رغم أن النكتة كانت قد قيلت في الجيش اللبناني، يبدو الجيش السوري مناسباً تماماً ليحل محله. فالنكتة التي انتشرت بلبنان في ظل صعود الميليشيات الطائفية وسط زخم الحرب الأهلية، تقول: ما هو ثالث أقوى جيش في لبنان؟ والإجابة تأتي ساخرة: الجيش اللبناني.
لكن مع ازدحام سوريا بالقوات الأجنبية، سواء القوات النظامية الروسية أو الإيرانية، أو الميليشيات القادمة من أفغانستان وباكستان، وكذلك الميليشيات المحلية المساندة للنظام، وحتى مجموعات المعارضة المسلحة والتي اجتمع فيها الشامي مع المغربي، بشكل حرفي، تصبح النكتة أليق بالجيش السوري.
القوات الأجنبية المساندة للنظام السوري، والتي تطلق عليها دمشق اسم "القوات الرديفة"، التي أسهمت بشكل كبير في استعادة النظام السوري أراضي واسعة من قوات المعارضة وتنظيم "الدولة الإسلامية"، كان لها تأثيرها على الجيش السوري، الذي فقد مكانته وقوته، وتحوَّل -حسب رأي نقاد- إلى مجموعة من اللصوص، مهمتهم سرقة المنازل والمحلات.
عبد الإله الحموي، أحد الضباط المنشقين عن الجيش السوري، فضَّل العمل في أحد مصانع مدينة إسطنبول التركية على إكمال خدمته فيما يصفه بأنه "جيش أبو شحاطة". وتحدَّث الحموي لـ"عربي بوست"، قائلاً إن عناصر الجيش وضباطه لم يعد لهم قيمة على الإطلاق، وتابع مؤكداً: "أصغر عنصر بالدفاع الوطني أو أي جندي روسي أو إيراني بيدعس على رأس أكبر ضابط بالجيش".
ولفت الحموي إلى أن العاملين في الجيش كانت لهم مكانتهم واحترامهم، مضيفاً أنه بعد "انشقاق عشرات الآلاف عن الجيش ودخول حزب الله وميليشيات إيرانية في البداية، تغير الوضع بشكل جذري، وصاروا يتعاملون باستخفاف معنا"، وأكمل حديثه قائلاً: "كان هناك ضباط يسرقون ويرتشون ليعيشوا".
معاشات قليلة، والجنود لديهم طرقهم لتحسين دخلهم
كان الرئيس السوري، بشار الأسد، قد أصدر في ذكرى النكسة، يوم الإثنين 5 يونيو/حزيران 2018، مرسومين تشريعيَّين يقضيان بزيادة رواتب عناصر الجيش السوري، المتقاعدِين والحاليِّين. وبات هذان المرسومان حديث الشارع السوري؛ بسبب استثناء باقي العاملين في مؤسسات الدولة، خاصة أن ضباط الجيش يحصلون على أموال إضافية بطرق غير مشروعة عبر عمليات "التعفيش" أو الاستيلاء على منقولات المنازل في المناطق المهجَّر أهلها، وما يُسمى "الإتاوات" على الحواجز.
وكالة "سانا" الموالية للنظام نشرت تفاصيل المرسومين اللذين حملا الرقمين 8 و9 لعام 2018، وبيّنت أن نفقات تطبيق المرسومين تُصرف من "وفورات سائر أقسام وفروع الموازنة العامة للدولة، ومن وفورات سائر أبواب وبنود أو حسابات موازنة الجهة العامة المعنيَّة للسنة المالية 2018".
وأوضحت أن المرسوم الأول يقضي بزيادة رواتب العسكريين بنسبة 30% من مجموع الراتب بعد إضافة التعويض المعاشي إلى الراتب المقطوع النافذ حالياً للعسكريين وعدّه جزءاً منه، في حين أن المرسوم الثاني يقضي بزيادةٍ قدرها 20% من المعاش التقاعدي إلى المعاشات التقاعدية للعسكريين، ويضاف التعويض المعيشي الممنوح لهم إلى المعاش التقاعدي بعد احتساب الزيادة المنصوص عليها في هذا المرسوم ويعد جزءاً منه.
وقال مصدر خاص من دمشق إن رواتب العسكريين العاديين قبل الزيادة تتراوح بين 40 ألفاً و50 ألف ليرة سورية (ما يعادل 90 دولاراً)، في حين أن رواتب الضباط تتراوح بين 80 و120 ألف ليرة (أي ما يعادل 200 دولار إلى 250)، وهو ما يوضح أن نسبة الزيادة للعسكري العادي تُقدَّر بنحو 15 ألف ليرة (30 دولاراً)، في حين أن الضابط تبلغ قيمة الزيادة على راتبه نحو 30 ألفاً أو 40 ألفاً (70 إلى 90 دولاراً).
وكانت آخر زيادة للعسكريين في سبتمبر/أيلول 2015، عندما تمت إضافة مبلغ 2500 ليرة سورية (أي ما يعادل 5 دولارات أميركية) للرواتب وأجور موظفي الحكومة، وضمنهم العاملون في المؤسسة العسكرية.
رفع المعاشات بتوجيه روسي
العميد المنشق عن الجيش السوري أسعد الزعبي اعتبر أن زيادة معاشات عناصر الجيش وضباطه لها خصوصية؛ لكونه "اليد التي يبطش بها والخطر الذي يُخشى منه في الوقت نفسه"، وأشار في حديث خاص إلى أن القرار "حافز" أيضاً للمدنيين للتطوع والالتحاق بالجيش، الذي فقد أكثر من نصف مقاتليه خلال الأعوام السبعة الماضية، إضافة إلى الرغبة الروسية في تشكيل فرق ومجموعات جديدة.
في حين لفت أحد ضباط المعارضة المسلحة والمنشق عن جيش النظام محمد الفضلي، إلى أن سبب زيادة رواتب عناصر الجيش السوري وضباطه قد يكون التوجيهات الروسية بتمكين مؤسسة الجيش وتقويتها بعد إعادة النظام سيطرته على أجزاء واسعة من البلاد، وأضاف لـ"عربي بوست" أن الجيش الروسي يعمل بشكل كبير على منع عناصر قوات النظام من الاستمرار في عمليات "التعفيش" للمنازل والمحلات.
كما وافق الزعبي الرأي القائل بأن هناك مساعي روسية لإكمال عدد عناصر الفيلقين الخامس والسادس، وأكد أن هذه الخطوة تصب في الحد من انتشار الميليشيات وسطوتها على مناطق واسعة، إضافة إلى منع أي تصادم في المستقبل بين عناصر الجيش وتلك الميليشيات، منوّهاً إلى أن النظام أمر بحل عدد من الميليشيات في حمص وريفها قبل مدة قصيرة.
لكن زيادة رواتب الجيش أزعجت الشرطة!
أثار صدور المرسومين سخطاً واسعاً بين عناصر الشرطة السورية، وذلك لكونها لا تشمل جهاز الشرطة والأمن الداخلي، واعتبر أحد العناصر أن ذلك "ازدواجية" بتحديد هوية عناصر الشرطة بين الصفة العسكرية والمدنية، ونقلت إحدى صفحات التواصل الاجتماعي عن عنصر من الشرطة قوله: "إننا تشاركنا في البدلة والبوط خلال السنوات السابقة، ويجب أن تتم المعاملة على السوية نفسها مع الجيش".
الضابط المنشق محمد الفضلي أوضح لـ"عربي بوست"، أن هناك توتراً دائماً بين جهازي الجيش والشرطة في سوريا، وأرجع السبب إلى أن ضباط الجيش يحصلون على رواتب أعلى من ضباط الشرطة الذين هم في الرتبة نفسها، على الرغم من كون ضابط الشرطة حاصلاً على إجازة جامعية بالحقوق، في حين أن ضابط الجيش إما من حاصلي الشهادة الثانوية أو الأكاديمية العسكرية.
الزيادات لضمان الولاء لا لتخفيف الاحتقان
وقال مصدر منشق يعيش في فرنسا برفقة عائلته، رافضاً ذكر اسمه، إن هذه الزيادة بمثابة "رشوة لعناصر الجيش وضباطه لضمان ولائهم"، ولفت إلى أن العاملين في الجيش يحصلون على رواتب أعلى من العاملين والموظفين كافة في مؤسسات الدولة السورية.
وأضاف أن مؤسسة الجيش في سوريا تملك مؤسسات اعتبارية مستقلة تتبع للجيش كـ"الإسكان العسكري والإنشاءات العسكرية"، وقال إن تلك المؤسسات تملَّكت عقوداً عديدة للبناء والإسكان في مدن وبلدات مختلفة، مرجحاً أن يتم افتتاح مؤسسات جديدة تتبع الجيش؛ لإتاحة السيطرة بشكل أكبر على مؤسسات الحكومة والتحضير لعمليات إعادة الإعمار، التي اعتبر أنها سترسم ملامح سوريا في المستقبل.
ويوجد عشرات الآلاف من الجنود الأجانب المؤيدين للنظام السوري في سوريا والمدعومين من روسيا أو إيران. وبحسب التقارير الروسية، فقد أسهم قرابة 50 ألف عسكري روسي في العمليات التي خاضتها موسكو بالأراضي السورية.