كشف الغواصون الذين شاركوا في عملية إنقاذ أطفال الكهف بتايلاند، البالغ عددهم 12 طفلاً ومدربهم لكرة القدم، بعد انتهائها وخروج جميع العالقين بسلام، عن أنَّ عملية الإنقاذ كان من الممكن أن تأخذ منحىً كارثياً؛ إذ تعطلت مضخات المياه التي كانت تُستخدم في تجفيف المياه بالمنطقة بعد ساعاتٍ قليلة فقط من إخراج الطفل الأخير.
وكشفت صحيفة The Guardian البريطانية أول رواية تفصيلية عن المهمة، أدلى بها 3 غواصين أستراليين شاركوا في عملية الإنقاذ، حيث ذكر الغواصون أنَّه عند تعطل مضخات المياه عن العمل، وارتفاع منسوب المياه بسرعة نتيجةً لذلك، كان الغواصون وعمال الإنقاذ لا يزالون على عُمق أكثر من 1.5 كيلومتر داخل الكهف؛ مشغولين بإزالة معداتهم من هناك.
وقال الغواصون الثلاثة إنَّهم كانوا متمركزين في قاعدةٍ داخل الكهف تسمى "الحجرة رقم 3″، حين سمعوا صراخاً ورأوا مجموعةً من كشافات الرأس تتدافع من أعماق النفق؛ فقد كان العمال يتزاحمون للوصول إلى اليابسة.
توقُّف المضخات عن العمل دفع الموجودين إلى الصراخ
وصرّح أحد الغواصين الثلاثة، فضَّل عدم ذكر اسمه لأنَّه غير مخول له الإدلاء بتعليقات عن عملية الإنقاذ، قائلاً: "بدأ الصراخ يتعالى؛ لأنَّ المضخات الرئيسية تعطلت عن العمل وبدأ منسوب المياه في الارتفاع".
واستطرد قائلاً: "سرعان ما بدأنا نرى العديد من كشافات الرؤوس تخرج إلى الهضبة، وكانت المياه قادمة من ورائهم… كان منسوب المياه قد بدأ يرتفع بشكلٍ ملحوظ".
أما العمال الذين تبقَّوا داخل الكهف، وعددهم 100 عامل، فقد هرعوا في ذعر للخروج من الكهف، وخرجوا في أقل من ساعة، من بينهم آخر 3 غواصين من وحدة القوات الخاصة التابعة للقوات البحرية التايلاندية والمسعف، والذين ظلوا على أهبة الاستعداد؛ لإنقاذ الأطفال العالقين معظم أيام الأسبوع الماضي (الأسبوع الأول من يوليو/تموز 2018).
يُذكر أنَّ الأطفال، المنتمين إلى فريق كرة قدم يدعى Wild Boar، أُخرجوا من الكهف في 3 عمليات إنقاذ جريئة بدأت صباح يوم الأحد 8 يوليو/تموز 2018، وشارك فريق من النخبة مكون من 19 غواصاً في نقل الأطفال ومدربهم، البالغ من العمر 25 عاماً، على طول المسار الممتد من المنحدر الموحل الذي كانوا يحتمون فيه إلى العالم الخارجي، وهي مسافة تقدَّر بـ3.2 كيلومتر تقريباً.
وكانت أولى خطوات الخروج من الكهف بدأت بـ4 أطفال
ونجح أول 4 أطفال في الخروج من الكهف يوم الأحد 8 يوليو/تموز 2018، وبعدهم 4 آخرون يوم الإثنين 9 يوليو/تموز 2018، ثم آخر 5 أطفال في الساعة الثامنة بالتوقيت المحلي من مساء الثلاثاء 10 يوليو/تموز 2018. جديرٌ بالذكر أنَّ عملية الإنقاذ استلزمت من الأطفال تعلُّم كيفية التنفس باستخدام الأقنعة المستخدمة في الغوص، وعبور أنفاق شديدة الضيق والتعرّج.
وفي مهمة الإنقاذ الأخيرة، شكَّل عمال الإنقاذ سلسلةً بشرية داخل الكهف لإنقاذ الغواصين الثلاثة التابعين لوحدة القوات الخاصة بالقوات البحرية التايلاندية والطبيب العالق. وكان كل جزء من هذه السلسلة البشرية كلما مرَّر الغواصين والطبيب إلى الجزء الذي يليه يبدأ في الهتاف والتصفيق فرحاً بإنقاذهم؛ فيما شبَّهه عمال الإنقاذ بموجةٍ مكسيكية من البهجة المتصلة حتى مدخل الكهف.
بيد أنَّ أولئك العمال المفعمين بالحيوية كانوا قد قضوا ما يزيد على 8 ساعات يومياً واقفين على بقعةٍ صغيرة للغاية من الأرض الموحلة المبتلة، منتظرين دورهم في نقل الصبية على طول ذلك المسار الخطير. وتعقيباً على ذلك، قال أحد الغواصين: "لو أنَّ أحد أولئك العمال لم يؤدِّ عمله على أكمل وجه، لكانت النقالة قد سقطت بمن عليها".
تجدر الإشارة إلى أنَّ المسافة من الحجرة رقم 3 إلى مدخل الكهف كانت تستغرق 4 إلى 5 ساعات في بداية الأمر، لكنَّها تقلصت إلى أقل من الساعة، بعد أن ظل عمال الإنقاذ يجففون المنطقة ويمهّدون المسار الموحل طوال أسبوعٍ كامل.
واضطر الأطفال إلى ارتداء أقنعة الغوص والغطس معظم الرحلة
ارتدى الصبية الـ12 أقنعة الغوص، ورُبِطَ كلُّ واحد منهم بغواصٍ راشد، واضطروا إلى الغطس معظم الرحلة، لكنَّهم كانوا يحملون على نقالاتٍ حمراء عندما يصلون إلى بقعٍ من الأرض الجافة. وغادروا جميعاً الكهف على هذه النقالات وكانوا ما زالوا يرتدون أقنعة التنفس.
وقضت قوات الإنقاذ معظم الأسبوع الماضي في إخلاء المسار البالغ طوله 1.5 كيلومتر من الحجرة رقم 3 حتى مدخل الكهف.
وكان لفريق الغواصين الأستراليين فضل كبير في عملية الإنقاذ
وعندما وصل الغواصون الأستراليون في 30 يونيو/حزيران 2018، "لم يكن حجم الكهف ومدى تعقيده واضحين"، وفقاً لتصريحات غلين مكإوين، القائد بالشرطة الفيدرالية الأسترالية، في موجزٍ إعلامي الأربعاء 11 يوليو/تموز 2018.
وكان هؤلاء الغواصون الأستراليون ضمن الفرق التي نقلت أجهزة الإرسال وأسطوانات الهواء والمعدات الأخرى إلى الحجرة رقم 3، وفعلوا ذلك وهم يحملون 46 كيلوغراماً من معدات الغوص.
وأضاف مكإوين أنَّ 6 غواصين من الشرطة الأسترالية وغواصاً تابعاً للبحرية أمضوا نحو 75 ساعةً في هذا الكهف، وأنَّهم "نقلوا نحو 20 طناً من المعدات عبر نظام الكهف".
تضمنت تلك المعدات مضخاتٍ ضخمة، وأسطوانات هواء وأكسجين، وإمداداتٍ طبية، وطعاماً.
وتابع مكإوين: "غطسوا ولم تكن هناك مضخات في العملية، تخيَّل كيف كان الأمر في ذلك الوقت. كانت عمليةً صعبة، وكان المسار ضيقاً، ومغموراً بالماء".
ولم يتمكن الأستراليون من الذهاب لما هو أبعد من الحجرة رقم 3؛ بسبب كبر معداتهم؛ إذ كان الأمر يتطلب المرور عبر فجوة يقل اتساعها عن مترٍ واحد.
وارتدى غواصو الكهف المتخصصون والأطفال معداتٍ أصغر مثل أجهزة التنفس تحت الماء والأسطوانات على جانب أجسادهم، وليس على ظهورهم.
وقارن الغواصون أجزاءً من الرحلة بالمرور عبر المنحنى على شكل حرف S الموجود في أي مرحاض. وقالوا إنَّه كانت هناك 3 برك رئيسية في المسار إلى الحجرة رقم 3، يصل طول كلٍّ منها من 10 إلى 20 متراً، وتفصل بينها أراضٍ جافة يصل طولها إلى أكثر من 300 متر.
وقال مكإوين إنَّ العملية التي قادتها تايلاند كانت أعقد العمليات التي شارك فيها غواصو الشرطة. وأضاف: "ما يستطيع البشر فعله يعد شيئاً مذهلاً. لقد كانوا بشراً مذهلين يفعلون أموراً مذهلة".
ولقد عرف الطبيب الذي أشرف على إنقاذ الأطفال أن والده قد مات
وتبيَّن الأربعاء 11 يوليو/تموز 2018، أنَّ الطبيب الجنوب أسترالي ريتشارد هاريس، الذي أعطى إشارة البدء في إخراج الأطفال يوم الأحد 8 يوليو/تموز 2018، علم بعد خروجه من الكهف للمرة الأخيرة بقليل، أنَّ والده قد توفي.
وقال الرائد أليكس روبين، التابع لقوات الدفاع الأسترالية، الأربعاء، إنَّ هاريس "واحدٌ من أفضل الأطباء الذين قابلتهم في حياتي".
وأضاف روبين: "مهاراته النادرة كطبيب متخصص وخبرته الواسعة كغواص كهوف كانت جوهرية لنجاح العملية، التي قادتها بشكلٍ رائع السلطات الأسترالية. إنَّه رجل متواضع للغاية، ومقدار الضغط الذي تعرض له مذهل، أُكنُّ احتراماً كبيراً لما فعله".
وتابع: "الأطفال الذين مروا بهذه المحنة في الكهف أبطال، وغوّاصو القوات البحرية الخاصة التايلاندية تجاوزوا كل المعايير. أعتبرهم أبطالاً".
وقال الأطباء الذين يعالجون الأطفال ومدربهم في مدينة شيانغ راي القريبة، الأربعاء، إنَّ كل شخصٍ فيهم خسر من وزنه نحو 2 كيلوغرام خلال تلك المحنة، لكنَّهم جميعاً في صحةٍ جيدة.
وسيتمكن آباء أول 4 أطفال خرجوا من الكهف من لقائهم الأربعاء، بشرط ارتداء بذلات حماية والوقوف على بُعد مترين. أمَّا أقارب التسعة الآخرين، فسيحتاجون لرؤيتهم من خلال نوافذ؛ حتى يتأكد الأطباء من عدم وجود عدوى.