يبدو أن الصين تراجعت عن سياسة الطفل الواحد وسياساتها التي سنَّتها منذ عقود للحدِّ من النمو السكاني، في محاولة لعلاج قنبلة ديموغرافية موقوتة.
ورغم أن السلطات الصينية حافظت على سياسة الطفل الواحد لكل أسرة لعقود، قبل إدخال بعض التعديلات الجزئية عليها في عام 2015، لتسمح للزوجين بإنجاب طفل ثانٍ.
لكن وفقاً لموقع CNN الأميركي، فإن العائلات لم تهرع لتقبل التعديلات الحكومية التي تفتح باب زيادة أعداد أفرادها وفقا لتوجهات سياسة الطفل الواحد
ولم يكن الجميع في الصين يخضع لهذه السياسة المسماة سياسة الطفل الواحد
ففي عام 2007، ذكرت صحيفة تشاينا ديلي الصينية، أن أقل من 40% من السكان تنطبق عليهم تلك السياسة.
وكان كثير من جماعات الأقليات معفيين منها، كما أن العديد من الأزواج سُمح لهم بإنجاب أكثر من طفل في زمن سياسة الطفل الواحد.
لكن من تنطبق عليهم سياسة الطفل الواحد تعرَّضوا غالباً لمعاملة غير إنسانية عند انتهاكهم لها
فالوسائل المستخدمة لفرضها تراوحت بين توزيع واسع لوسائل منع الحمل وعقوبات مالية وتعقيم وإجهاض إجبارى لمن لا يذعنون.
سياسة الطفل الواحد باتت تمثل تهديداً على الاقتصاد الصيني
وكانت الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، قد اقترحت السماح بإنجاب طفلين والتخلي عن سياسة الطفل الواحد لحل مشكلة شيخوخة المجتمع وتراجع معدلات المواليد.
ويقدر متوسط إنجاب المرأة الصينية أقل قليلاً من 1.6 طفل، بينما تحتاج البلاد إلى معدلات تصل إلى 2.1 طفل للوصول إلى مجتمع مستقر سكانياً.
وكان قد تم إقرار سياسة الطفل الواحد فى سبعينيات القرن الماضي لمنع حدوث انفجار سكاني.
ووفقاً للتقديرات، فإن عدد سكان الصين كان سيصل لأعلى مما هو عليه الآن بـ300 مليون نسمة إذا لم يتم تطبيق هذه السياسة.
وتعد الافتتاحية التي نشرتها إحدى الصحف المملوكة للدولة تحت عنوان "الولادة أمر خاص بالأسرة وقضية وطنية في نفس الوقت"،
آخر محاولات السلطات لتشجيع الأزواج الشباب على ولادة أكثر من طفل، والتخلي عن سياسة الطفل الواحد ونداء لخطوة رسمية تمكن الشباب من بدء أسرهم.
ونشرت صحيفة The People's Daily، الناطقة باسم الحزب الشيوعي الحاكم مقالاً على صفحة كاملة في نسختها الخارجية.
وحذَّرت من أن تأثير معدلات الولادة المنخفضة بدأ يظهر على الاقتصاد والمجتمع.
واجتذب المقال الملايين من التعليقات عبر الإنترنت، وصادف نشره إعلان الحكومة عن طابع بريدي جديد ينوه بطريقة ما عن نيتها لتخفيف القيود الباقية على عدد الأطفال الذين يمكن لأسرة واحدة إنجابهم.
ويظهر الطابع الذي نشرته الحكومة احتفالاً بعام الخنزير القادم -أحد الأعياد الصينية- صورةً والدَيْن مع ثلاثة خنازير صغيرة، يشبه في ذلك طابع بريد أصدرته الحكومة في عام 2016 للاحتفاء بعام القرد، أظهر قردين صغيرين في إيماءة لتخلي الحكومة عن سياسة الطفل الواحد.
واضطرت الصين إلى مراجعة سياسة الطفل الواحد بسبب المشكلات الديموغرافية
ووفقاً لموقع CNN الأميركي، راجعت بكين سياسة الطفل الواحد المثيرة للجدل، التي تعرّضت النساء بسببها للإجهاض القسري، والغرامات القاسية، والطرد إذا حاولن ولادة طفل ثان، بعد أن أصبحت المشكلات الديموغرافية الناتجة عن قلة عدد الأطفال أكثر وضوحاً.
ومما يوضح العواقب الوخيمة لتطبيق سياسة الطفل الواحد على مدى أكثر من 30 عاماً أنه حتى لو تم إلغاء هذه السياسة اليوم فإن الأمر يتطلب مدة تتراوح بين 16 و20 عاماً لإضافة جيل جديد إلى قوة العمل، في حين أنه من المتوقع أن يحال أكثر من 360 مليون شخص إلى التقاعد خلال نفس المدة، وهو ما قد يتطلب معجزة اقتصادية منفصلة لإعالتهم.
ويقول التقرير إنه بجانب جيوش المتقاعدين وانخفاض القوة العاملة هناك خطر آخر يهدد المجتمع، هو الخلل الكبير في التوازن الطبيعي بين أعداد الذكور والإناث، الناجم عن ظاهرة "الإجهاض الانتقائي" التي قدرت بـ330 مليون حالة، وانتشرت كردّ فعل لسياسة الطفل الواحد، حيث تلجأ الكثير من الأسر إلى إجهاض الأجنة الإناث، مفضلة إنجاب ذكر ليكون الابن الوحيد للأسرة.
فضلاً عن مشكلات الأيدي العاملة في الصين
ويرصد التقرير الأميركي قلة عدد الأيدي العاملة في الصين، حيث يدعم العديد من الشباب والديهم وأجدادهم من جانب الأب والأم، في دولة لا تزال تعاني من نقص في الخدمات المقدمة لكبار السن.
ووصلت معدلات الخصوبة في الصين عام 2017 إلى 1.6 طفل لكل سيدة، أي أقل بـ2.1 من المعدل المطلوب للاستقرار السكاني.
لكن مع ذلك هناك رفض كبير لسياسة الطفل الثاني بسبب التكلفة المالية
وواجهت الحكومة صعوبة في تطبيق تعديلاتها على سياسة الطفل الواحد، جراء اعتياد الطبقة الحضرية الوسطى في الصين مع ثقافة انخفاض معدل الولادة مثلها مثل الدول الغربية. وهي المعدلات التي فرضتها الضغوط الاقتصادية.
ويقول مقال صحيفة The People's Daily "خاصة في المدن، تكلفة إنجاب طفل تزداد أكثر فأكثر، التكاليف الاقتصادية والزمنية تزداد، منذ ولادة الطفل حتى التحاقه بالمدرسة. العديد من شباب المدينة ليسوا راغبين في إنجاب الأطفال".
ويرى كاتب المقال "زانج يكيي" أن على الحكومة اتخاذ إجراءات مثل دعم التعليم والرعاية الطبية، لتشجيع الشباب على إنجاب الأطفال، ويقول في مقاله "في مواجهة انخفاض معدلات الخصوبة، على الحكومة اتخاذ إجراءات موجَّهة أكثر لحلها، وإرضاء رغبة الجماهير في حياة أفضل".
أثار المقال ردة فعل كبيرة عبر الإنترنت، من ضمنها هاشتاغ انتشر بين الملايين على تطبيق Weibo، المناظر لموقع التواصل الاجتماعي تويتر، وتشرف عليه الحكومة.
وتزيل الرقابة الصينية عادة التعليقات التي تنتقد الحكومة على موقع التواصل الاجتماعي Weibo، ولا يعرف مدى الرقابة التي فرضت حول هذه القضية، أغلبية التعليقات على الهاشتاغ المساند للمقال الأخير كانت مؤيدة لاقتراحات الكاتب، وحاجة الحكومة لتحفيز الأزواج على ولادة أكثر من طفل.
ويعتبر المقال أحد المؤشرات الأخيرة على استعداد الحكومة الصينية لتغيير خططها لتنظيم الأسرة والتخلي عن سياسة الطفل الواحد بشكل كامل، أو لتشجيع إنجاب المزيد من الأطفال، فحث النساء على ولادة أكثر من طفل لم يحقق التغيير الديموغرافي المنشود.
وقال الأستاذ في جامعة ويسكونسن ماديسون، يي فوكسيان، في تصريحات لصحيفة Wall Street Journal، إن صدور طابع أسرة الخنازير يعد مؤشراً واضحاً على رغبة الحكومة الصينية في التخلي عن سياسة الطفل الواحد.
لذلك بدأت الإدارات المحلية في الصين منح المقبلين على الزواج إعانات مالية للمساعدة
وبدأت محكمة الصين العليا، الشهر الماضي، في دراسة قانون يسمى "فترة الهدوء"، وهو للأزواج المقبلين على الطلاق، لإعطائهم فرصة لمراجعة قرارهم. ومنحت الإدارات المحلية مساعدات مالية للشباب المقبلين على الزواج.
ويخشى البعض أن تتحمل النساء تبعات قرار زيادة عدد الأطفال، مثلما تحملن وطأة سياسة الطفل الواحد القاسية من قبل.
وتواجه النساء صعوبات شديدة للالتحاق بوظيفة، رغم أن قوانين العمل تحرم التمييز المبني على الجنس أثناء التوظيف، وفقاً لمسح أجراه موقع 51job.com العام الماضي، 75% من الشركات أصبحت غير عابئة بتوظيف النساء، بعد انتشار شائعات انتهاء سياسة الطفل الواحد.
ونشرت منظمة هيومان رايتس ووتش تقريراً، العام الماضي، يكشف عن تزايد الفجوة بين الجنسين في سوق العمل الصينية.
وكانت نسبة النساء المشاركات في القوى العاملة مقابل الرجال قد بلغت 83% في عام 2007، لتنخفض إلى 81% في عام 2017، صاحبت ذلك زيادة في الفجوة التي تفصل بين رواتب الجنسين.
وأظهر التقرير أن العديد من إعلانات الوظائف استبعدت النساء اللواتي لم يلدن بعد، في محاولة واضحة لتجنّب دفع تكاليف إجازة الأمومة.
ويرى تقرير الهيومان رايتس ووتش، أن تغيير سياسة الطفل الواحد قد تفاقم من حالة التمييز بين الجنسين في الصين.
قد تنفر الشركات من توظيف النساء اللاتي لم يلدن بعد، بناء على افتراض مسبق بأنهن سوف يحصلن على عطلتين للأمومة، وليس عطلة واحدة فقط.