المعاناة التي يخوضها اللاجئون والمهاجرون إلى أوروبا على وشك أن تطول أكثر، بتنفيذ القرار الذي اتَّفقت عليه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ووزير داخليتها هورست زيهوفر. فقد وضعت ميركل حداً لأزمة سياسية كادت تعصف بحكومتها، التي لم يتجاوز عمرها أشهراً، بيد أنها أشعلت نقاشاً مجتمعياً حول قراراتها التي تشمل بناء "مراكز عبور" أو "ترانزيت" في بافاريا، قرب الحدود النمساوية، وإعادة طالبي اللجوء المسجلين في دول أوروبية أخرى إلى تلك الدول.
وأثار الاتفاق، الذي عُقد مساء الإثنين 2 يوليو/تموز 2018، وتراجع بموجبه زيهوفر عن استقالته، الجدل بسبب غموض طبيعة هذه المراكز، وانتشار تكهنات بشأنها. كذلك من المفترض أن تعقد الحكومة الألمانية اتفاقات إدارية مع الدول الأوروبية لإعادة طالبي اللجوء المسجلين مسبقاً في دولة أخرى سريعاً وفقاً لاتفاقية دبلن، وهم الذين وصلت أعدادهم في النصف الأول من 2018 إلى أكثر من 18 ألف شخص. إضافة إلى ذلك، ستتم إعادة من تم تسجيله في الدول الأوروبية التي ترفض الاتفاق مع ألمانيا إلى النمسا، الأمر الذي لم تؤكد الأخيرة موافقتها عليه حتى الآن.
ومع الغموض الذي يغلف هذه المراكز حتى الآن، نحاول في هذا التقرير الإجابة عن أهم الأسئلة المتعلقة بالتوجه الألماني الجديد تجاه اللاجئين.
كم سيقضي طالب اللجوء في مراكز العبور؟
تحدثت ميركل في مقابلةٍ، الأربعاء 4 يوليو/تموز 2018، لأول مرة، بشكل محدد، عن مراكز العبور. وقالت ميركل إن قرار السلطات بشأن ما إذا كان سيُعاد طالب لجوء إلى دولة أوروبية أخرى ينبغي أن يُتخذ في هذه المراكز خلال يومين، مشيرة إلى أن ذلك يتوافق مع الدستور الألماني، الذي ينص على أن مدة الحد من حرية الأشخاص يجب ألا تتجاوز 48 ساعة.
وأوضحت ميركل في حوارها، أنه في حال عدم التمكن من ذلك ضمن الفترة المذكورة، سيتم إرسال اللاجئين إلى مركز استقبال لاجئين عادي. وهو ما يعني أنهم سيكونون من الناحية القانونية في ألمانيا ويستطيعون حينها تقديم طلبات لجوء فيها.
وأشارت إلى أن طالبي اللجوء سيمرون بما يشبه "إجراءات المطارات"، تحت إشراف الشرطة في مراكز العبور، والتي ستتضمن مكاناً مخصصاً للأطفال والنساء فيها، ولن يُعتبروا واصلين بعدُ من الناحية الرسمية إلى الأراضي الألمانية، وإن كانوا موجودين فيها من الناحية الفعلية. ولن يستطيع الموجودون في هذه المراكز مغادرتها، إلا عندما تؤكد السلطات أنه يحق لهم تقديم طلب اللجوء بألمانيا وأنهم ليسوا مسجلين في دول أوروبية أخرى.
هل هي سجون فعلاً؟
حاولت ميركل التهوين من الأمر وقالت إن هذه المراكز لن تكون سجوناً، لكن الموجودين فيها سيكونون مراقَبين من قِبل الشرطة ولن يستطيعوا دخول البلاد، أي إنهم سيكونون محتجزين بشكل عمليّ، كذلك أكدت المستشارة الألمانية أنه لن يُسمح للمحتجزين في هذه المراكز بدخول البلاد؛ بل يتوجب عليهم البقاء تحت إشراف الشرطة قرب الحدود.
وأثار شتيفان ماير، وكيل وزارة الداخلية، والسياسي البارز في "الحزب المسيحي الاجتماعي"، وهو الحزب الذي يترأسه وزير الداخلية، غضب الألمان على مواقع التواصل الاجتماعي، بتصريح غريب له يدافع فيه عن "مراكز العبور"، قائلاً لصحيفة "بيلد"، إن "مراكز العبور ليست سجوناً؛ بل يمكن للمرء التحرك فيها بِحُرية. إلا أنه لا يجوز لأحد الخروج منها"، مضيفاً أن "كل مهاجر حر في العودة للبلد الذي حاول منه الدخول لألمانيا".
لكن هذا الرد لم يرُق للمعلِّقين الألمان، فقد تساءل معلق على صفحة موقع "تاغزشاو" بموقع فيسبوك: "يستطيع الجميع التحرك بِحُرية، لكنه لا يُسمح لأحد بالخروج! ألا ينطبق ذلك على أي نزيل سجن؟ ما الذي يفكر فيه إذاً؟ هل السجين هو فقط من يتم ربطه بسلسلة في مكان ما؟".
وقال معلق يدعى كاي، إنه كان يتم ادعاء ذلك أيضاً في أربعينيات القرن الماضي، إلا أن الحقيقة تنص على أنه كان يتم حشد الناس غير المرغوبين بهذه المخيمات، في إشارة إلى مخيمات الاعتقال النازية.
في حين تساءلت معلِّقة على صفحة القناة الألمانية الثانية بموقع فيسبوك، تدعى فرانكا ماير، قائلة: "لماذا لا يذهب للإقامة في (مركز عبور) كهذا؛ ليجرِّب الحرية التي يتحدثها عنها فيه؟".
هل هذه المراكز قانونية؟
اعتبر رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، يوم الثلاثاء 3 يوليو/تموز 2018، أن الاتفاق بين الحزبين المذكورين يبدو من النظرة الأولى متسقاً مع القانون.
وتسمح توجيهات الاتحاد الأوروبي الخاصة بإجراءات اللجوء، بإنشاء مراكز عبور على الحدود؛ للنظر في السماح بدخول طالبي الحماية، وتسمح التوجيهات القانونية لاستقبال اللاجئين بحبس طالبي اللجوء؛ للنظر في إطار إجراءات في حق مقدِّم الطلب بدخول أراضي دولة ما، بحسب موقع صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ"، الذي أشار إلى أن الاتحاد الأوروبي يضع قواعد لمراكز العبور هذه، فيشترط مثلاً السماح بوصول المختصين بالاستشارة القانونية لطالبي اللجوء، وألا تستمر فترة الاحتجاز أكثر من 4 أسابيع.
في حين شككت وزيرة العدل الألمانية كرستينا بارلي، التي تنتمي إلى اليسار الديمقراطي، في قانونية مراكز العبور هذه، مشيرة إلى أن إجراءات مراكز العبور في المطارات التي يتم الاحتذاء بها، تطول أكثر من المدة التي تم ذكرها في الدستور، أي حجز حرية شخص مدة أقصاها 48 ساعة.
كيف تتم الإجراءات بمراكز العبور في المطارات الألمانية؟
يوجد مركز عبور "ترانزيت" في مطار فرانكفورت منذ 20 عاماً، يتم احتجاز الواصلين بوثائق سفر مزورة أو من دون وثائق سفر، أو القادمين من دول صنفتها ألمانيا "آمنة" فيها، فيُعتبرون من الناحية القانونية غير واصلين إلى ألمانيا. ويتوجب على مكتب الهجرة واللاجئين الاستماع لأقوالهم خلال يومين، والبتّ في طلبهم، خلال مدة أقصاها 19 يوماً. وإن لم تكتمل الإجراءات حتى بعد مرور 19 يوماً، يستطيع مقدم الطلب الدخول لألمانيا.
وقدم 444 شخصاً اللجوء في مطارات ألمانيا العام الماضي (2017)، وتم رفض دخول 127 شخصاً، فيمحين سُمح لـ264 شخصاً بالدخول للبلاد، وفقاً للقناة الأولى الألمانية.
وتنتقد منظمات حقوقية هذه الإجراءات "غير المنصفة" في المطار، والتي تقول إنها تجري في ظروف مشابهة للسجن. وكانت ألمانيا قد بدأت بإجراءات المطار هذه رداً على تقديم عدد قياسي من طلبات اللجوء للقادمين من شرق أوروبا مطلع تسعينيات القرن الماضي.
هل سيتوقف عبور اللاجئين للحدود الألمانية إذاً؟
من الناحية النظرية على الأقل، لن يحدث ذلك؛ لأن الاتفاق الحاصل يشمل ولاية بافاريا فحسب، ولا ينطبق على الولايات الألمانية الأخرى، ويأتي ثلث المهاجرين أو اللاجئين فقط إلى ألمانيا عبر تجاوُز الحدود النمساوية-الألمانية فقط.
ويعود اقتصار إنشاء هذه المراكز على بايرن إلى سببين؛ أولهما هو مجاورة الولاية للنمسا، التي كانت تُعد في الأعوام الأخيرة الوجهة الرئيسية لطالبي اللجوء القادمين براً من الشرق الأوسط وشرق أوروبا إلى الدول الغربية. أما السبب الثاني، فيعود إلى أن حزب وزير الداخلية، هورست زيهوفر، يووجد في بايرن، ويتنافس هناك مع حزب "البديل لأجل ألمانيا" في شهر أكتوبر/تشرين الأول 52018 في انتخابات الولاية، ويرغب عبر مثل هذه الخطوة في اجتذاب الناخبين إلى حزبه، الذين خسرهم لصالح "البديل" سابقاً.
كم يصل من اللاجئين إلى ألمانيا؟
بلغ عدد الواصلين إلى ألمانيا من هؤلاء المسجلين بدول أوروبية سابقاً في النصف الأول من عام 2018، 18349 شخصاً، أي قرابة 110 شخص في اليوم.
وكان غالبية هؤلاء قد سُجلوا بإيطاليا (قرابة 8300 شخص)، و3400 في اليونان. و900 شخص بالسويد و895 شخصاً في إسبانيا، بحسب موقع تاغزشاو.
وقالت الحكومة الألمانية بعد الاجتماع الأوروبي الأخير، إن ألمانيا توصلت لاتفاقات إعادة طالبي لجوء مع عدد من الدول، منها إسبانيا واليونان. إلا أن ألمانيا لا تملك اتفاقية إعادة مع إيطاليا حتى الآن.
وكان الأمين العام لـ"الحزب الاشتراكي الديمقراطي"، لارس كلينغبايل، قد قال إن الأمر يتعلق بـ5 لاجئين في اليوم فحسب يصلون إلى بايرن، وهم مسجَّلون ببلدان أوروبية أخرى.
ما الذي سيختلف بالنسبة للمهاجرين الجدد؟
يتم السماح حتى الآن بدخول طالبي اللجوء إلى ألمانيا حتى عند معرفة السلطات بأمر تسجيلهم في دول أوروبية أخرى، ليقدموا طلب لجوء وينظر أحد فروع مكتب الهجرة واللاجئين الاتحادي فيه، ويحدد مَن المسؤول عن دراسة طلبه، إن كانت دولة أوروبية أخرى فينبغي حينئذ لها التواصل مع تلك الدولة والتكفل بإعادة طالب اللجوء إليها خلال مدة لا تتجاوز 6 أشهر؛ كي لا تصبح ألمانيا مسؤولة عن دراسة طلب لجوئه.
إلا أن الأمر لا يمضي بتلك السلاسة دائماً؛ إذ إن الأمر يتطلب الكثير من الوقت والعمل، وتشوبه الكثير من الصعوبات، حيث يلجأ بعض طالبي اللجوء إلى الوسائل القانونية التي تمنع ترحيلهم، ويختفي البعض أملاً في تجاوز فترة الأشهر الـ6؛ تفادياً للترحيل أو يلجأون إلى الكنائس، هذا في حال لم تمتنع الدولة التي استقبلته وسجلته في البداية عن قبول عودته مجدداً.
ومن خلال مراكز العبور المخطَّط لإنشائها، يريد المحافظون، بقيادة ميركل وزيهوفر، تخفيض هذه المدة والمجهود إلى تقييم سريع، لوضع طالب اللجوء خلال مدة أقصاها 48 ساعة؛ للنظر فقط فيما إذا كان يُسمح له بطلب لجوء في الأساس والدخول لألمانيا، ثم إعادته فوراً عند اكتشاف تسجيله في دولة أخرى.
ما الفرق بين "مراكز المرساة" التي ينوي وزير الداخلية إنشاءها أيضاً و"مراكز العبور"؟
يُفترض إنهاء طالب اللجوء جميع إجراءات تقديم الطلب وقبوله كلاجئ أو ترحيله داخل "مراكز المرساة"، في حين تقتصر وظيفة "مراكز العبور" على منع من تم تسجيله في دولة أوروبية أخرى من تقديم الطلب حتى، وفقاً لإجراءات سريعة.
هل تمت المباشرة بتنفيذ الاتفاق؟
ما زال الاتفاق بين الحزبين بحاجة إلى موافقة الطرف الثالث في التحالف الحكومي الألماني، "الحزب الاشتراكي الديمقراطي"، الذي عبّر على لسان زعيمته، أندريا نالز، الأربعاء 4 يوليو/تموز 2018، عن رفضه إنشاء مخيمات مغلقة، وطلب وقتاً للنظر في الأمر.
وتأمل ميركل، بتحدُّثها عن فترة احتجاز قصيرة لا تتجاوز 48 ساعة، كسب موافقة "الحزب الاشتراكي الديمقراطي"، الذي يعترض على إنشاء مراكز احتجاز.
وما زال تطبيق الاتفاق متوقفاً على عقد اتفاقات إدارية مع الدول الأوروبية، على نحو خاصٍ الدولة الجارة النمسا، التي ينص الاتفاق على إعادة طالبي اللجوء إليها في حال عدم قبول الدولة الأولى التي سجلتهم عقد اتفاقات إدارية مع ألمانيا حول إعادة طالبي اللجوء. جدير بالذكر إلى أن المراقبين يشيرون إلى عدم إمكانية مراقبة الحدود النمساوية-الألمانية بالكامل، بشكل متواصل؛ لطولها، ولعدم توافر عدد كافٍ من عناصر الشرطة، مشيرة إلى أنه لذلك توجد 3 نقاط مراقبة ثابتة فقط للطرق السريعة "أوتوبان" حالياً.
الألمان مستنفرون بالتأكيد، فقد حذر ماركوس بلومه، الأمين العام لـ"الحزب المسيحي الاجتماعي" البافاري الحكومة الإيطالية، التي يقود داخليتها اليميني المتطرف ماتيو سالفيني، من أنه في حال عدم إبرامهم اتفاقية إعادة مع ألمانيا، ستتم إعادة طالبي اللجوء المسجلين في إيطاليا على الحدود مع النمسا.
وقال إنه على الرغم من أنه من الأفضل التعاون لا المواجهة، فإنه "لا ينبغي أن تكون ألمانيا الطرف (الغبي) عندما يرفض البقية التعاون".