قبل 5 أشهر، بدأ صهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب ومستشاره البارز جاريد كوشنر بهدوء تحويل تركيزه من التوسط في اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين إلى معالجة الأزمة الإنسانية الشديدة في قطاع غزة الفلسطيني.
الآن، وفي ظل دائرة التوتر الجديد بين إسرائيل وحماس والتي يخشى المحللون من إمكانية تفاقمها إلى حربٍ شاملة، يُهدِّد كوشنر وشريكه في صنع السلام بالشرق الأوسط جيسون غرينبلات بالتوقف عن دعم الخطة بحسب صحيفة The New York Times الأميركية.
وبإعلان كوشنر وغرينبلات، مبعوث الرئيس الخاص لشؤون المفاوضات الدولية، عدم رغبة أي مستثمر أجنبي في ضخ الأموال إلى داخل غزة أثناء ما يُسمِّيانه "صراعاً مدفوعاً من حماس"، فإنَّهما يعيدان النظر في مسعاهما لإعادة بناء اقتصاد غزة كوسيلة لفتح الباب أمام اتفاق سلامٍ أوسع.
قال كوشنر، أمس الأحد 22 يوليو/تموز: "قادت حماس غزة إلى حالة من اليأس. والاستفزازات لن تُكافأ بالمساعدات".
وقال إنَّ قادة حماس بحاجة لإظهار "نية واضحة لإيجاد علاقة سلمية مع جيرانهم" بغية تدفق المساعدات وأموال الاستثمار.
مقال رأي غير معتاد
أشار كوشنر وغرينبلات إلى خطوتهما في مقالي رأي غير معتادين نُشِرا في شبكة CNN وصحيفة The Washington Post الأميركيتين، وأضاف ديفيد فريدمان، السفير الأميركي لدى إسرائيل، اسمه على كلا المقالين، في حين انضمَّت نيكي هيلي، السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، إلى المقال الذي نشرته شبكة CNN ككاتبة رابعة.
وألقى مسؤولو ترمب باللوم في أحداث العنف على قادة حماس، الذين تعرَّضوا للإدانة من المسؤولين الأميركيين باعتبارهم "فاسدين وحاقدين"، واتُّهِموا بمهاجمة إسرائيل بلا هوادة على مدار الأشهر القليلة الماضية بـ"الصواريخ، وقذائف الهاون، والأنفاق الإرهابية، وقنابل الطائرات الورقية، وغيرها من أسلحة العدوان"، وهو الأمر الذي ينفيه الفلسطينيون.
ويؤكد الجانب الفلسطيني أنَّ إسرائيل هي التي بدأت المأساة بفرضها حصاراً على غزة بهدف تأليب الناس على قادتهم.
وهدَّدت الاشتباكات بالتحول إلى صراعٍ أوسع يوم الجمعة 20 يوليو/تموز، حين ضربت المقاتلات الإسرائيلية أهدافاً في أنحاء قطاع غزة بعدما قتل قناصٌ فلسطيني جندياً إسرائيلياً على طول السياج الحدودي.
ويلتزم كلا الجانبين الآن بوقف إطلاق نار، فيما قالت إسرائيل، الأحد، إنَّها ستعيد فتح المعبر التجاري الرئيس لغزة إن صمدت الهُدنة ليومين آخرين.
الحرب تعني انتكاسة لكوشنر
مع ذلك، يُعَد الحديث عن حرب جديدة في غزة انتكاسة أخرى لكوشنر وغرينبلات، وهما دبلوماسيان حديثا العهد أوكل لهما ترمب مسؤولية التفاوض حول ما سماه "صفقة القرن". وبعد قرابة 18 شهراً من العمل، وأكثر من 12 زيارة إلى الشرق الأوسط، لا يزال توقيت طرح خطتهما للسلام غامضاً.
فقال كوشنر في مقابلة جرت قبل التصعيد الأخير في غزة: "لدينا الخطة جاهزة –جاهزة في معظمها- وحين يكون التوقيت ملائماً، سنخرجها".
وعُرقِلَت جهودهما بالرفض الفلسطيني للحديث معهما منذ اعترف ترمب بالقدس عاصمةً لإسرائيل في ديسمبر/كانون الأول الماضي. ويقول دبلوماسيون عرب إنَّ قادتهم لا يمكنهم أبداً القبول علناً بخطة ترمب الآن، بالنظر إلى ردة الفعل التي سيواجهونها بسبب خطوة القدس.
وفيما ينتظر كوشنر وغرينبلات من أجل توقيتٍ أفضل لإطلاق خطتهما، فإنَّهما حوَّلا غزة إلى مشروع. فقال كوشنر: إنَّ التركيز على غزة منطقي؛ لأنَّه لا يمكن لأي اتفاق سلام أن ينجح دون حل وضعية القطاع، ولأنَّ تحسين ظروف المليوني فلسطيني الذين يعيشون هناك قد يُوفِّر مساراً غير متوقع لاتفاقٍٍ أوسع نطاقاً مع السلطة الفلسطينية القائمة في الضفة الغربية.
وقال صهر ترمب: "عليك أن تكتشف أي الأوراق تلعب وفي أي وقت. الحصول على نتيجة إيجابية هناك قد يمنح الزخم لباقي العملية".
ما كتبه المسؤولون الأربعة في المقال
وكتب كوشنر وغرينبلات في مقالهما الذي نشراه في صحيفة The Washington Post الأسبوع الماضي: "بدلاً من تحيُّن الفرص لتسليح كل شيء بدءاً من الطائرات الورقية وحتى المرايا بهدف مهاجمة إسرائيل، على حماس تركيز إبداعها على تحسين اقتصاد غزة".
وقال المسؤولان: إنَّ البيت الأبيض يتشاور مع مصر وقطر، اللتين تعملان كوسيطين في غزة، لمحاولة تجنُّب حربٍ أوسع نطاقاً. لكنَّ الولايات المتحدة تدعم بحزمٍ حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. ويشير مقالا الرأي إلى أنَّ تركيز المسؤولين هو على إقامة الحجة ضد حماس.
وفي المقال المنشور على موقع شبكة CNN، نسب المسؤولون الأربعة الفضل للجمعية العامة للأمم المتحدة في عدم موافقتها تلقائياً على قرار يدين إسرائيل وحدها على العنف في غزة (حصلت الولايات المتحدة على الدعم لتعديلٍ يُحمِّل حماس المسؤولية لدورها في إثارة العنف). وعبَّروا عن أملهم في أن تُظهِر الأمم المتحدة عقلية متفتحة مماثلة حين يطرحون خطة السلام.
ولا يزال كوشنر وغرينبلات يُفضِّلان إجراء مباحثات بين السلطة الفلسطينية وحماس قد تؤدي إلى حكومة وحدة في غزة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية. ويقولان إنَّ حماس يمكن أن تشارك في حكومةٍ كتلك، شريطة أن توافق على التخلي عن العنف، والاعتراف بإسرائيل، والانخراط في مفاوضات سلمية.
آمال بعيدة المدى
لكنَّ دبلوماسيين كانوا منخرطين في مفاوضات سابقة –عديمة الجدوى بنفس الدرجة- في الشرق الأوسط قالوا إنَّ تلك الآمال بعيدة المنال؛ لأنَّ حماس لن تتخلى أبداً عن أسلحتها. وحذروا من أنَّ التعثر في غزة قد يجعل التوصل لاتفاقٍ أوسع نطاقاً أمراً أصعب وليس أسهل.
قال فرانك لوينشتاين، الذي عمل مبعوثاً خاصاً للمفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية في نهاية حكم إدارة أوباما: "لا يُعَد حل مشكلة غزة أولاً أمراً غير ضروري وحسب، بل إنَّ التأخير الطويل يجعل الأمر أكثر صعوبة؛ لأنَّه يُرسِّخ أكثر واقع الدولة الواحدة على الأرض في الضفة الغربية".
وقال مارتن إنديك، سلف لوينشتاين في المنصب، إنَّ الولايات المتحدة يجب أن تؤدي دوراً في تخفيف المعاناة في غزة. لكنَّه قال: إنَّ غياب الوحدة الفلسطينية ستجعل حدوث تطور كبير هناك صعباً بقدر صعوبته في الضفة الغربية.
وقال إنديك: "قادتهم 18 شهراً من الجهود إلى غزة، لكنَّ غزة هي كومة كاملة من التعقيدات. إنَّ آفاق إحراز تقدم هناك ضئيلة جداً بقدر فرص إحراز تقدُّم في صفقة القرن تقريباً".