عندما اجتاح ضُباطٌ من جهاز الأمن الوطني المصري منزل أمل فتحي ومحمد لطفي في مداهمة قبيل الفجر، في مطلع شهر مايو/أيار الماضي، لم يرد ذكر مصطلح "الأخبار الكاذبة" كتهمة موجهة لهما، استخدمتها السلطات لتبرير اعتقالهما.
واقتيد الزوجان إلى قسم شرطة محليّ ومعهما طفلهما الرضيع، الذي أُفرِج عنه هوَ ووالده بعد مضي عدة ساعات، ولم يُفصَح عن التهم إلا في اليوم التالي، حين عُرِضَت أمل على النيابة المحلية.
وتضمَّنت التهم "إذاعة أخبارٍ وشائعات كاذبة" بهدف قلب نظام الحكم المصري، بالإضافة إلى "تكدير الأمن العام وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة"، والانضمام لجماعةٍ إرهابية، واستخدام الإنترنت "بغرض الترويج لأفكار ومعتقدات داعية لارتكاب أعمالٍ إرهابية"، بحسب ما ذكرته صحيفة The Guardian البريطانية، الجمعة 27 يوليو/تموز 2018.
العصا الغليظة للحكومة
وكانت الجريمة التي ارتكبتها أمل هي تصوير فيديو تنتقد فيه انتشار ظاهرة التحرش الجنسي في مصر، ونشرته على موقع فيسبوك، وقال زوجها لطفي: "تزدري الحكومة المصرية الآراء المنتقدة وتصفها بأنَّها أخبار كاذبة تضرُّ بالمصلحة العامة، بهدف احتجازالمعارضين أو المنتقدين".
وأشارت الصحيفة البريطانية، إلى أنه ربما كانت صيحات ترمب الشكَّاءة من "الأخبار الكاذبة" تلقى استحساناً من جانب مؤيدي الرئيس الأميركي، لكنَّ تِلك العبارة في مصر أصبحت الآن أداةً قمعية قوية في يد الحكومة.
وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مؤخراً إنَّ الحكومة واجهت "21 ألف شائعةٍ في ثلاثة أشهر"، مُحذِّراً أنَّ الهدف منها نشر البلبلة.
وتمثِّل قضية أمل نموذجاً مخيفاً جديداً في مصر، بعدما أقرَّ البرلمان قانوناً شاملاً جديداً لتنظيم الصحافة والإعلام يُجرِّم نشر "الأخبار الكاذبة" من جانب أي شخصٍ يتخطى عدد متابعيه على الشبكات الاجتماعية 5 آلاف متابع.
ومع أنَّ أوَّل قضية من هذا النوع كانت المحاكمة المطوَّلة ثم سجن ثلاثة صحافيين يعملون لدى شبكة الجزيرة في عام 2013، إلَّا أنَّ السلطات المصرية كثَّفت حملتها تلك على مدار الأشهر الأخيرة، إذ اعتُقِل ثمانية صحافيين ومدونين على الأقل على خلفية تهمٍ بنشر أخبار كاذبة.
من بين هؤلاء المذكورين كان المدوِّن وائل عباس الذي اعتُقِل في مداهمة فجراً، والمصوِّرة الحرة فاطمة ضياء الدين، التي احتُجزَت هيَ وزوجها وطفلتها، والصحافي معتز ودنان الذي بدأ إضراباً عن الطعام احتجاجاً على حبسه الفردي.
ووثَّقت لجنة حماية الصحافيين الأميركية حالتين أخريين لشخصين يختبئان الآن من السلطات، وحُكِم كذلك على السائحة اللبنانية منى المذبوح الشهر الفائت يونيو/حزيران بالسجن 8 سنوات بتهمة "تعمُّد نشر شائعات كاذبة من شأنها المساس بالمجتمع وازدراء الأديان"، وذلك بعدما نشرت مقطع فيديو غاضباً تحدثت فيه عن التحرش الجنسي الذي تعرَّضت له أثناء قضائها إجازة في مصر.
حجب لمئات المواقع
ولا يتضمَّن التشريع الجديد تعريفاً عمَّا قد يُعَد مِن الأخبار الكاذبة، لكنَّه يسمح بحجب المواقع التي يُزعَم نشرها مواد مسيئة، وبالإضافة إلى ذلك، فإنه في شهر مارس/آذار الماضي، أقام النائب العام المصري خطاً ساخناً للمواطنين للإبلاغ عن "الأخبار والشائعات الكاذبة".
وبعد فترةٍ وجيزة من إعادة انتخاب السيسي في مارس/آذار الفائت، اقتحمت الشرطة المصرية مقرَّ الموقع الإخباري "مصر العربية" واعتقلت رئيس تحريره بعدما أعاد الموقع نشر مقالٍ منشور في صحيفة The New York Times الأميركية عن شراء الأصوات الانتخابية.
واتهمه بعد ذلك المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر بنشر "أخبار كاذبة". والآن موقع مصر العربية هو واحدٌ بين أكثر من 500 موقع إلكتروني محجوب في مصر، المصنَّفة في المركز 161 من أصل 180 دولة على مؤشر حرية الصحافة الذي تصدره منظَّمة مراسلون بلا حدود سنوياً.
ويرى مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان جمال عيد، أن خروج مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام في هذه الشكل أمر منطقي في ظل لجوء السلطة إلى سياسة الحجب والمنع.
ويقول عيد إن النظام السياسي يكره الصحافة والإعلام ويريدهم على صوت واحد ومصطفين خلفه. واعتبر المحامي الحقوقي النظام السياسي متفوقاً الآن على نظام الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي كأحد الأنظمة المعادية للإنترنت الذي حجب موقع "يزي أورج" بعد 18 ساعة من إطلاقه عام 2005. والسعودية التي حجبت موقع "الجمعية المصرية للتغيير" بعد 15 ساعة من انطلاقه في أبريل 2010.
وأضاف: "عدد المواقع المحجوبة اليوم تخطى 500 موقع حتى الآن، والحبس الاحتياطي المطول يطال الصحافيين والنشطاء السياسيين، مصر الآن في أسوأ لحظاتها في مجالات حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير".
ووفقاً لـ The Guardian يرى العديد من المراقبين أنَّ ولع ترمب بمهاجمة الصحافة مكَّن حلفاءه من فعل الأمر ذاته. حتى أنَّ المتحدِّث باسم وزارة الخارجية المصرية قلَّد اللغة التي يستخدمها ترمب عندما أغضبته تغطية شبكة CNN الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني، واصفاً الشبكة الإخبارية بأنَّها "مؤسفة" في تغريدةٍ نشرها عبر حسابه على موقع تويتر، قبل يومٍ من ظهور وزير الخارجية المصري سامح شكري في مقابلةٍ مع الشبكة.
وقال شريف منصور، منسق برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في لجنة حماية الصحفيين: "في كل صباح عندما أسمع كلمتيّ الأخبار الكاذبة هنا في الولايات المتحدة، يكون التفكير بهاتين الكلمتين في سياقٍ مصري مزعجاً".
العفو الدولية تدين سيطرة الدولة على الإعلام
وفي وقت سابق، قالت منظمة العفو الدولية إن السلطات المصرية تسعى إلى فرض قوانين جديدة خاصة بوسائل الإعلام والجرائم الإلكترونية، من شأنها أن تمنح الدولة سيطرة شبه كاملة على وسائل الإعلام المطبوعة والمسموعة والمرئية والإلكترونية.
ودعت المنظمة البرلمان المصري إلى رفض مشاريع القوانين القاسية بحق الإعلام، وقالت نجية بونعيم مديرة الحملات لشمال إفريقيا بمنظمة العفو الدولية: "إنه من شأن هذه القوانين المقترحة أن تزيد من سلطات الحكومة المصرية، الواسعة أصلاً، لرصد وسائل التواصل الاجتماعي، والمدونات، ومراقبتها وحجبها، فضلاً عن تجريم المحتوى الذي ينتهك أعرافاً سياسية أو اجتماعية أو دينية مُعرّفة تعريفاً فضفاضاً".