في أواخر شهر مايو/أيار ظهرت آثار داعش في مخيمات اليونان. كان نبيه يسير عائداً إلى خيمته في مخيَّم لاجئين يُدعَى موريا على جزيرة ليسبوس اليونانية، عندما شعر بحجرٍ يمرَّ بمحاداة وجهه. وخلال ثوانٍ معدودات، وجد نفسه وسط قتالٍ بكل معنى الكلمة. أحجارٌ تُقذَف يمنةً ويسرة، لتظهر بعدها مجموعةٌ من الرجالٍ المقنَّعين، يلوِّحون بعصيٍّ حديدية.
صاح أحد هؤلاء الرجال: "مَن مُنكَم هُنا كردي؟". سريعاً خبَّأ نبيه أطفاله داخل الخيمة ووقف متأهباً في الخارج يحرسها. رآه فردٌ من الجماعة المقنَّعة يقف مرتعشاً في مكانه ولكمه في وجهه. انضمَّ إليه آخرون، وضربوه بعصيِّهم المعدنية. أصابت الضربات يد نبيه وهو يحاول صدَّ الضَرب عن وجهه. وأخيراً، طعنه أحدهم في ظهره.
يتذكر نبيه الذي يعيش في المخيم منذ أكثر من عام، وهو يلمِس حيث طُعِن في ظهره، أن أحد مهاجميه قال: 'إنَّه عجوز، اتركوه ليموت" في عين علق آخر " هو لا يصلِّي ولا يصوم، إنَّ قتله حلال".
سرعان ما وجد نبيه نفسه يُجَرُّ من ساقيه إلى خيمةٍ أخرى، حيث استقبلوه بضربٍ آخر وعِظَةٍ عمَّا هو حلالٌ وحرام. وفي حين كان الرجال يجلدون قدميه، أقسم نبيه أنَّه رأى عَلم تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) على الحائط المقابل له.
بدايات ظهور داعش في مخيمات اليونان
بعد ضربه بدأوا يسألونه: "لمَ لا تصلي؟ لمَ لا تصوم؟ أنتَ رجلٌ عجوز، ما تفعله حرام"، وحينما انتهوا منه جرَّه الرجال المقنَّعون إلى بوابات المخيَّم، تاركين إياه مغطَّىً بدمائه.
شهد نبيه و6 مقيمين آخرين بالمخيَّم،قادمين من مدينة كوباني السورية الكردية، هوجموا أيضاً في أثناء العِرَاك الناشب، أنَّ الجُناة كانوا عصابةً من نحو 30 رجلاً، جميعهم لاجئون واصلون حديثاً من مدينة دير الزور، وهي آخر معاقل "داعش" في سوريا. ووصل نحو 600 شخصٍ قادمين من دير الزور إلى موريا على مدار الشهور الأخيرة، أغلبيتهم فروا من قوات سوريا الديمقراطية، المدعومة من قِبل الولايات المتحدة ويقودها الأكراد، لطرد آخر بقايا "داعش" خارج سوريا.
ليس التوتُّر بين العرب والأكراد في المخيَّم ظاهرةً جديدة. لكنَّ لاجئي مخيَّم موريا وبعض المدافعين عن حقوقهم قلقون الآن تجاه علاماتٍ على وجود مؤيدين لـ"داعش" في مخيمات اليونان وسط المجموعة الأساسية من اللاجئين الوافدين إلى دير الزور. وفي حين أنه من الطبيعي أن يدرك أيُّ مسلمٍ ملتزم ما هو الحلال والحرام، فإنَّ استخدام العصابة إياه لعقاب الغير يُشبه نوعية العنف المتطرِّف المرتبطة بتنظيم داعش.
شهود عيانٍ أخبروا موقع The intercept الأميركي بأنَّهم سمعوا أفراداً من العصابة يصيحون قائلين: "نحنُ داعش". وكان بحوزة شاهدٍ آخر صورة لـ"غرافيتي" به جملة "دير الزور باقية"، منقوشة على جدران المخيَّم الشبيهة بالسجن. يُذكِّر الشعار بجملة "داعش باقية"، التي وُجِدت منتشرةً على جدران العقارات التي صادرها تنظيم داعش في الموصل والرقة.
وصرح شابان لموقع The Intercept أيضاً، بأنَّهما استُهدِفا من قِبل زعماء العصابة المسؤولة عن الهجوم ليجنِّدوهما بجماعتهم. وادَّعى بعض الرجال أنَّهم كانوا مقاتلين في صفوف "داعش".
هدية لليمين المتطرف الأوروبي
وفي ظل مناخٍ سياسي تتحيَّن فيه الأحزاب اليمينية الفرصة لتصوير توافُد اللاجئين إلى بلادهم باعتباره خطراً إرهابياً وليس أزمةً إنسانية، فإنَّ تداعيات أية دلالة على وجود يدٍ لـ"داعش" في مخيَّمات اليونان ستكون كارثية.
وبدءاً من حزب "البديل من أجل ألمانيا" (AfD) وحتى حزب "الفَجر الذهبي" في اليونان، استغل اليمين الأوروبي الخطاب المناهض للاجئين كي يرتقي سياسياً، وعزف على وتر خوف الناس من أن تكسب الجماعات المتطرِّفة مثل "داعش" سلطةً ونفوذاً في بلادهم. وبفضل السياسات العقابية التي أنتجتها مثل تلك المخاوف، أُغلِقَت أبواب الهجرة باسم الأمن القومي، ما ترك المهاجرين محبوسين في مخيَّماتٍ بظروفٍ عصيبة تمثِّل في حد ذاتها مناخاً مثالياً لتستغله الفصائل المتطرفة.
على جزيرة ليسبوس، يعيش 7 آلاف شخصٍ حالياً في مخيَّم موريا الذي يديره الجيش اليوناني، والذي يُشبَّه، برغم موقعه الشاعري على تلالٍ من بساتين الزيتون، بسجن خليج غوانتانامو. ورغم أنه قد قلَّت أعداد اللاجئين من الشرق الأوسط وإفريقيا في عام 2016، عندما أغلق الاتحاد الأوروبي آخر مسارات الهجرة إلى الشمال، وأبرم اتفاقية لإرجاع المهاجرين إلى تركيا، فإنَّ الهجرة لم تتوقَّف كلياً.
والآن، بدلاً من المضي قدماً إلى بقية أوروبا لبدء حياةٍ جديدة، يُترَك اللاجئون أشهراً يتعفَّنون في مخيَّماتٍ أسمنتية مطوَّقة بالأسلاك الشائكة مثل موريا. خياراتهم الاقتصادية محدودة، والعديد من العائلات يعيشون في خيمة واحدة، يقتاتون بالكاد على المعونة الموزَّعة عليهم.
نداء قدري، وهي متطوعة سورية-أميركية، تبلغ من العمر 36 عاماً، قَضَت العامين الماضيين تُساعد اللاجئين على الجزيرة، تقول إن هناك عدة مشاكل في المخيَّم، ولا تؤخذ قضايا التطرُّف فيه بالجدية اللازمة. وفي حين لا تدري "نداء" يقيناً ما إذا كان اللاجئون، الذين تصفهم بـ"المتطرفين"، أفراداً تابعين لتنظيم داعش في مخيمات اليونان فعلاً، فإنَّ تصاعُد وتيرة العنف، والدوافع الأيديولوجية التي تُحرِّكه ظاهرياً هي أمورٌ مقلقة بالنسبة لها.
واعتبرت أن التفسير المتطرِّف للإسلام من بين الأسباب التي أدت إلى حدوث الهجوم الأخير "على أقل تقدير، هؤلاء الأشخاص يستخدمون الأساليب والمنهجية ذاتها التي نرى داعش يستخدمها في سوريا".. تقول "نداء"، وتضيف أنهم ربما هُم محض بلطجية يقلِّدون نهج "داعش". وعلى أسوأ التقديرات، ربما كانوا "داعشيِّين تسلَّلوا من سوريا ونجحوا في تأسيس فرع داعش في مخيمات اليونان".
اللاجئون هم من يدفع الثمن
وتُرجع إيفا كوسي، الباحثة في شؤون غرب أوروبا لدى منظمة هيومان رايتس ووتش الحقوقية، سبب التوتر الحاصل إلى سياسة الاحتجاز المتَّبعة من قِبل اليونان، حيث أصبحت الجزر اليونانية سجوناً في الهواء الطلق، وأماكن احتجازٍ لأجلٍ غير مسمى، "عندما تضع 7 آلاف شخصٍ لا يتحدَّثون اللغة ذاتها أو يعتنقون الديانة ذاتها في مخيمٍ واحد، فإنَّك تخاطر بالأمن فيه"، تؤكد الباحثة.
وفوق ذلك، فإنَّ اللاجئين أنفسهم هم مَن يدفعون ثمن التطرُّف الذي يختمر داخل المخيَّم، ففي النهاية، هُم مَن يُهدَّدون ويُضرَبون في موريا لا الأوروبيين.
سارة، كردية تبلغ من العمر 28 عاماً أتت إلى موريا من مدينة عفرين منذ أكثر من شهر، ومعها أطفالها الستة وحماتها البالغة من العمر 75 عاماً، تحكي بأسىً أنهم فرُّوا من الحرب ليجدوا السلام، لكنهم بدلاً من ذلك، وجدوا أنفسهم في حربٍ أخرى.
بعد نجاته من الحادث، هرب نبيه تاركاً موريا هو و300 كردي آخرين. ذهبوا إلى ملجأ مؤقت مقام داخل مجمّع رياضي مهجور، يُعرَف بينهم باسم "المزرعة". تميل أشجار النخيل والزيتون بخفَّةٍ على مدخل المزرعة، وتُلقي بذلك ظلاً طبيعياً على ما كان يوماً مركز استقبال وملعب كرة قدم وحمام سباحة. ومثل منشآتٍ كثيرة في اليونان، أُعيد توظيف المكان ليساعد في محاولة احتواء عدد اللاجئين الضخم المارّ باليونان في طريقهم لباقي دول أوروبا.
"نداء"، مكلَّفة إدارة مركزٍ لتوزيع المعونة خارج المجمَّع، تعتبر أنها المرة الأولى التي ترى فيها كُل أفراد عِرقٍ معيَّن يغادرون مخيَّماً ويرفضون العودة إليه. عندما توافد نبيه وغيره من اللاجئين الأكراد، مغادرين مخيَّم موريا عقب الحادث في يوم 25 مايو/أيار 2018، قاصِّين شهاداتٍ متشابهة عن رجالٍ مقنَّعين يتصيَّدون الأكراد، ويضربونهم ويوبِّخونهم على عدم الالتزام بالشعائر الإسلامية- شكلت "نداء" فريقاً من المتطوعين لنصب 170 خيمة على أرض ملعب كرة القدم؛ ليتَّسع لسُكنَى الوافدين الجدد ولحمايتهم من خطر المعتدين.
نقلوا صراعاتهم معهم
تؤكِّد "نداء" وغيرها أنَّ الحساسيات القومية للاجئين قد تكون هي مصدر النزاع، فاللاجئون القادمون من دير الزور ساخطون على قوات الأكراد التي دخلت أراضيهم، وكثير من اللاجئين الأكراد الوافدين مؤخراً تؤرقهم ذكرياتٌ مظلمة عن الأفعال الوحشية التي ارتكبها "داعش" في حقِّهم بكوباني وسنجار والمحفورة في ذاكرتهم، وهُم مذعورون بشكلٍ يسهُل تفهُّمه من مجرَّد فكرة أن يجدوا هُنا أي شيءٍ يشبه ما فرُّوا منه في سوريا.
وفي حين كان لاجئو دير الزور هُم من نفَّذ آخر حوادث الهجوم تلك، فإنَّ اللاجئين الأكراد كذلك أذكوا نيران الاضطراب؛ إذ نظَّموا مظاهرات، ولوَّحوا بالعَلم الكردي، وغنُّوا أناشيد قومية كردية. وقال آلان، وهو لاجئ كردي يبلغ من العمر 28 عاماً: "ذات ليلةٍ، كان الأكراد يهتفون: (الأكراد يدٌ واحدة).. حذَّرتهم بألَّا يفعلوا هذا، إذا أردتم الهتاف فاهتفوا (سوريا يدٌ واحدة). لكن، إن أردتم الشجار هكذا بينكم، فعودوا إلى سوريا حيثُ يتقاتل الأكراد والعرب في كل مكانٍ بالفعل".
لكنَّ آلان قال أيضاً إنَّه كان على درايةٍ بلاجئين من دير الزور كانوا منتمين إلى تنظيم داعش. عاش آلان بينهم في موريا، وصادقهم بدافعٍ من الملل والمصلحة الشخصية بالوقت ذاته. قال إنَّ بعضهم "أروني صوراً ومقاطعَ فيديو لهم عندما كانوا بتنظيم داعش". وفي ليالي السهر، كان أصدقاؤه الجدد يشرحون له كيف اكتسب "داعش" السُّلطة وثقة الناس في دير الزور، ويقصُّون عليه حكايات تجارة العبيد سيئة السُّمعة التي تُتاجر بأفرادٍ من الشعب اليزيدي، وهم أقلية عراقية.
وأخبره بعض العناصر بأنَّهم انضموا إلى "داعش" من أجل المال، وآخرون لأنَّه كانت بينهم خصومات مع قُرى مجاورة، وكان "داعش" أفضل سبيلٍ للانتقام، حيث كانوا يذهبون إلى سنجار ويشترون فتياتٍ يزيديات. أحياناً كانوا يشفقون عليهن ويهرِّبونهن إلى مناطق كردية، قائلين لهن أن يذهبن لإيجاد عائلاتهن.
اضطر آلان هو الآخر إلى مغادرة موريا بعد الهجوم. نُهِبَت خيمته وعُلِّم عليها بحرف إكس "X"، وهو يظن أنَّ تلك كانت فعلة بعض المتطرِّفين بعد أن اكتشفوا أنَّه كردي، وقرَّروا أنَّه لا يمكن الوثوق به بعد الآن.
تجنيد الضعفاء
أمَّا علي، وهو لاجئٌ آخر في المزرعة، فيعتبر نفسه بمثابة مُصلح بين الأكراد والعرب بالمخيَّم. عليّ من الموصل، تبنَّته أسرةٌ كردية بعد أن تيتَّم في سنٍ صغيرة، ما وضعه بموقفٍ صعب؛ فهو عربيُّ الدم وكرديُّ المنشأ. وعندما اندلعت الشجارات في موريا، استغلَّ عليّ معرفته باللغتين وعلاقاته مع كلتا الطائفتين للتوسُّط وتهدئة النزاعات.
وقال علي، مشيراً لجماعة لاجئي دير الزور الصغيرة الذين بدوا كما لو كانوا زعماء الفصيل المتطرِّف: "كنتُ كثيراً ما أراهم، وأدعوهم لشُرب القهوة في دكَّاني". ومع الوقت، لاحظ عليّ أنَّ صلته بهم حازت له امتيازاتٍ معيَّنة. لم يكن مضطراً إلى الانتظار بالساعات في طوابير الحصول على الوجبات أو بطاقات المعونة: "قالوا لي إنَّك لو بقيت معنا، فإنَّا لن نترك أحداً يَمَسُّك، لكن عليك مساعدتنا بالمقابل". في البداية، اعتقد عليّ أنَّهم أرادوا منه مواصلة فضِّ الاشتباك بين الطرفين. لكنَّه سرعان ما علم أنَّهم توقعوا منه أيضاً نشر التفسير المتشدِّد للإسلام الذي تنادي به الجماعة، وبسط نفوذها في مجتمعه.
وأضاف عليّ: "كانوا يقولون لي: (لا نرى أصدقاءك يُصلُّون ولا يصومون رمضان)". وبعد مدةٍ قصيرة، بدأ الرجال يتحدَّثون عن "داعش" في مخيمات اليونان، مفسِّرين أنَّه برغم سمعتهم السيئة بين اللاجئين الأكراد، فإنَّ تفسيرهم الصارم لتعاليم الإسلام هو الأقوم، وأنَّه يجب على عليّ ابتغاء التعبُّد مثلهم. قال الرجال إنَّ أي معيشةٍ أو عبادةٍ بشكلٍ غير ذلك حرام.
ووفقاً لهشام الهاشمي، وهو باحث لدى مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية، فإنَّ تجربة عليّ تلك تنسجم وأساليب "داعش" المعروفة لتجنيد أعضاء جدد في فترات ضعفهم، مثل آلان، والجماعة على وشك فقدان كُل المناطق التي خضعت لسيطرتها في العراق وسوريا قرابة 3 أعوام.
وصرح الهاشمي لموقع The intercept، واصفاً هذا الجُزء من استراتيجيتهم المعروف باسم "قلعة الضعفاء"، بأنه عادةً عندما يضعُف "داعش"، يبدأ استجماع قواه في صمتٍ حتى يُعيد توطيد سُلطته. أحد مبادئ هذه الاستراتيجية هو أنَّ أعضاء التنظيم لا يتطرَّقون إلى انتمائهم فوراً؛ بل يلمِّحون إليه فحسب، مثلما فعلوا مع عليّ، ليروا إلى أي حدٍ يكون المجنَّد المحتمل جديراً بثقتهم.
وعادةً يستهدفون شخصاً يملُك بالفعل سلطةً ما في مجتمعه، كما يضيف الباحث، ويتَّبعون هذه الاستراتيجية ليفرضوا سيطرتهم على المنطقة.
وبالفعل، أخيراً سأل عليّ أحد الزعماء المعروفين للاجئي دير الزور وأحد من جرى التعرُّف عليهم بصفتهم الجُناة في الهجوم المذكور، ما إذا كان يفكِّر في عرض أن يكون أميراً لمجتمع الأكراد، أي قائداً لمجموعة من 40 إلى 50 شخصاً، وشخصيةً مهمة في هيكل الحُكم الداعشي، ناشراً بذلك أيديولوجيتهم وتفاسيرهم المتشدِّدة للإسلام.
وجد عليّ نفوذ الجماعة مُغرياً، "في المخيَّم، كنا نعامَل كحيواناتٍ تأكل من مَعلَف. لكن معهم (جماعة دير الزور)، شعرتُ بأنِّي محترمٌ وقوي".
لكن في يوم الهجوم، رأى عليّ الأكراد يُهاجَمون، وخشى أنَّ الجماعة قد تختبر ولاءه. ترك عليّ الجماعة وانضمَّ إلى عائلته المتبنّاة في المزرعة. وخلال بضعة أيام، تتبَّع أمَّه في الشارع رجلان سألاها مراراً عن مكانه، ثم هاجماها جسدياً. عادت المرأة إلى المزرعة وهي في حالة اضطرابٍ واضح.
قال عليّ وهو يحبس دموعه في حين كان يواسي أمَّه: "أنا الآن خائفٌ جداً. لا أريد أن يصيب أمي مكروهٌ. أخشى كوني أعلم أكثر من اللازم عنهم، وأنَّهم سيعثرون عليَّ هنا".
وتخشى نداء قدري هي الأخرى أن تُجبَر عائلاتٌ مثل عائلة عليّ على العودة إلى موريا والعيش وسط من اعتدوا عليهم، حيث هاجم حاكم إقليم شمال إيجة اليوناني مآوي اللاجئين غير الرسمية مثل المزرعة وأمرها بإيقاف العمل، قائلاً للاجئين إنَّ عليهم العودة إلى مخيَّم موريا.
وبعد عدة تهديداتٍ بالإخلاء وُجِّهَت إليهم، بدأت "نداء" بالعمل بصحبة محامٍ لرفع قضية أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، تطالب فيها بتوفير الحماية للاجئين المعرَّضين للخطر، على أمل أن يُنقلوا على أثرها من جزيرة ليسبوس.
توصَّلوا إلى اتفاقٍ بأن يروي الضحايا شهاداتهم للمدِّعي العام، الآن "نداء" تخشى أنَّ العديد منهم خائفٌ لدرجةٍ قد تمنعه من التقدُّم بشهادته، متسائلةً: "كيف تتوقَّع السلطات من الناس قول الحقيقة جهراً، عندما يواجهون خطر العودة والعيش وسط مَن هاجموهم خلال 24 أو 36 ساعة؟".
اقرأ أيضا
النازحون من مخيم اليرموك في سوريا.. هربوا من سجون الأسد فوجدوا أنفسهم مسجونين في المخيمات