بعد جولات في أروقة المحاكم، ومقاضاة واتهامات له، ينجح المزارع سيدريك هيرو، المناهض لقوانين الهجرة بفرنسا، في الانتصار للمهاجرين غير الشرعيين.
فقد أكد المجلس الدستوري الفرنسي، الجمعة 6 يوليو/تموز 2018، أن مساعدة مجانية لأجانب في وضع غير قانوني لا يمكن أن تعرِّض صاحبها لملاحقات، مكرساً للمرة الأولى "مبدأ الأخوة" باعتباره واحداً من أبرز مبادئ القانون الفرنسي.
وفي قراره، الذي يأتي وسط ظروف سياسية أوروبية متوترة حول مسألة الهجرة، يذكِّر المجلس الدستوري بأن "شعار الجمهورية الفرنسية هو حرية، مساواة، أُخوة" وبأن الدستور يستند إلى هذا "المثال المشترك".
ومن هذا المبدأ تنبع "حرية مساعدة الآخر، بهدف إنساني، من دون الأخذ في الاعتبار قانونية إقامته على الأراضي الوطنية"، كما جاء في القرار، الذي يمهل المشرع حتى الأول من ديسمبر/كانون الأول 2018 لتعديل بعض القوانين الفرنسية.
وكان المجلس ينظر في طلب سيدريك هيرو، وهو مزارع أصبح رمزاً للمساعدة المقدمة إلى المهاجرين على الحدود الفرنسية-الإيطالية، والذي كان يطالب بإلغاء "جنحة التضامن". وأعرب محاميه، باتريس سبينوسي، عن ارتياحه لتحقيق "نصر كبير".
المزارع الفرنسي كان يواجه الحبس 9 أشهر
وكان هيرو قد مثل أمام المحكمة في يناير/كانون الثاني 2017، بتهمة مساعدة مهاجرين على عبور الحدود من إيطاليا، ولكنه اعتبر ما فعله شرفاً وليس تضحية، وفق تصريحاته للصحفيين أمام المحكمة آنذاك، حيث قال: "القانون ضدي؛ بل هو أيضا ضد أي عمل يقضي بمساعدة المحتاجين، إذاً علينا أن نغير القانون، القانون وُضع من أجل أن يعمل ويعيش الناس في المجتمع بشكل متجانس".
وطالبت النيابة العامة بحبسه 8 أشهر مع وقف التنفيذ، وحوكم هيرو لدوره في نقل 50 مهاجراً إريتريّاً من دون ترخيص إلى مركز لقضاء عطلة في وادي رويا، الذي يبعد 75 كيلومتراً شرق نيس.
ترحيب من وزير الداخلية وآخرين
وأشاد وزير الداخلية، جيرار كولومب، بهذا القرار، معتبراً في الوقت نفسه أنه سيكون من غير المتناسب تمديد الإعفاءات الحالية "للدخول غير المنتظم إلى الأراضي الفرنسية".
وفي تصريح لوكالة فرانس برس، قال رئيس المجلس لوران فابيوس: "على غرار الحرية والمساواة اللتين تعتبران المُرادفين الآخرين لشعار جمهوريتنا، يتعين احترام الأخوة باعتبارها مبدأً دستورياً من قِبل المشرّع، ويمكن الاستناد إليه أمام المحاكم".
مادتان ملغومتان في قانون دخول الأجانب وإقاماتهم هما السبب في الأزمة
وكان سيدريك هيرو وناشط آخر من وادي لا رويا، أُدينا بتهمة تقديم مساعدة على صعيد الإقامة غير القانونية، انتقدا هاتين المادتين في قانون دخول الأجانب وإقامتهم.
والمادة الأولى "622-1" تعاقب المساعدة في الدخول والتنقل والإقامة غير القانونية بالسجن 5 سنوات حداً أقصى، وبغرامة تبلغ 30 ألف يورو.
والمادة الثانية "622-4" تنص على أن هذه المساعدات لا يمكن أن تؤدي إلى المقاضاة عندما تقوم بها الأسرة أو "أي شخص آخر، معنوي أو طبيعي، على أن يتم هذا العمل من دون مقابل مباشر أو غير مباشر".
وتوضح أن هذه المساعدة المسموح بها تقضي بـ"تقديم نصائح قانونية أو خدمات وإقامة وعناية طبية… أو أي مساعدة أخرى تستهدف الحفاظ على الكرامة والسلامة الجسدية".
واعتبر المدافعون عن الناشطين أنه نصٌّ "غامض للغاية"، ويتيح معاقبة المساعدة الإنسانية بالطريقة نفسها التي تعاقَب بها الجريمة المنظمة للمهربين.
لذلك، يدعو المشرع إلى أن يستثني من مجال الملاحقات كل مساعدة إنسانية في "إقامة" المهاجرين و"تنقُّلهم". وفي المقابل، تبقى "المساعدة في الدخول غير القانوني" خاضعة للعقوبة.
وأكد المجلس أيضاً أن الحصانة يُفترض أن تطبق على الأوضاع المنصوص عليها في المادة "622-4" (مجالس قانونية وعناية طبية…)، وأيضاً "على أي عمل آخر للمساعدة المقدمة بهدف إنساني".
القرار يأتي في ظل اشتعال ملف الهجرة في أوروبا بالكامل
ويأتي هذا القرار في إطار سياسي بالغ التوتر حول مسألة الهجرة. والأسبوع الماضي، بعد أسابيع من تبادل التهم على خلفية إنقاذ سفن عالقة في البحر المتوسط، توصل قادة الاتحاد الأوروبي إلى تسوية تقترح إنشاء "نقاط إنزال" لمهاجرين خارج الاتحاد الأوروبي.
تضمن الاتفاق الذي توصل إليه قادة الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي، بعد محادثات فوضوية استمرت نحو 10 ساعات في العاصمة البلجيكية بروكسل، اقتراحاً بأن تكون هناك "مراكز تتم إدارتها على الأراضي الأوروبية من أجل تنظيمٍ أفضل لاستقبال المهاجرين". وشملت المقترحات الإيطالية-الفرنسية، التي كانت موضوع النقاش بين القادة الأوروبيين خصوصاً، إقامة "مراكز مراقبة" في دول أوروبية "متطوعة" يُنقل إليها المهاجرون بعد وصولهم إلى شواطئ التكتل. ويمكن انطلاقاً من هذه المراكز توزيع المهاجرين الذين يستوفون شروط التقدم بطلب للجوء على دول أوروبية أخرى أيضاً متطوعة، ما يلبي طلب إيطاليا "تقاسم مسؤولية" كل المهاجرين الواصلين إلى أوروبا.
وفي فرنسا أيضاً هناك قانون مطروح لتنظيم ملف الهجرة
وفي فرنسا، ارتفعت الأصوات حتى في إطار الأغلبية لتوجيه الانتقاد إلى الحكومة، التي لم تعرض استضافة السفينة "أكواريوس" التي أبعدتها إيطاليا وكانت تبحر مع 630 مهاجراً في حالة يائسة.
وفي البرلمان الفرنسي، لم يتوصل النواب وأعضاء مجلس الشيوخ، الأربعاء 4 يوليو/تموز 2018، إلى الاتفاق على مشروع قانون "لجوء وهجرة".
وتسعى الحكومة الفرنسية إلى إقرار قانون جديد للجوء والهجرة، من خلال مشروع قدمه وزير الداخلية، جيرار كولومب، أمام مجلس الوزراء، ويدور أساساً حول 3 محاور؛ أولها "تسريع إجراءات طلب اللجوء" من خلال تقليص مدة معالجة الطلبات إلى 6 أشهر بدلاً من عام في الوقت الحالي، ما يستوجب تقليص مدة تقديم الطلبات من 120 يوماً إلى 90 يوماً؛ ومن ثم تسهيل عمليات الترحيل في حال رفض الملفات.
والمحور الثاني هو ما تقول الحكومة إنه "تعزيز لفاعلية ومكافحة الهجرة غير الشرعية"، التي تعتبرها فرنسا -كما البلدان الأوروبية عموماً- "تهديداً" لأمنها وسيادة أراضيها.
أما المحور الثالث، فهو تخفيف قانون الإقامة بالنسبة للأجانب الموجودين في وضع قانوني؛ لأجل تسهيل إدماجهم بالمجتمع الفرنسي.
وفي نهاية يونيو/حزيران 2018، شدد أعضاء مجلس الشيوخ النص الذي اعتمدته الجمعية الوطنية في أبريل/نيسان 2018 والذي سهّل "جنحة التضامن"؛ لذلك يُفترض أن تأخذ صياغة جديدة للنص في الاعتبار قانون المجلس الدستوري.
يُذكر أن الإحصاءات الرسمية تقول إن ألبانيا هي الدولة الأولى التي يتحدر منها طالبو اللجوء (7630 طلباً)، تليها أفغانستان (5987)، وهايتي (4934)، والسودان (4486).
وقالت وكالة حماية الحدود الأوروبية (فرونتكس) إن 211 ألف شخص عبروا إلى الاتحاد الأوروبي في 2016. وتعتبر فرنسا ضمن أبرز دول طلبات اللجوء في أوروبا، بعد ألمانيا.