خلال نهاية الأسبوع الماضي، عقدت "حركة التوحيد والإصلاح" في المغرب اجتماعها العام الوطني السادس، الذي أسفر عن تجديد الثقة في رئيسها عبدالرحيم شيخي لولاية ثانية من 4 سنوات، وساد نقاش حول علاقة الحركة بـ "شريكها الاستراتيجي" في العمل السياسي؛ حزب العدالة والتنمية، الذي يقود الحكومة المغربية، وضرورة اتخاذ قرار واضح في قضية الانفصال عنه أو الاستمرار معه.
ففي بداية التسعينات من القرن الماضي وافق إسلاميون مغاربة على الاندماج في حزب الراحل عبدالكريم الخطيب "الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية"، وتحويله فيما بعد إلى "العدالة والتنمية" الذي يحكم اليوم. وقتها تردّدت في الساحة السياسية المغربية لأول مرة عبارة "نحن لم نأت لنسيِّس الدين، ولكن جئنا لنديِّن السياسة".
المقولة كانت كافية ليفهم الجميع، أن بعض القياديين في الحركات الدعوية الإسلامية تحولوا إلى العمل السياسي الحزبي، وأنه ما كان لهؤلاء أن يُعمِّموا العبارة أصلاً لو كان هناك "فصل" بين الديني أو الدعوي والسياسي، لدى حركة سُميت آنذاك بـ"حركة التجديد والإصلاح"، قبل أن تتحول إلى اسمها الحالي "حركة الإصلاح والتوحيد" في أغسطس/آب 1996، عندما اندمجت مع "رابطة المستقبل الإسلامي".
مداخل الإصلاح.. وتعميق تجربة التمايز
النقاش الذي دار خلال اجتماع قيادات الحركة، انعكس على مشروع الميثاق الجديد الخاص بها، الذي صادقت عليه إحدى جلسات الجمع العام، بعدما أدخلت عليه مجموعة من التعديلات، من بينها طموح الإصلاح والتوحيد نحو المزيد من التجديد، وترسيخ البعد الدعوي والتربوي والابتعاد عن السياسي بالمعنى الحزبي.
فقد "جرى تطور في عدد من الأمور على مستوى التجربة والممارسة"، كما يؤكد رئيس حركة التوحيد والإصلاح، عبدالرحيم شيخي، موضحاً أن من بين هذه الأمور ما يتعلق بـ "مداخل الإصلاح التي تؤمن بها الحركة، وهي متعددة ومتنوعة كالعمل الدعوي والتربوي والتكويني، والعمل المدني، وأيضاً العمل السياسي والنقابي".
لكن عملياً، كما يقول رئيس التوحيد والإصلاح لـ"عربي بوست": "عمقنا تجربة التمايز بين ما هو دعوي وحركي وتنظيمي، وبين ما هو سياسي حزبي".
بهذا المعنى، لن تكون "الحركة الدعوية التربوية الإصلاحية كفاعل مدني بعيداً عما هو سياسي، ولكن في تمايز واضح عما هو حزبي تقوم به هيئات يؤطّرها الدستور والقانون"، يضيف رئيس حركة التوحيد والإصلاح.
تمايز غامض.. وحفاظ على الشراكة
لم يكن هذا الفصل بين السياسي الحزبي (وهنا يقصد حزب العدالة والتنمية بشكل حصري) والدعوي غائباً عن أدبيات أبناء حركة التوحيد والإصلاح، لكنه ظلّ فصلاً غامضاً بالنسبة للعديد من المراقبين، خصوصاً أن الحركة تعرّف نفسها على أنها "حركة دعوية تربوية على منهاج أهل السنة والجماعة".
لا يعتقد عبدالإله سطي، الباحث في العلوم السياسية المتخصص في حركات الإسلام السياسي، أن مسألة الفصل بين الدعوي والسياسي ستتشكّل بشكل كلي على الأقل على المستوى القريب".
يكمن السبب، بحسب الباحث في العلوم السياسية، في الارتباط الكبير الموجود "بين مجموعة من الأعضاء، الذين نجدهم داخل الحركة ومنخرطين داخل الحزب"، إضافة إلى السبب السيكولوجي الذي يتعلق "بشخصية الأعضاء داخل الحزب الذين يتم تكوينهم بداية داخل الحركة، قبل أن يتم التحاقهم بالحزب كمرحلة ثانية"، وفق تصريح صاحب كتاب "ما بعد الإسلام السياسي في المغرب" لـ "عربي بوست".
من جانبه، يرى عزالدين العزماني، الباحث في العلوم السياسية، أن علاقة التوحيد والإصلاح بحزب العدالة والتنمية، تم تدبيرها منذ البداية "بمنطق التمايز الوظيفي بين الدعوي والسياسي/الحزبي، وفي نفس الوقت الحفاظ على شراكة استراتيجية في المقاصد والرؤى".
ورغم أن الحركة أدركت اليوم أيضاً بشكل جديد المشكلة السياسية، لكن لا يعني أنه سيتم العثور عند التوحيد والإصلاح "على ما يفيد جهداً معرفياً في إعادة تعريف مفهومها للسياسة، حيث يضيق المعنى إلى ما هو علائقي وحزبي ووظيفي"، يقول العزماني لـ "عربي بوست".
يوضح المتحدث ذاته، أن تعريف السياسة في أدبيات الحركة يحيل عندها على مختلف الأعمال والمهام الرامية إلى التزام المؤسسات السياسية والممارسات السياسية بالإسلام؛ أي السياسة الشّرعية بالمعنى الكلاسيكي، والذي تحقّقه الحركة عن طريق التأصيل الشرعي للعمل السياسي، وتوفير الآليات المشروعة اللازمة للعمل السياسي، والعمل على تقديم صورة جديدة للممارسة السياسية الراشدة والنظيفة.
بين حركة التوحيد والإصلاح والحزب.. هذا من تلك
بهذا التأصيل "الشرعي" للممارسة السياسية، بنى عدد من القياديين في الحركة نظرتهم الحزبية، وعملوا على الاشتغال بها في حزب العدالة والتنمية، إذ لا يمكن فهم خطاب حزب العدالة والتنمية وأسلوب عمله في العمل السياسي بذات الطريقة التي يُفهم بها سلوك الأحزاب السياسية الأخرى، يقول الكاتب نور الدين علوش، في كتابه "التوحيد والإصلاح-قراءة في المسار".
هذا الرأي يوافقه، عبدالإله سطي، الباحث في العلوم السياسية، عندما يشدّد على أن "التركيبة السوسيولوجية المهنية ثم نمط التنشئة التربوية والسياسية داخل الحزب، مختلف كل الاختلاف عن باقي الأحزاب، كما يجعل الخطاب السياسي للحزب مختلفاً عن الآخرين.
ولذلك يستبعد الباحث مسألة الانفصال الكامل بين الحركة والحزب في الفترة القادمة، إلا أنه يؤكد أن الأمر سيكون له تأثير كبير على شعبية الحزب، خصوصاً أن نسبة كبيرة من أعضاء الحزب هم قياديون أيضاً داخل الحركة.
هذه المسألة بالضبط، هي "ما يدعم الحزب بشكل كبير أثناء الحملات الانتخابية"، بتعبئة أعضاء الحركة لمرشحي الحزب التي "يكون لها انعكاس إيجابي على مستوى النتائج التي يتحصل عليها الحزب خلال العملية الانتخابية".
فحزب العدالة والتنمية لم ينشأ في الأصل نشأة سياسية طبيعية، خصوصاً أن قيادة "حركة الإصلاح والتجديد" آنذاك، ناشدت الراحل عبدالكريم الخطيب بالسماح لها بالعمل السياسي، في إطار حزبه "الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية (أسسه الخطيب عام 1967 بعد الانشقاق عن حزب الحركة الشعبية لمؤسسه المحجوبي أحرضان)، واشترط الخطيب أن يساهم أعضاء الحركة كأفراد وليس كتنظيم، وهو ما صادقت عليه اللجنة الوطنية لحركة الإصلاح والتجديد، بتاريخ 21 يونيو/حزيران 1992.
إثرها مباشرة عقدت الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية مؤتمراً استثنائياً، انتهى باندماج عناصر من قيادة حركة الإصلاح والتجديد (حركة التوحيد والإصلاح لاحقاً) في قيادة حزب الخطيب، إذ كان أبرز أعضاء الأمانة العامة، إلى جانب الراحل عبدالكريم الخطيب كأمين عام للحزب، رئيس الحكومة السابق، عبدالإله بنكيران، ورئيس الحكومة الحالي، والأمين العام الحالي لحزب العدالة والتنمية، سعد الدين العثماني.
لم تمر سنتان من التحاق قياديي الحركة بحزب "الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية" حتى تم تغيير اسم الحزب إلى حزب "العدالة والتنمية"، عقب المجلس الوطني للحزب سنة 1998.
لهذا لم تكن "طبيعة نشأة الحزب سياسية، بل السياسة ضمن المنظور الأولي لم تكن سوى لازم من لوازم الدعوة، والفاعلون السياسيون في منشأ هذا الحزب لم يكونوا سوى الفاعلين الدعويين، الذين دخلوا العمل السياسي برؤية دعوية يحضر فيها خطاب التخليق أكثر من أي خطاب آخر"، وفق كتاب "التوحيد والإصلاح-قراءة في المسار"، مما يجعل الفصل بين الدين والدنيا أمراً صعب المنال.