يضغط القادة الإيرانيون من أجل احتواء أزمةٍ اقتصادية متعمقة، تضرب القوة الشرائية للإيرانيين، وتضغط على النخبة الحاكمة في طهران حتى قبل المعاناة التي ستنتج عن العقوبات الأميركية الوشيكة.
أقال الرئيس حسن روحاني، يوم الأربعاء 25 يوليو/تموز، محافظ البنك المركزي للبلاد، الذي تعرَّض لموجة نقدٍ شديدة لفشله في وقف الانخفاض الحاد الذي تتعرض له العملة الإيرانية. ووقع 90 عضواً برلمانياً عريضةً تطالب بإطاحة وزير الاقتصاد، وفقاً لوكالة مهر الإخبارية شبه الرسمية.
قلق في إيران من عدم القدرة على شراء الطعام
وقالت صحيفة The Wall Street Journal الأميركية إن هذه التحركات تأتي في أعقاب مئات الاحتجاجات التي حدثت في الشهور الأخيرة بسبب ارتفاع الأسعار، والفساد، والأضرار البيئية، فضلاً عن أنَّ إدارة ترمب تتأهب لفرض عقوباتٍ سوف تستهدف مشتريات الإيرانيين من الدولار الأميركي.
ويقول الإيرانيون إنَّهم قلقون من احتمالية عدم قدرتهم على دفع الإيجارات أو شراء الطعام، إذ يبلغ التضخم 12%، وارتفعت أسعار السلع المستوردة مثل الأدوية ارتفاعاً ملحوظاً. وانخفضت الصادرات النفطية الإيرانية بنسبة 8% خلال الشهرين الماضيين، فيما تبلغ نسبة البطالة بين الشباب حوالي 30%.
وقال علي، وهو صاحب متجر رفض إعطاء اسمه الأخير ويرى أنَّ الحكومة يجب عليها أن ترعى العائلات ذات الدخول المنخفضة: "إحدى السلع التي اعتدتُ أن أبيع ثلاثاً منها في اليوم أبيع حاليّاً منها ثلاثاً في الأسبوع. يوجد أناسٌ لم يذوقوا طعم اللحم منذ أسابيع".
وتقول الصحيفة الأميركية إن الموقف الاقتصادي أكثر إلحاحاً لدى بعض الإيرانيين من تبادل الكلمات الحادة بين رئيسهم والرئيس ترمب.
وقال مصطفى بايات (30 عاماً)، وهو أحد سكان طهران: "نحتاج إلى أقوات يومنا. لستُ قلقاً بشأن الحرب، ليس لدي ما أخسره".
تحمَّلت إيران ما يقرب من 40 عاماً من العزلة الاقتصادية والسياسية، ويعود هذا التاريخ إلى الثورة الإسلامية عام 1979. وعلى الرغم من شيوع حالة الاستياء الشعبي، فإنه نادراً ما تهدف الاحتجاجات إلى الإطاحة بالنظام.
لكنَّ الاقتصاد المترنّح تسبب في تفاقم أزمةٍ سياسية لروحاني، وهو شخصية وسطية تحول تدريجياً ليصبح مسايراً لخطى المتشددين في البلاد، أمام الضغط المحلي والأجنبي المتصاعد، ويطالب الإيرانيين بالوحدة تحدياً للولايات المتحدة.
وتحمل إقالة روحاني لولي الله سيف، محافظ البنك المركزي، إشارةً إلى مدى فداحة الموقف. كان سيف -الذي لم تتبقَ من فترة ولايته التي تمتد لخمس سنوات سوى أسابيع- ركناً رئيسياً في مساعي الحكومة لاقتلاع جذور المؤسسات المالية غير المرخصة، التي يدير كثيراً منها هيئاتٌ عسكرية ودينية.
أثارت تلك المساعي ردَّ فعلٍ مضاداً، وراحت بعض من المؤسسات المستهدفة تُغرِق أسواق العملة في إيران لتشويه سمعة الحكومة، مما فاقم من تدهور قيمة الريال الإيراني، حسبما قال بيجان خاجه بور، الشريك الإداري في مجموعة Atieh الدولية، وهي شركة استشارية مقرها في فيينا ومتخصصة في بناء الشراكات مع إيران.
اتخذت الحكومة مؤخراً خطواتٍ أخرى لفرض إجراءاتٍ صارمة ضد مصادر الاستياء. إذ أُلقي القبض على خمسة مسؤولين من وزارة الصناعة باتهامات فساد وسوء استخدام الأموال لاستيرادهم آلاف السيارات الفاخرة، حسبما أفادت وسائل إعلام محلية يوم الأربعاء.
إيران بعد العقوبات.. كيف ستكون؟
وتتنبأ شركة BMI للأبحاث، وهي شركة شقيقة لمؤسسة "Fitch Ratings" الدولية للتصنيف الائتماني، بتحقيق نموٍ اقتصادي بمعدل 1.8 في 2018، لينخفض هذا المعدل عن معدل نمو 4.3% الذي كان متوقعاً قبل قرار ترمب بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الذي عُقد في عام 2015 خلال عهد أوباما، وقضى بفرض قيودٍ على النشاط النووي الإيراني مقابل تخفيف العقوبات.
وفي السادس من أغسطس/آب القادم، ستستهدف عقوبات أميركية جديدة مشتريات الإيرانيين من الدولار الأميركي، ضمن أشياء أخرى، وفي الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني، ستسري العقوبات على النفط الإيراني والمؤسسات المالية الأجنبية التي تتعامل مع البنك المركزي الإيراني.
لا يزال البازار الكبير الممتد في منطقة تجريش شمالي طهران نشطاً بالمتسوقين الذين يتبضعون الثمار المخللة الملونة، والملابس الصينية المقلدة. غير أنَّ أصحاب المتاجر يقولون إنَّ المبيعات تنخفض بحدة، حتى إنَّ بعضهم يتذكر أثر العقوبات الأميركية التي فُرضت من قبل بين عامي 2011 و2015.
وقال مهدي علياري، وهو صاحب متجر لبيع الأجهزة الكهربائية: "كانت الجولة الأولى من العقوبات صعبةً أيضاً، لكنَّ الناس كان لديهم أساسٌ اقتصادي أقوى ليسيروا عليه. بينما نحن اليوم مرهقون اقتصادياً".
أما موجقان مستشاري، ربة المنزل البالغة من العمر 45 عاماً، فيحدوها الأمل من تغريدة ترمب المدوية الأخيرة على موقع تويتر، التي خاطب فيها روحاني باسمه.
وقالت موجقان: "أعتقد أنَّ ترمب يستفز إيران كي تبدأ حواراً. إنَّهما الآن يتحدثان فعلياً إلى بعضهما. يريد ترمب التفاوض مع إيران وهذا هو أسلوبه".
وتقول إدارة ترمب إنَّها تطبق ضغوطاً اقتصادية على إيران بقدر الإمكان كي تجبرها على تغيير موقفها العسكري في المنطقة، وإنهاء دعم الجماعات التي تعتبرها الولايات المتحدة إرهابيةً.
وتحولت إيران إلى الاتحاد الأوروبي، الذي ما زال مؤيداً للاتفاق النووي. وتقول إيران إنَّها ستستمر في وقف أنشطتها النووية ما دامت أوروبا تساعدها في تصدير نفطها وإعادة الأموال إليها، إلا أن أغلب المصارف التجارية الأوروبية لن تفتح حساباتٍ لإيرانيين، لتجنب حرمان السلطات الأميركية من الدولار، ولاسيما في ظل رفض الولايات المتحدة منح الشركات الأوروبية إعفاءاتٍ من هذه العقوبات.
وقالت موجقان، إنَّ أفضل فرصة لإيران الآن هي جذب الشركات الأوروبية الصغيرة والمتوسطة، التي لا تعتمد على الأعمال مع الولايات المتحدة.
وأضافت: "لكنَّ السؤال الكبير هو: هل ستستطيع أوروبا توفير الحماية التي تحتاجها هذه الشركات، لا سيما فيما يتعلق بالمعاملات؟"