تزعم إسرائيل صلتها بالأزمة القائمة بين واشنطن وأنقرة، رغم نفي الأتراك بخصوص الأمر، حيث نشب خلافٌ كلامي بين تركيا وإسرائيل، على خلفية أن إسرائيل تقول انها أفرجت عن فتاة تركية مقابل القس الأميركي ، وتتهم إسرائيل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالنكوث عن صفقةٍ كبرى مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، كانت تهدف لتخفيف التوترات بين واشنطن وأنقرة.
ووفقاً لصحيفة The Financial Times البريطانية، قال مسؤولون إسرائيليون إنَّ الدولة اليهودية رحَّلت امرأة تركية هذا الشهر يوليو/تموز، كجزءٍ من اتفاقٍ كان من المفترض أن يُؤمِّن حرية قس أميركي مُحتجَز في تركيا منذ عامين تقريباً.
وكان ترمب هدَّد تركيا بسبب القس الأميركي
وتسبَّب الاحتجاز المستمر للمُبشِّر الإنجيلي أندرو برونسون في تهديد ترمب، الخميس 26 يوليو/تموز، بفرض "عقوبات كبيرة" على أنقرة.
وحذَّر ترمب تركيا مباشرة، الأسبوع الماضي، من عقوبات محتملة إذا لم تطلق سراح القس الأميركي المحتجز لديها أندرو برانسون، الذي تصفه واشنطن بأنه رهينة.
ونُقل برانسون إلى الإقامة الجبرية في منزله، بعدما قضى أكثر من 20 شهراً في سجن تركي أثناء محاكمته بتهم تتعلق بالإرهاب.
وصعَّدت إدارة ترمب حملتها لإطلاق سراح برانسون، بعد قرار المحكمة الذي يرى كثيرون أنه قد يساهم في تخفيف التوتر بين البلدين الحليفين.
فردَّت تركيا برفض التهديدات وطالبت بالتعقل
وقال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، الخميس، إن تركيا لن تقبل أبداً التهديدات من أي طرف، بعد أن حذَّر الرئيس الأميركي دونالد ترمب من فرض "عقوبات كبيرة" على أنقرة إذا لم تفرج عن قس أميركي يُحاكم في تركيا بتهم مرتبطة بالإرهاب.
وكتب تشاووش أوغلو على تويتر "لا يملي أحد أوامره على تركيا. لن نقبل أبداً التهديدات من أي طرف. حكم القانون يسري على الجميع بلا استثناءات".
في حين قال المتحدث باسم الرئاسة التركية، اليوم السبت، إن بإمكان تركيا والولايات المتحدة إنقاذ العلاقات بينهما، وذلك بعدما هدَّد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بفرض عقوبات على أنقرة، مع تفاقم التوتر بين البلدين الشريكين في حلف شمال الأطلسي.
وهناك خلاف بين البلدين بشأن عدد من القضايا، من بينها سياسة واشنطن في سوريا، ومطالبة أنقرة بترحيل رجل الدين فتح الله غولن، المقيم في الولايات المتحدة، والذي تتهمه تركيا بالمسؤولية عن محاولة الانقلاب عام 2016، ومخاوف واشنطن بشأن احتجاز أميركيين وموظفين بالسفارة الأميركية في تركيا.
وكتب إبراهيم كالين، المتحدث باسم الرئاسة التركية في مقال رأي نشرته صحيفة "صباح"، المؤيدة للحكومة: "يمكن إنقاذ العلاقات وتحسينها إذا نظرت الإدارة الأميركية بعين الجدية لمخاوف تركيا الأمنية".
وقال كالين: "ربما يكون لدى الرئيس ترمب نوايا حسنة تجاه العلاقات مع الرئيس أردوغان وتركيا. سيكون هناك رد على ذلك عندما تستند العلاقة إلى الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة".
وأضاف في مقاله أن التهديدات الموجَّهة لتركيا لن تجدي، مشيراً إلى أنها ستضرّ العلاقات بين أنقرة وواشنطن.
وأصبحت قضية برانسون أحدث وأشهر شيء يثير الغضب الأميركي تجاه تركيا، التي كانت أحد أقرب الحلفاء لواشنطن في الشرق الأوسط، لكن الثقة بين البلدين تتدهور منذ أعوام.
ويهدد الخلاف المتصاعد بين الحليفين بحلف شمال الأطلسي (الناتو) بمزيدٍ من التأجيل لمبيعات الأسلحة الأميركية لتركيا، وأضاف مزيداً من الضغط على عملة أنقرة، الليرة، في وقت تتصاعد فيه المخاوف بشأن صحة الاقتصاد التركي.
لكن إسرائيل تقول إن هناك صفقة فشلت بسبب توجهات تركيا
قال مسؤولٌ بالبيت الأبيض: "فوَّتت تركيا فرصةً حقيقيةً". وأضافوا أنَّ ترمب وأردوغان تحدَّثا الخميس قبل التهديد بفرض العقوبات، لكنَّ المحادثة لم تسر جيداً.
في حين أكدت إسرائيل، الجمعة، تقريراً نشرته صحيفة أميركية أفاد بأن الرئيس دونالد ترمب طلب الإفراج عن تركيّة متهمة بالاتصال بحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس)، بينما نفت أنقرة الموافقة على إطلاق سراح قس أميركي في المقابل.
ورحلت إسرائيل إبرو أوزكان يوم 15 يوليو/تموز، بعد أسبوع من اتهامها بتهريب أموال وبضائع إلى حماس، خلال زيارتها لإسرائيل كسائحة، وهي تهمة نفاها محاميها وأثارت غضب تركيا.
وذكرت صحيفة واشنطن بوست، الخميس، أن ترمب طلب من رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في مكالمة هاتفية، يوم 14 يوليو/تموز، الإفراج عن أوزكان، في إطار مسعى البيت الأبيض لإطلاق سراح القس الأميركي آندرو برانسون.
وقال مسؤول إسرائيلي، طلب عدم نشر اسمه "بوسعي أن أؤكد حدوث مثل هذا الطلب من الرئيس ترمب"، لكنه لم يدل بتفاصيل حول ما إذا كان لذلك أثر على الإفراج عن أوزكان.
وفي وقت الإفراج عن أوزكان قال مسؤول إسرائيلي آخر لرويترز، إن من بين أسباب الإفراج عنها، أنه تبيَّن للمدعين عند إعادة فحص القضية، أن التهم الموجَّهة إليها ضعيفة، بحيث يصعب مواصلة الإجراءات. لكن محاميها الإسرائيلي عمر خميسي، قال أمس الجمعة، إنه يتعين سحب التهم الموجَّهة إليها.
وشكرت أوزكان لدى عودتها إلى إسطنبول، يوم 16 يوليو/تموز، أردوغان، قائلة إنه أبدى اهتماماً كبيراً بقضيتها، وقال خميسي إنه لا علم له بصفقة دبلوماسية شملت الإفراج عن موكلته.
لذلك فالبعض يرى أن سوء التواصل بين أنقرة وواشنطن أفسد اتفاقاً مزعوماً
وأضاف جيمس جيفري، السفير الأميركي السابق لدى تركيا، أنَّ سوء التواصل بين أنقرة وواشنطن ربما أحبط اتفاقاً مبهماً. وقال: "إذا ما دمَّرنا العلاقات مع تركيا فستكون تلك كارثة في السياسة الخارجية، سنفقد تركيا، وربما الشرق الأوسط".
وقال مسؤولٌ إسرائيلي لصحيفة Financial Times البريطانية، إنَّ تقريراً في صحيفة The Washington Post الأميركية حول صفقة لإطلاق سراح بروسون تشمل إطلاق إسرائيل سراح السيدة التركية إبرو أوزكان كان صحيحاً. وقالت الصحيفة الأميركية، إنَّ ترمب اتصل هاتفياً برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في 14 يوليو/تموز، ليطلب أن تطلق إسرائيل سراح أوزكان، التي كانت تواجه اتهامات بالعمل كمُهرِّبة لصالح حركة حماس الفلسطينية. ورحَّلت إسرائيل أوزكان، التي نفى محاميها الاتهامات، في 15 يوليو/تموز.
وقال وزير الخارجية التركي إنَّه لم يجرِ الاتفاق على أي صفقة مطلقاً، قائلاً إنَّ التقارير بشأن إطلاق سراح أوزكان كجزء من عملية تبادلية "لا أساس لها".
وقال مسؤولٌ تركي، إنَّ برونسون كان مهماً للغاية، بحيث لا يمكن مبادلته بالسيدة أوزكان. وقال المسؤول: "لا نساوم بشأن قضايا المحاكم. لكن حتى لو كنت تعتقد أنَّ النظام القضائي لدينا يمكن أن يتحرك وفق أوامر النخبة السياسية، فهل كنا سنعرض مبادلتها (أوزكان) به (برونسون) حقاً؟ إنَّهما ليسا متكافئين".
لكنَّ دبلوماسياً أجنبياً في تركيا قال إنَّ "كل الأطراف اتفقت" على أنَّ الصفقة المتعلقة ببرونسون وأوزكان "كانت خياراً جيداً". وأضاف: "خدعتنا (تركيا) جميعاً. كان الاتفاق ينص على أن يكون (برونسون) قد أُطلِق سراحه الآن".
ويخضع برونسون للمحاكمة على أساس اتهامات بالإرهاب، وأصبح احتجازه موضوعاً لحشد الدعم بالنسبة للكثيرين من أنصار ترمب في صفوف اليمين الأميركي المسيحي. وقد نُقِل من السجن إلى الإقامة الجبرية هذا الأسبوع، في خطوةٍ نُظِر إليها في البداية على أنَّها علامة على حدوث اختراق إيجابي في العلاقات المشحونة بين أنقرة وواشنطن.
لكن بعد يومٍ واحد، لجأ ترمب إلى الشبكات الاجتماعية ليُهدد بفرض العقوبات. وقال في تغريدته: "إنَّه يعاني كثيراً. هذا رجلٌ مؤمن بريء يجب إطلاق سراحه فوراً!".
لكن ليست قضية القس وحدها التي تعكر صفو العلاقات بين تركيا وأميركا
ويُعَد مصير برونسون، الذي ينفي الاتهامات الموجهة إليه، قضية من بين عدة قضايا تُوثِّر العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا.
إذ شعرت تركيا بالغضب لوقتٍ طويل من الدعم الأميركي للمسلحين الأكراد في سوريا، الذين تعتبرهم تركيا إرهابيين، وهي محبطة من تأجيل واشنطن تسليم مقاتلات F-35 لها. وانزعجت تركيا أيضاً من إدانة مسؤول تنفيذي لدى مصرف خلق المملوك للدولة التركية في الولايات المتحدة بسبب انتهاك العقوبات المفروضة على إيران.
في الوقت نفسه، حذَّرت الولايات المتحدة تركيا للتخلي عن خطط حيازة منظومة صواريخ الدفاع الجوي S-400 الروسية، وسط مخاوف أوسع نطاقاً بشأن تحرك حليفتها بالناتو أقرب باتجاه موسكو. ورفضت واشنطن أيضاً طلب أنقرة تسليم فتح الله غولن، رجل الدين الذي تُحمِّله تركيا مسؤولية تدبير انقلابٍ فاشل في عام 2016.
مع ذلك، قال المسؤول التركي، إنَّ تركيا كانت تعتقد أنَّ المباحثات مع واشنطن تتقدَّم إلى أن خرجت تهديدات ترمب بفرض العقوبات. وجاء غضب الرئيس الأميركي بعد أسبوعين فقط من التقاط صور له وهو يبتسم ويمسك بيد أردوغان في قمة للناتو.
وقال المسؤول، إنَّ أنقرة لا تزال بحاجة لإصلاح العلاقات، لكنَّه حذَّر قائلاً: "لا نحب لغة التهديدات. سترتد بنتائج عكسية".
وأي عقوبات أميركية قد تكون مُدمِّرةً للاقتصاد التركي، الذي يعاني من تراجع العملة ومخاوف بشأن سياسات أردوغان الاقتصادية.
كان برونسون قد احتُجِز في أكتوبر/تشرين الأول 2016، كجزءٍ من حملة قمعٍ حكومية جارفة، سُجِن فيها أكثر من 50 ألف شخص اتُّهِموا بالمشاركة في المحاولة الانقلابية.
وكان أردوغان قد اقترح سابقاً، علانيةً، مبادلة برونسون بغولن، الذي يعيش في منفى اختياري في ولاية بنسلفانيا الأميركية. وينفي غولن تورُّطه في الانقلاب الفاشل.