رفض الكرملين، بصفة علنية، عقد اجتماعٍ ثانٍ، بعد وقت قصير من قمة هلسنكي، وقال إن المسؤولين الروس لم يبدأوا بعدُ بالتفكير في عقد اجتماع آخَر، هذا الخريف.
وسبق أن أعلن البيت الأبيض، الأربعاء 25 يوليو/تموز 2018، عن نيته التوقف عن التخطيط لعقد قمة ثانية بين بوتين وترمب في واشنطن، التي كان من المقرر عقدها خلال هذا الخريف، أي بعد أسابيع قليلة فقط من انتخابات التجديد النصفي الأميركية لسنة 2018. ويحيل ذلك إلى أن الأمر أكثر من مجرد مصادفة، حسبما قال موقع CNN الأميركي.
وأعلن البيت الأبيض، الأربعاء 25 يوليو/تموز 2018، تأجيل الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، قمته المقبلة مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتي،ن في واشنطن، حتى عام 2019.
ونقلت وكالة أسوشييتد برس عن جون بولتون، مستشار الأمن القومي، قوله في بيان، إن سبب التأجيل هو تحقيق المستشار الخاص روبرت مولر في التدخل الروسي بالانتخابات الأميركية عام 2016.
وأوضح بولتون: "الرئيس يرى أن الاجتماع الثنائي المقبل مع الرئيس بوتين يجب أن يحدث بعد انتهاء مطاردة الساحرة الروسية" (وهو الوصف الذي يطلقه ترمب على عملية التحقيق في مزاعم التدخل الروسي بانتخابات الرئاسة الأميركية التي فاز بها).
وتابع: "لذا، اتفقنا على أنه (الاجتماع) سيكون بعد مطلع عام2019".
والأسبوع الماضي، قال البيت الأبيض إن ترمب أمر بولتون بدعوة بوتين إلى اجتماع بواشنطن، في الخريف.
جاء ذلك وسط رد فعل عنيف بشأن أداء ترمب في مؤتمر صحافي مع بوتين عقب قمة هلسنكي، واعترض العديد من أعضاء الكونغرس على اجتماعهما مرة أخرى في الخريف المقبل.
بوتين ربما لمّح لترمب بألا يجتمعا معاً في القريب
وتدفع مثل هذه الممارسات للتساؤل عما إذا كان بوتين قد أشار بطريقة ما لنظيره الأميركي، وأخبره بأن ظهورهما بصفة علنية، بعد وقت قصير من نهاية فعاليات قمة هلسنكي، لا يصب في مصلحتهما الشخصية، خاصة بعد الانتقادات اللاذعة التي لحقت ترمب عقب عودته إلى العاصمة واشنطن.
منذ إعلان المسؤولين داخل البيت الأبيض عن مساعيهم لدعوة فلاديمير بوتين للقدوم إلى واشنطن؛ لإجراء جولة أخرى من المحادثات خلال هذا الخريف- كان النشطاء السياسيون الديمقراطيون، على الأرجح، يحتفلون بإنجازهم ويهللون فرحاً لهذا الحدث الاستثنائي.
وخلال حديثه مع لورانس أودونيل، مقدم برنامج "The Last Word" على قناة MSNBC، صرح رون كلاين، رئيس هيئة الموظفين لدى نائبي الرئيس، آل جور وجو بايدن، بأن فكرة عقد مثل هذا الاجتماع ستكون بمثابة كابوس بالنسبة للاستراتيجيِّين الجمهوريِّين، وهو ما سيجعلها ترقى إلى مستوى الجنون السياسي.
ومع ذلك فوزير الخارجية الأميركي رأى اللقاء جيداً
في حين دافع وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، بشدة، عن أداء الرئيس دونالد ترمب في السياسة الخارجية، وذلك بعد أن استنكر أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين الجمهوري والديمقراطي سلوكه، لا سيما خلال اجتماعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وواجه بومبيو، الأربعاء 25 يوليو/تموز 2018، استجواباً قاسياً من الديمقراطيين والجمهوريين، خلال شهادته أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، بشأن عدم إقدام ترمب على تحميل بوتين مسؤولية تدخُّل موسكو في انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2016، في أثناء اجتماعهما بهلسنكي الأسبوع الماضي.
وقال بومبيو إنه اطلع بشكل شامل على تفاصيل اجتماع ترمب مع بوتين، الذي قالت وكالات مخابرات أميركية إنه كان على علم بتدخُّل روسيا في الانتخابات.
ونفى بوتين حدوث تدخُّل، ونفى ترمب أي تواطؤ بين حملته وروسيا.
وفي نقاشاته مع أعضاء مجلس الشيوخ والتي شاب التوتر معظمها، سرد بومبيو تحركات إدارة ترمب ضد روسيا، وضمن ذلك أكثر من 200 عقوبة، قال إنها فرضتها على موسكو.
خلال رسالة مباشرة عبر موقع تويتر للتواصل الاجتماعي، أفاد الخبير الاستراتيجي الديمقراطي المخضرم، الذي عمل على تقديم المشورة لعدد من المرشحين الديمقراطيين في الكونغرس لهذه السنة (2018) على مستوى ولايتي كاليفورنيا ونيومكسيكو، دايف جاكوبسون، بأن "كل شيء يتعلق بروسيا يعتبر ساماً". وتابع جاكوبسون أن "مكافأة بوتين ببسط السجادة الحمراء تحت قدميه في البيت الأبيض ستثير مشكلة كبيرة للحزب الجمهوري على مستوى صناديق الاقتراع في خريف هذه السنة (2018)، دون أدنى شك".
ومن المحتمل أن يكون النقد اللاذع لترمب بسبب اللقاء الأول أحد أسباب تأجيل اللقاء الثاني
وأبدى المحافظون التقليديون، على غرار هاري كازيانيس، الخبير في الأمن القومي لدى عضو مجلس الشيوخ تيد كروز، امتعاضهم وانزعاجهم من إمكانية عقد قمة رئاسية ثانية بين بوتين وترمب. وأعلنت صحيفة The Hill الأميركية أن فكرة دخول بوتين المكتب البيضاوي للرئيس الأميركي تعد انتحاراً سياسياً.
وصرح السيناتور ميتش ماكونيل، الذي يضطلع حالياً بمنصب زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ الأميركي، بأن بوتين لن يكون مرحَّباً به. وجاءت هذه التصريحات قبل يوم واحد فقط من إعلان البيت الأبيض إجهاضه فكرة عقد قمة رئاسية ثانية خلال الخريف القادم.
وفي حال انتهى الأمر بقدوم بوتين إلى البيت الأبيض هذا الخريف، فإن زيارته كانت ستؤثر بشكل مباشر على توزيع المقاعد داخل مجلس النواب الأميركي، حيث كان الديمقراطيون أمثال ساباتو وغيره من السياسيين المهمين سيحصلون على 30 مقعداً مضموناً، وهو ما يتجاوز المقاعد الـ23 التي يحتاجها الديمقراطيون لاستعادة السيطرة على المجلس.
وأصبح الانتقاد اللاذع الذي تلقاه دونالد ترمب في الولايات المتحدة، حتى من طرف أعضاء حزبه، عقب مشاركته السيئة في قمة هلسنكي، بمثابة مساءلة سياسية. وللمرة الأولى على الإطلاق، عمدت وسائل الإعلام الرئيسية إلى التكهن علناً والتساؤل عما إذا كان بوتين يمتلك معلومات حساسة تتعلق بدونالد ترمب، وإلا فما الذي يمكن أن يفسر إهانة الرئيس الأميركي لنفسه أمام نظيره الروسي.
خلاصة القول، إن بوتين يحتاج إلى ترمب لكي يظل قوياً، أو الحفاظ على قوته بشكل كافٍ حتى يبقى في منصبه الحالي على الأقل. في الأثناء، سيعمل الرئيس الروسي على تعزيز أجندته المتعلقة بتوليد الانقسامات، وخلق شعور بعدم الثقة بين الولايات المتحدة الأميركية والدول المتحالفة معها.
ويختم "سي إن إن" بقوله إنه من الجلي للجميع أن بوتين يحتاج إلى ترمب. لكن، إذا ما تجاوز الرئيس الروسي حدوده وتمكَّن الحزب الديمقراطي من إحكام قبضته على السلطة في الأشهر القادمة، أو أدى تدخُّله إلى انتخاب رئيس ديمقراطي سنة 2020، فإن خططه الرامية إلى زعزعة النظام العالمي ستتعرض لضربة قاضية.