يواجه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي واحداً من أصعب التحديات منذ سيطرته على السلطة قبل 5 سنوات، وذلك في ظل تسبُّب ارتفاع الأسعار والإجراءات الاقتصادية التقشفية في معاناة داعميه الأساسيين في الطبقة الوسطى.
ورأت صحيفة Washington Post، في تقرير نشرته، أمس الخميس 19 يوليو/تموز 2018، أنه حين ينمو الاقتصاد المصري وينال الإشادات من المانحين الغربيين للقاهرة، يضغط برنامج السيسي التقشفي على طيفٍ واسع من المصريين، ويُذكي الانتقادات الحادة لحكمه.
وفي الأسابيع الأخيرة، أثار ارتفاع تكلفة العيش غضباً عاماً، وأدَّت التخفيضات الحادة في الدعم إلى ارتفاع أسعار الوقود وغاز الطهي والكهرباء، فضلاً عن أن الحكومة فرضت أيضاً ضريبة قيمة مضافة جديدة، وعوَّمت العملة التي فقدت قيمتها بعد ذلك، كما أثار ارتفاع رسوم استخدام مترو الأنفاق الاحتجاجات في الشوارع.
ولجأ آلاف المصريين إلى موقع تويتر والشبكات الاجتماعية الأخرى للمطالبة بتنحي السيسي، وعبَّروا عن غضبهم في هاشتاغ "ارحل يا سيسي".
أما السيسي فقد اعترف، في خطابات تلفزيونية مؤخراً، أنَّ الإصلاحات الاقتصادية صعبة على الناس، حتى في ظل إصراره على أنَّ البلاد تسير في الطريق الصحيح.
الغلاء يضرب الجميع
ومقابل الحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، وافق السيسي في 2016 على فرض سلسلة من إجراءات التقشف. وتضمَّنت تلك الإجراءات تقليص الدعم الحكومي للوقود ومنتجات وخدمات أخرى، فضلاً عن تخفيض قيمة الجنيه المصري بأكثر من النصف في نوفمبر/تشرين الثاني من ذلك العام.
والأسبوع الماضي، أشاد صندوق النقد بجهود مصر في إحدى مراجعاته، متوقعاً أن يبلغ النمو الاقتصادي 5.2% هذا العام، و5.5% العام المقبل.
بيد أنَّ هذا النمو مصحوب بارتفاع كبير في الأسعار في وقتٍ لا تزال فيه معدلات الفقر والبطالة عالية. وبالنسبة للمصريين الذين عانوا طويلاً -مثل نانسي عطية- يُترجَم التضخم في صورة إحباطاتٍ يومية وأحلام مؤجلة.
إذ أجَّلت نانسي زواجها –ليس بسبب مرضها أو توترات اللحظات الأخيرة ما قبل الزفاف- بل بسبب ارتفاع الأسعار. ففي مصر، تفرض التقاليد أن يعيش الزوجان معاً في بيتهما الخاص بعد الزواج، لكن لم يعد بالإمكان تحمُّل نفقات هذا الأمر بشكلٍ متزايد.
وقالت نانسي (33 سنة)، وهي صحافية عاطلة عن العمل: "الإيجار، والأثاث، والأجهزة الكهربائية، كل شيء أصبح سعره مضاعفاً، بل وأكثر من الضعف. كل خطوة صغيرة قرَّبتنا من حلمنا الجميل أصبحت أصعب وأصعب". ويبدو أنَّ الزواج الآن لم يعد في المتناول. وتضيف: "لا يمكننا حتى تحديد موعد (للزواج)".
واضطرت نانسي سعياً لتحقيق حلم الزواج إلى الحصول على قرضٍ من البنك، وبدأت بشراء الأثاث، وكانت تضع عينيها على غرفة سفرة، لكنَّها أُحبِطَت حين تضاعف سعرها العام الماضي، وتمكَّنت من شراء بعض الأغراض فقط، لكنَّها توقفت بعد فترة قصيرة.
وأشارت الفتاة إلى أن شراء مزيد من الأثاث أو الحصول على مال كافٍ للإيجار لشقة خاصة بهما يتطلَّب العمل في وظيفتين أو ثلاث. وأضافت : "أجَّلنا الزواج حتى إشعارٍ آخر، إلى أن نتمكَّن من تحمُّل تكاليفه".
"الأمور من سيء إلى أسوأ"
ويتشابه الأمر بالنسبة إلى خالد الشربيني، الذي قال: إن التخفيض الحاد لقيمة الجنيه المصري هزَّ شركة السياحة التي يديرها. ففي حين جعل الجنيه ذو القيمة الأقل السفر إلى مصر أرخص بالنسبة للسياح الأجانب، فإنَّ معظم عمله يعتمد على المصريين الذين يقضون العطلات وشهر العسل في الخارج، وقال إنَّ الكثيرين لم يعد بمقدورهم تحمُّل تكاليف تلك الرحلات.
وفي الوقت نفسه، قال الشربيني: إنَّه واجه أسعاراً مرتفعة للخدمات وضرائب أعلى. وكي يدفع أجور موظفيه، اضطر لمقايضة سيارته الجديدة بأخرى مستخدمة.
وأضاف الشربيني، في تصريح للصحيفة الأميركية: "باتت الأمور أسوأ وأسوأ. لقد تلقيتُ رسائل بريد إلكتروني من شركات طيران عديدة ومختلفة تخبرنا أنَّهم سيرفعون الأسعار أكثر. وتضاعف عبء الوقود المُحمَّل على تذاكر الرحلات تقريباً، الأمر الذي أدى إلى زيادة جنونية في الأسعار. الناس توقفوا عن السفر".
والآن، يقول الشربيني إنَّه يبحث عن بداية جديدة. فهو يعتزم بيع شركته والانتقال إلى كندا.
وتشير الصحيفة الأميركية إلى أن السيسي الذي انتُخِب في مارس/آذار الماضي لولاية ثانية بعد انسحاب منافسيه الرئيسيين بسبب الخوف والترهيب وأسباب أخرى، أطلق العديد من مشروعات البنية التحتية العملاقة، بما في ذلك طرق وإضافة قدرات كهربائية جديدة.
الطبقة الوسطى تعاني هي الأخرى
ويقول المنتقدون: إنّ المال الذي أُنفِق على استثمارات ضخمة مثل تطوير فرع جديد لقناة السويس كان من الممكن استخدامه لتخفيف المعاناة الاقتصادية عن الشعب.
وتعاني نورة جلالة (26 عاماً) للحفاظ على مصنع الملابس الصغير خاصتها، الذي يُوظِّف في المعظم نساء من أسر فقيرة. وفي الأشهر الأخيرة، حدث ارتفاع سريع حاد في أسعار الأقمشة والمواد الخام الأخرى. لكنَّها تخشى أن يُكلِّفها ذلك رفع أسعار منتجاتها زبائنها. وكانت تود أيضاً أن ترفع مرتبات موظفيها، لكنَّها لا تعلم كيف يمكنها تحمُّل تكاليف ذلك.
وقالت نورة: "بصفتي مالكة شركة صغيرة، تزيد الأسعار كل ربع سنة مالية، ولا يمكننا مواكبتها".
وأغلق مالكو شركات صغيرة آخرون عملياتهم؛ إذ اعتاد عمر أبوزيد (27 عاماً) بيع مستلزمات الكمبيوتر والإلكترونيات. وفي كل مرة كان يبيع فيها منتجاً، كان عليه أن يعيد تكوين مخزونه من البضائع عن طريق شراء بديل أعلى سعراً. ما كان يمكن الاستمرار في ذلك، لكن بعد الضغوط الاقتصادية، فإنه قرر تغيير مساره المهني وعمله.
وقال بعض المصريين من أفراد الطبقة الوسطى: إنَّهم يُفكِّرون في إخراج أطفالهم من المدارس الخاصة وتعليمهم في المنزل لتوفير المال، مثل إخصائية التخَاطُب والأم لطفلين في عمر المدرسة التي تبلغ من العمر 35 عاماً، والتي قالت للصحيفة الأميركية: "الأمور أصعب وأصعب هذه السنة. يستحق الأطفال حياةً أفضل. هذا السبب الذي يجعلني أحاول تغيير خططي والتفكير خارج الصندوق".