أعلنت إسبانيا، خلال الأسابيع الماضية، عن مجموعة من الإجراءات لتسهيل استقبال المهاجرين غير الشرعيين، وهو ما منح الأمل لعشرات "المغامرين" الذين يقطعون المتوسط أملاً في إيجاد مَنفذ للقارة الأوروبية، لكن ما تحمله أذهان المهاجرين من تصورات حول "جنة" القارة العجوز والواقع على الأرض، قد يصدم الكثيرين.
فقد حصل فرانسيس كاشمبا على 10 يوروات مقابل 14 ساعة عمل، في حين يعمل لامين سار بائعاً متجولاً. وهو ما يؤكد بالنسبة للمهاجرين غير الشرعيين في إسبانيا، أن أوروبا ليست الجنة التي كانوا يحلمون بها.
"أشعر كأنني طفل.. وليس بوسعي سوى الصلاة"
ويقول كاشمبا (32 عاماً): "أشعر كأنني طفل صغير لا أستطيع أن أفعل شيئاً، لا أستطيع أن أقرر مستقبلي. لو كانت لديّ أوراقي لكنت حصلت على عمل وأنفقت على نفسي، ولكن ليس بوسعي الآن سوى الصلاة".
يعيش كاشمبا مع 30 مهاجراً آخرين بمدرسة مهجورة في وسط برشلونة، احتلوها منذ منتصف نيسان/أبريل 2018؛ احتجاجاً على قوانين الإقامة الإسبانية المشددة، رغم الخطوات التي اتخذتها البلاد مؤخراً للترحيب بالمهاجرين.
الشهر الماضي (يونيو/حزيران 2018)، سمحت السلطات الإسبانية للسفينة "أكواريوس"، التابعة لمنظمة أهلية فرنسية، والتي كانت تقلّ 630 مهاجراً، بالرسوّ في ميناء بلنسية شرق البلاد. وكانت إيطاليا ومالطا رفضتا استقبال السفينة؛ ما أدى إلى استياء دولي.
والأربعاء 4 يوليو/تموز 2018، رست السفينة "أوبن أرمز" (الأذرع المفتوحة) في برشلونة وعلى متنها 60 مهاجراً آخرين، بعد أن حصلت على الضوء الأخضر من الحكومة الاشتراكية الإسبانية الجديدة.
ولكن عندما يترك هؤلاء وراءهم الصعوبات التي اضطرتهم إلى مغادرة بلادهم والتوجه إلى أوروبا، ينتظرهم شكل من أشكال المعاناة، بحسب هؤلاء المهاجرين الذين يعيشون في المدرسة المهجورة.
يقول كاشمبا، وهو من أوغندا: "أشعر بأنني قد خُدعت! قالوا لي إن أوروبا تشبه الفردوس، ولكن الحياة الواقعية في إسبانيا، بحسب ما شاهدته في هذه الأشهر السبعة، ليست جيدة مطلقا".
وحتى لو ظفرت بعمل فإنك لن توفر شيئاً
سافر كاشمبا جواً إلى برشلونة في ديسمبر/كانون الأول 2017، ودخلها بتأشيرة سياحية. ترك زوجته وابنيه وعمله الصغير في التنقيب عن الذهب، على أمل أن يكسب ما يكفي من النقود لشراء معدات تعدين.
لكن في إسبانيا، التي تعاني ثاني أعلى نسبة بطالة في منطقة اليورو، فإن العثور على عمل أمر مستحيل لمُهاجر ليس لديه الأوراق الثبوتية المطلوبة. وطوال شهرين، عمل في ورشة نجارة، حيث كان يعمل 14 ساعة يومياً مقابل الحصول على مكان للنوم وراتب يومي قدره 10 يوروات (11.6 دولار)، يصرف نصفها على الطعام.
بعد ذلك، حاول العثور على العمل بأجر يومي، حيث ينتظر كل يوم مع عشرات المهاجرين في المكان نفسه، ليعرض عليه الناس أعمالاً صغيرة في البناء أو تحميل أو تنزيل البضائع، وعادة ما يكون ذلك لقاء أجر صغير.
تقول نورما فالكوني، الإكوادورية التي تعيش في إسبانيا منذ 25 عاماً وتساعد القاطنين في مدرسة ماسانا: "إن عدم امتلاك الأوراق الضرورية يجعل لآلاف المهاجرين يعيشون في حالة من عدم الأمان وعرضة للعمل بالسوق السوداء".
لكن لو حصلت على عقد عمل فالأمر سيتغير
بحسب منظمة "إس أو إس راسيسمو"، فإن المهاجرين غير الشرعيين يمثلون نحو 10% من 4.5 مليون أجنبي يعيشون في إسبانيا.
وبموجب القانون الحالي، يستطيعون الحصول على ترخيص بعد 3 سنوات من الإقامة في إسبانيا، ولكن فقط إذا كانوا يملكون عقداً بالعمل بدوام كامل مدة 12 شهراً على الأقل.
وذلك صعب حتى على أي إسباني شاب تخرج حديثاً، فضلاً عن المهاجرين غير الشرعيين، الذين يجب على من يوظفهم أن يدفع لهم راتباً ورسوم الضمان الاجتماعي؛ لكي تكون وظيفتهم قانونية.
لامين سار، الذي يعمل بائعاً جوالاً، يعلم ذلك جيداً. يقول سار (35 عاماً)، وهو من السنغال: "أنا هنا منذ 12 عاماً، حياتي هنا ولن أغادر، ولكنهم لا يسمحون لي بالعيش بشكل طبيعي".
بينما الآخرون سيظلون في حالة فرار دائمة
هناك عشرات المهاجرين مثله، معظمهم من دول إفريقيا جنوب الصحراء، يملأون شوارع برشلونة السياحية ويبيعون النظارات الشمسية والحقائب والأحزمة التي يصفُّونها على قطعة قماش بيضاء على الأرض.
وهُم على أهبة الاستعداد لجمع أغراضهم بسرعة والفرار من وجه الشرطة؛ لأنه في حالة القبض عليهم فإنهم يواجهون دفع غرامة ويمكن أن يخسروا السلع والمال.
يقول "سار": "نحن مطارَدون مثل المجرمين (…) وضعي غير شرعي، لكنني لن أسرق أو
أبيع المخدرات (…)، ليس لدي سوى قطعة القماش، وإذا لم يرغبوا في منحي الأوراق فهذه هي الطريقة الوحيدة لكي أبقى على قيد الحياة".
ورغم الوضع الخطر، فإن كاشمبا لا يزال متفائلاً، ويقول: "لا نعلم ما سيحدث في المستقبل. ليس لديَّ عمل، ولكنني أقابل الناس وأتعلم؛ لأكون مستعداً عندما أحصل على الأوراق الرسمية".