أعلنت حكومة النظام السوري، الثلاثاء 17 يوليو/ تموز، عن نيتها تغيير لون البنزين إلى اللون البنفسجي، بهدف تمييز اللون عن الدول المجاورة –خاصة لبنان- لمنع أي محاولات تهريب.
وزير النفط السوري علي غانم، قال إنَّ مواصفات البنزين السوري الكيميائية كما هي ولن يتغير فيها سوى اللون، وإن القرار لا يوجد له انعكاس سلبي على المواصفة، ولا يسبب أي شوائب.
لكن عملية تلوين البنزين بصبغات مختلفة وغير معتادة لم تبدأ في سوريا، بل كانت هناك عدة دول سبقتها إلى ذلك لأسباب ودواع مختلفة.
سوريا ليست الدولة الأولى التي تلون البنزين
البنزين سائل عديم اللون تقريباً، لكنَّ العديد من دول العالم تلجأ إلى إضافة صبغاتٍ لونية عليه لأسبابٍ متعددة. بعض الدول تُلوّن جميع أنواع البنزين فيها بلون واحد، تماماً مثلما تريد أن تفعل سوريا، لكنَّ دولاً أخرى تضع ألواناً متعددة لتمييز استخداماته بعضها من بعض.
على سبيل المثال تصبغ البرتغال البنزين المخصص للاستخدام في الزراعة باللون الأزرق، فيما تصبغ إسبانيا نفس البنزين باللون الأحمر، وتقوم اليونان بصبغ البنزين البحري باللون الأسود.
وفي الولايات المتحدة تتم صباغة البنزين بلونين؛ الأحمر وهو مخصَّص لمعدَّات البناء الثقيلة والجرارات الزراعية، والأزرق واستخدامه مقتصر على المركبات الحكومية. وفي كل هذه الدول يستخدم البنزين المصبوغ جنباً إلى جنب مع البنزين العادي ذي اللون الشفاف.
لماذا كل هذه الألوان إذاً؟!
يباع لتر البنزين في سوريا بـ0.44 سنت، وهي من أرخص 6 دول عربية في سعر الوقود، فيما يباع لتر البنزين في جارتها لبنان بـ0.87 سنت، أي بضعف السعر تقريباً. هذا الفارق الضخم يغري المهرِّبين لاستغلال الأوضاع في سوريا لتهريب بنزينها الرخيص إلى لبنان وبيعه باعتباره بنزيناً لبنانياً، ما يحقق لهم مكاسب ضخمة وسريعة.
ولأجل قطع الطريق على المهربين، فكَّرت الحكومة السورية في صبغ بنزينها باللون البنفسجي لتمييزه عن بنزين جارتها ذي اللون الأصفر.
هذا بالنسبة للدول التي تخشى تهريب الوقود عبر حدودها، فماذا بالنسبة للدول التي تصبغ وقودها بأكثر من لون؟ تحاول بريطانيا تشجيع المزارعين ومنحهم مساعدات بطريقة غير مباشرة؛ لذلك قررت تخفيض الضريبة المفروضة على وقود الديزل (السولار) المخصص لهم وجعلت سعره 0.61 بنس، فيما يبلغ سعر الديزل المخصص للمركبات العادية 1.32 جنيه إسترليني. هذا فارق كبير يغري المهربين؛ لذلك كان لا بد من حيلة لتمييز الديزل مخفَّض الضرائب عن غيره، فتم صبغ ديزل المزارعين باللون الأحمر، وبقي ديزل المركبات بلونه الشفاف العادي.
تصبغ الولايات المتحدة الأميركية أيضاً البنزين لتمييز مخفض الضرائب منه عن غيره، منعاً للخلط بينهما. فالبنزين ذو اللونين الأحمر والأزرق مخفَّض الضرائب ومقتصر على المركبات الحكومية والزراعية، أما الشفاف فعليه ضريبة كاملة وخاص بالمركبات العادية. ومن يتم العثور عليه يستخدم بنزيناً مخفض الضريبة دون وجه حق يعرض نفسه لغرامة قد تصل إلى آلاف الدولارات.
التهريب لن يتوقف فهناك مصانع لإزالة الصبغة
كما تبتكر الحكومات طرقاً لمواجهة التهريب، يبتكر المهرِّبون أيضاً حلولاً للتحايل عليها. فكما أضافت الحكومة البريطانية صبغة حمراء إلى ديزل المزارعين الرخيص لتمييزه عن غيره، أقام المهربون مصانع كاملة لإزالة الصبغة من البنزين وإعادته إلى لونه الشفاف من أجل بيعه بسعرٍ أعلى.
في ديسمبر/كانون الأول 2009، اكتشف وفكك مسؤولو الجمارك في المملكة المتحدة مصنعاً لغسيل الوقود (إزالة الصبغة) قادراً على غسل 6.5 مليون لتر من الوقود سنوياً. هذا المصنع وحده كان يتهرب من دفع نحو 3.2 مليون جنيه إسترليني كل عام، بسبب نشاطه غير القانوني.
وفي 2011، ضُبط مصنع آخر لغسيل الوقود في أيرلندا الشمالية، لكنه كان أكبر بكثير؛ إذ كان قادراً على إنتاج أكثر من 30 مليون لتر من الوقود غير المشروع سنوياً، أي ما يعادل 20 مليون جنيه إسترليني من الإيرادات المفقودة.
الخسائر المذكورة أعلاه هي المباشرة فقط، لكن هناك خسائر أخرى غير مباشرة تتمثل في تلوث البيئة بسبب النفايات السامة التي تنتج عن عملية إزالة الصبغة، بالإضافة إلى أن الأموال المكتسبة من عملية غسيل الوقود قد تستخدم في تمويل أنشطة غير مشروعة وجماعات مسلحة.
ما هو نوع ولون الصبغة الأفضل؟
يوجد نوعان من الصبغة؛ أصباغ سائلة، وأصباغ على شكل مسحوق. ويفضل استخدام الصبغة السائلة بسبب قابليتها للذوبان السريع في أي نوع وقود توضع فيه. ومن المتوقع أن يتزايد معدل نمو استخدام هذا النوع حتى يصل حجم تجارته في العالم بحلول نهاية عام 2027 إلى 1.3 مليار دولار أميركي.
وتعد الصبغة الحمراء أكثر الألوان طلباً في سوق أصباغ الوقود البترولي. ربما يعود هذا إلى أنها أحد أرخص أنواع الصباغات بمتوسط سعر يبلغ 28.5 جنيه إسترليني للكيلوغرام الواحد، فيما يبلغ متوسط سعر الكيلوغرام من الصبغة الخضراء نحو 90 جنيهاً إسترلينياً.
هل تؤدي الصبغة إلى أضرار؟
في مطلع 2015، انتشر مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي بماليزيا، لرجل يقارن وقودين من طرازٍ واحد، اشتراهما من محطتين مختلفتين تابعتين لشركة "شيل"، وقال إن أداء الوقود كان مختلفاً، والسبب هو اختلاف كثافة صبغة البنزين، ما يعني أن الصبغة تؤثر سلبياً على أداء المحرك.
أثار مقطع الفيديو جدلاً في ماليزيا، فاضطرت شركة "شيل" إلى الخروج ببيان للتأكيد على أن الصبغة وكثافتها ليس لها أي تأثير على جودة الوقود وأداء المحرك. وقال أحد الخبراء: إن اختلاف درجة الصبغة الواحدة من منطقة إلى أخرى، قد يكون راجعاً إلى اختلاف طريقة حقنها (آلياً أم بطريقة بدائية)، وكذلك قد يرجع إلى اختلاف كميتها، لكن في كل الأحوال لا تؤثر درجة اللون على جودة الوقود.
تؤكد شركة "شيل" أنَّ أصباغ الوقود ليس لها تأثير على جودة الوقود وأداء المحرك، لكن يمكننا القول إن هناك تشكيكاً في هذه الفرضية. ففي عام 1997، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تحقيقاً كشفت فيه أن أصباغ البنزين قد تتسبب في أن تتطلب محركات الطائرات النفاثة صيانة أكثر تكرارية. وأن استخدام البنزين المصبوغ لبعض الوقت يخلق مشكلة في محركات الطائرات النفاثة ويؤدي إلى تآكلها. وهو ما جعل شركات كبرى لتصنيع المحركات مثل جنرال إلكتريك وشركة برات آند ويتني وشركة رولز- رويس، تنصح شركات الطيران بعدم استخدام الوقود الملوث بالصبغة.