يستعد أبو مصطفى (40 عاماً) مع أبنائه للذهاب إلى دائرة الأحوال المدنية في مدينة الباب، لاستخراج بطاقات شخصية له ولأفراد عائلته، التي تتكون من خمسة أشخاص، يتجه إلى أمانة السجل المدني بعدما فقد البطاقة الشخصية الخاصة به في إحدى السنوات الماضية، حيث تعرَّض منزله للقصف، وعلى إثر ذلك فقد الثبوتيات التي تخصه وعائلته.
كما تعرَّضت السجلات المدنية في الداخل السوري، الواقع تحت سيطرة المعارضة السورية المسلحة للعديد من المشكلات، وأهم تلك المشكلات عدم وجود جهة رسمية تتبناها، وتعمل على الحفاظ عليها. ولعل تعرُّض المناطق المحرَّرة للقصف الجوي والمدفعي، من قِبَل قوات النظام كان أحد الأسباب التي فقد فيها المدنيون الإثباتات الشخصية الخاصة بهم، كما كان لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" أثر كبير، ومن ذلك إتلاف السجلات أو حرقها، مما أدى إلى كوارث في السنوات اللاحقة.
إثباتات شخصية من المجالس المحلية، والأتراك موافقون
تقوم المجالس المحلية في مناطق معركة درع الفرات شمالي حلب بإصدار بطاقات شخصية خاصة بمنطقة درع الفرات وغصن الزيتون، حيث إنها تعد الإثبات الشخصي الوحيد للمدنيين، للتنقل في هذه المناطق. من جانبه، قال رئيس دائرة الأحوال المدنية في مدينة الباب عبدالحميد الضاهر: "بدأنا بإصدار بطاقات شخصية معترف بها من قِبَل تركيا، وهي تعد بمثابة البطاقة الشخصية، تساعد المدنيين في التنقل بمناطق درع الفرات وغصن الزيتون".
وأضاف: "الحاجة هي التي دفعتنا إلى إخراج البطاقات الشخصية وكافة الوثائق الشخصية، ومنذ منتصف 2011 إلى الآن لم يستطع المدنيون إخراج وثائق جديدة خاصة بهم". وأشار أن من يملك بطاقة شخصية أُصدرت من قِبَل النظام لا بد له من استخراج بطاقة من قبل المجالس المحلية، لأنها الممثل الوحيد للمنطقة التي يقطن فيها.
تحاول إحياء التراث العثماني في سوريا.. تركيا تعيد فتح حلقات "الكتّاب"
وتعد المجالس المحلية في مناطق درع الفرات الممثل الوحيد الرسمي لكل منطقة فيها، حيث يصدر كل مجلس محلي بطاقات خاصة به، ولا يمكن لأي شخص أن يضع بصمته في أكثر من منطقة، نظراً لتوحيد الرسيفر لكافة المنطقة، وقد بدأت دائرة الأحوال المدنية في كل من بزاعة وقباسين والراعي وجرابلس في العمل على إخراج البطاقات الشخصية.
ليس السكان فقط، النازحون أيضاً يمكنهم استخراج هذه البطاقات
خلال حملة التهجير الأخيرة التي شهدتها عدة مناطق في ريف دمشق وريف حمص وريف درعا، توجه عدد كبير من المهجّرين للسكن داخل المدن الكبيرة التي استوعبت أعداداً هائلة منهم، بالإضافة إلى حملات النزوح التي تشهدها العديد من المناطق مثل دير الزور والرقة وغيرها، حيث اتجه معظم المهجرين إلى مناطق درع الفرات وغصن الزيتون شمالي حلب.
وفي ظلِّ هذه الظروف وفقدان أغلب المهجرين وثائقهم الشخصية، توجَّه عدد كبير من المهجَّرين لإخراج بطاقات شخصية، وتسجيل أبنائهم لدى المجالس المحلية، الممثلة عن المنطقة التي يقيمون فيها، حيث يقول عبدالحميد الضاهر: "يحق لكافة الوافدين والمقيمين استخراج بطاقة شخصية عبر المجلس المحلي للمنطقة التي يقيم فيها"، يحتاج من يريد استخراج بطاقة شخصية تقديم كافة الوثائق الموجودة لديه، التي تثبت شخصيته، وإذا لم يوجد لديه وثائق شخصية يستطيع أن يجلب شاهدَيْن إلى المختار في الحي الذي يقيم فيه، لإصدار شهادة تعريف، ثم يتوجه إلى دائرة الإحصاء لتثبيت مكان الإقامة، وبعد ذلك عليه التوجه إلى دائرة الأحوال المدنية لإخراج البطاقة.
كذلك يستخرجها مَن فقدوا هوياتهم، ومن يصدرونها لأول مرة
كما يحق للأطفال والكبار إخراج بطاقات شخصية تبعاً للمجالس المحلية التي تُعد بمثابةِ الممثل الشرعي لهم. وذلك وفق قول عبدالحميد الضاهر لـ "عربي بوست": "تستهدف البطاقات الشخصية الأطفال من عمر يوم حتى الأربع عشرة سنة، وذلك من دون بصمة وصورة شخصية، ويمكنه بعد 14 عاماً تجديد البطاقة الخاصة بعد إضافة الصورة الشخصية عليها، وكذلك تقديم بصماته".
فيما يتوجب على المتقدم من فوق 14 عاماً لاستخراج بطاقة شخصية تقديم صورة شخصية وبصمات لدى دائرة الأحوال المدنية، وذلك بعد تقديم الثبوتيات التي تؤكد شخصيته، كما يدفع المتقدمون لاستخراج البطاقة الشخصية مبلغاً رمزياً مقداره 500 ليرة سورية، الذي يصل لحوالي دولار أميركي واحد.
الكثير من السوريين فقدوا هوياتهم خلال قصف النظام
التقى "عربي بوست" بأبو مصطفى في مدينة الباب، شرقي حلب، حيث تبعد عن مركز مدينة حلب (35 كم) شمالي سوريا، وفي حديثه لـ "عربي بوست" قال: "خلال تعرُّض مدينة الباب للقصف من قبل قوات النظام، بعدما سيطرت عليها قوات المعارضة، قصف منزلي، وعلى إثر ذلك فقدت كافة الثبوتيات الشخصية، وحتى ثبوتيات العائلة". وذلك عندما سيطرت قوات المعارضة على مدينة الباب في عام 2012، بعد معارك مع قوات النظام، تعرَّضت المدينة للقصف المدفعي، بالإضافة لقصف الطيران الحربي الذي استهدف منازل المدنيين.
تعالوا إلى جرابلس السورية! المدينة التي تقدِّمها تركيا مثالاً على مُخطَّط دورها في سوريا
وأضاف: "لم أستطع خلال تلك الفترة إخراج بطاقة شخصية، أو دفتر عائلة، لأنني لا يمكنني ضمان العودة إذا ذهبت إلى مناطق سيطرة النظام في حلب، ومن الممكن أن تعتقلني قوات النظام خلال ذهابي أولاً، لعدم وجود بطاقة شخصية، وثانياً لأنني انضممت للحراك السلمي المطالب بإسقاط الأسد". ومع انطلاق الحراك السلمي المطالب بالتغيير الديمقراطي، منتصف عام 2011، كان أبومصطفى أحد المشاركين في المظاهرات، وهذا ما منعه من استخراج البطاقة الشخصية.
والكثيرون فقدوا أوراقهم الثبوتية بعد أن أتلفتها داعش
خلال بسط سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية داعش على مدينة الباب والريف الشرقي لحلب، استطاع التنظيم الوصول إلى السجلات المدنية، ومراكز الدولة في المنطقة، حيث قام بإتلاف الوثائق التي كانت مخزنة في السجل المدني، حسب تصريح عبدالحميد الضاهر، مدير دائرة الأحوال المدنية في مدينة الباب لـ "عربي بوست" قال: "الوثائق القديمة في أمانة السجل المدني سابقاً، تعرَّضت للإتلاف خلال سيطرة داعش على مدينة الباب، ولا وجود لها عندنا الآن، ونحن بصدد إخراج البطاقات الشخصية لحل هذه المشكلة".
يذكر أن تنظيم الدولة الإسلامية داعش سيطر على مدينة الباب، امتداداً لدولته المزعومة من مدينة الموصل العراقية حتى مدينة الباب شرقي حلب، حيث بسط التنظيم سيطرته على المدينة في عام 2014 حتى انتهاء حكمه فيها في فبراير/شباط 2017، عندما سيطرت عليها قوات المعارضة المسلحة مدعومة من القوات التركية، بمعركة درع الفرات.
إلا أن بعض السجلات المدنية ظلَّت قائمة
حافظت بعض السجلات المدنية على وثائقها ومحتوياتها، وذلك في كل من مدينتي مارع وأعزاز، اللتين لم تخضعا لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية داعش أبداً، وعلى الرغم من ذلك تعرضتا لقصف قوات النظام في وقت سابق، إلا أنهما حافظتا على وثائق السجل المدني.
وبحسب قول رئيس دائرة الأحوال المدنية في مدينة مارع محمد عبداللطيف، لـ "عربي بوست": "عندما تعرضت مدينة مارع لقصف طائرات النظام حاولنا، استطعنا الحفاظ على الوثائق المدنية"، حيث قام العاملون في أمانة السجل المدني بنقل محتويات أمانة السجل، إلى مراكز خاصة للحفاظ عليها من الإتلاف، حيث استمر عملها، لكن في مقر صغير أقيم لها بديلاً عن مقرها الأساسي، حفاظاً عليها خلال محاولة تنظيم الدولة الإسلامية السيطرة على مدينة مارع.
وبعد استقرار الأمن في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون، كثَّفت المجالس المحلية عملها، من هذه الناحية، نظراً لعدم وجود جهة رسمية سابقة تشرف على هذه المشاريع، ويعد "إخراج القيد" هو الهوية الرسمية للأشخاص الذين لا يملكون بطاقات شخصية، طبعاً في المناطق التي لم تفقد الوثائق الرسمية التي تحتوي عليها دوائر السجل المدني.
أما النظام، فينزع الجنسيات ويحدد مواطني سوريا الجدد
ويذكر أن النظام السوري عمد إلى ترويج شائعة تخص تجديد البطاقات الشخصية في منتصف العام الماضي 2017، وذلك لسحب الهوية السورية من السوريين المقيمين خارج مناطق سيطرته، والذين هم في كل الأحوال لا يستطيعون الدخول إلى المناطق الموجودة فيها قواته، وذلك أدى إلى إثارة غضب السوريين المقيمين خارج مناطق النظام، ووصفوه بالكارثة آنذاك، وإضافة إلى ذلك عمد إلى سحب الجنسية السورية من المجنَّسين في تركيا.
كما عمل النظام على تجنيس العديد من الميليشيات الإيرانية والأفغانية، التي تعمل إلى جانبه ضد قوات المعارضة المسلحة، بالإضافة إلى الميليشيا العراقية. وينظر السوريون إلى هذه الخطوة على أنها تصب في صالح النظام، وذلك بأن يصف هذه الميليشيات بالجيش السوري، كما يعد ذلك تشجيعاً على استقطاب العديد من الميليشيات إلى الداخل السوري.