أسباب تعفن لحوم الأضاحي، لكن اليوم وبعد مرور سنتين لم يرَ الجزائري نتائج تلك التحقيقات.
ووصف رئيس المنظمة الجزائرية لحماية المستهلك مصطفى زبدي في حديث لـ"عربي بوست" تأخر ظهور النتائج في كل هذه الفترة بالفضيحة؛ "لأن الحديث عن سنتين يعني الحديث عن 24 شهراً من العمل".
ورغم أنهم طالبوا وزارة الفلاحة بكشف نتائج التحقيق، وطمأنة المواطنين بشأن لحوم الأضاحي المتعفنة في السنتين الأخيرتين، إلا أن ذلك لم يحدث.
الوزارة اكتفت بالحديث عن استعمال مكملات غذائية في تسمين الأضاحي، لكن جمعيات حقوق المستهلك تطلب معرفة نوع هذه المكملات، ومحتوياتها، ومدى خطورتها على الصحة العامة للمواطنين.
أما المفتشة المركزية بوزارة الفلاحة جميلة حاج اعمر، فأكدت لـ"عربي بوست" أن المختبرات البيطرية التابعة للوزارة أو للمصالح الأمنية ما زالت تعمل لكشف محتويات التسمين المتسببة في تعفن لحوم أضاحي 2016، لكن تعفن لحوم الأضاحي في 2017 فيرجع إلى عدم التقيد بشروط الحفظ السليمة للحوم من قبل المواطنين.
مجرد كلام
ورغم كل الكلام الذي أثارته وزارة القطاع لمنع تكرار فضيحة اللحوم الفاسدة، فإن الواقع لا يثبت ذلك.
مبروك حاجي جاب سوق العلمة بالكامل وطالب التجار بالكشف عن الشهادات البيطرية، أو تصاريح البيع، لكنه لم يتمكن من الحصول عليها سوى عند تاجر واحد يملك شهادات طبية مسلمة من قبل الطبيب البيطري، والسبب انتشار كبير لتجار غير قانونيين.
ويرى حاجي أنه من المستحيل مراقبة جميع الخراف الموجهة للذبح يوم العيد، فعدد كبير من المواطنين يشترون أضاحيهم من الأقارب، وبعيداً عن الأسواق، كما أن الأسواق المرخصة بعيدة عن المناطق النائية.
وبشأن توفير البياطرة يوم العيد، اتصل حاجي بمصالح بلدية العلمة في عيد 2017، بعد فساد لحم الأضحية، لكن لا أحد زارهم أو اتصل بهم، رغم أن الجميع يتحدث عن طبيب بيطري مناوب يوم العيد.