في 2 يوليو/تموز، أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط، التابعة لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس، حالة القوة القاهرة (وقف العمل) على عمليات شحن النفط الخام من ميناءي الحريقة والزويتينة شرقي البلاد، بعد أيام من إعلان حالة القوة القاهرة أيضاً في كل من ميناءي السدرة ورأس لانوف بمنطقة الهلال النفطي، التي تمثل أكثر من 80% من النفط الليبي.
يأتي القرار بعد إعلان قائد الجيش التابع للبرلمان في الشرق الليبي، خليفة حفتر، رفضه تسليم الموانئ إلى المؤسسة الوطنية للنفط، المعترف بها دولياً في طرابلس، بعد أن استردها في 21 يونيو/حزيران، من مسلحين يقودهم قائد حرس المنشآت النفطية السابق إبراهيم جضران.
وكانت المؤسسة الوطنية للنفط قد حذّرت من التبعات الوخيمة لاستمرار عمليّات الإغلاق، إلا أنَّ القيادة العامة للجيش التي يترأسها حفتر لم تتراجع عن قرارها في منع السفن من الدخول إلى الموانئ النفطية شرقي البلاد، لشحن الكميات المخصصة لها.
وعلّقت المؤسسة عبر موقعها الرسمي على الإنترنت، أنه على الرغم من التحذير من التبعات، ومحاولاتهم المتكررة لإيجاد حلّ مع حفتر، فقد تم منع سفينتين من تحميل الشحنات في كل من ميناء الحريقة والزويتينة خلال اليومين الماضيين "الخزانات الآن ممتلئة بالكامل، وعليه سيتم إيقاف عمليات الإنتاج"، تضيف المؤسسة.
ووفقاً لـ"مؤسسة النفط الوطنية الليبية"، أدت تلك الخطوات إلى خفض إجمالي الصادرات بنحو 850,000 برميل يومياً، انطلاقاً من معدل يقارب مليون برميل في اليوم. وكلما بقيت الصادرات خارجة عن التداول، خسرت ليبيا المزيد من العائدات المهمة للحفاظ على اقتصادها المتعثر، حسب تقرير للباحث المتخصص في شؤون شمال إفريقيا بين فيشمان.
منع التمويل عن "الجماعات الإرهابية"
وعلَّل المتحدث باسم الجيش الذي يقوده خليفة حفتر، العقيد أحمد المسماري، قرار تسليم الحقول والموانئ النفطية في منطقة الهلال النفطي للمؤسسة الوطنية للنفط في بنغازي، بضرورة حرمان "الجماعات الإرهابية من مصادر تمويل نشاطها"، موضحاً في مؤتمر صحافي، أن "المجموعات الإرهابية تحصل على الدعم المالي والآليات والأسلحة والذخائر، وتعقد اتفاقيات مع المرتزقة التشاديين من أموال النفط"، الذي يقوم الجيش التابع له بتأمينه، على حد قوله.
واحتجت المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس، والتابعة للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، على القرار، مؤكدة أن القيادة العامة للجيش ليست لديها سلطة قانونية تمكنها من السيطرة على صادرات النفط، محذرة الشركات من التعاقد مع ما وصفتها بالمؤسسات الموازية.
ويؤكد الخبير الاقتصادي علي الصلح، أن تطبيق القرار يظل مرتبطاً بالقانون الليبي، وأن النقل من اختصاص مجلس الوزراء، وليس من اختصاص سلطات الجيش، مشيراً لـ"عربي بوست"، أن ما يجب الحديث عنه الآن هو "التسوية القانونية للقرار من حيث الاختصاص، ومن حيث جهة صدوره".
مزيد من الانهيار الاقتصادي
ومن ناحية اقتصادية، يوضح الصلح أن النفقات مسؤولية وزارة المالية والبنك المركزي، مشيراً إلى تأثير إيقاف تصدير النفط على الإيرادات وبالتالي اختلال ميزان المدفوعات، مما سيؤثر وبشكل متشابك في ارتفاع الأسعار وزيادة التضخم وارتفاع معدلات البطالة.
وتعاني ليبيا من الركود الاقتصادي منذ ثلاث سنوات، في ظل غياب حل سياسي للأزمة، وعدم تحييد المؤسسات السيادية، وعلى رأسها المؤسسة الوطنية للنفط عن صراعات السلطة والنفوذ، وتكليف الشخصيات المهنية بإدارتها، يشرح الخبير الاقتصادي.
إضافة إلى حالة الركود فإن مؤشرات أزمة اقتصادية جديدة كشفت عنها المؤسسة الوطنية للنفط، بعد التوقف الحالي عندما قدرت الخسائر الإجمالية اليومية للإنتاج بـ850 ألف برميل من الخام، و710 ملايين قدم مكعبة من الغاز الطبيعي، وأكثر من 20 ألف برميل من المكثفات.
وقدرت الخسائر الإجمالية للإيرادات الناجمة عن عمليات الإغلاق بحوالي 67.4 مليون دولار، كما قدرت الخسائر المالية للخزانة العامّة منذ الهجوم الذي قاده إبراهيم جضران، منتصف يونيو/حزيران، على ميناءي السدرة وراس لانوف بأكثر من 650 مليون دولار.
وأعلن مصطفى صنع الله، رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنيّة للنفط في طرابلس رفضه الشديد قرار القائد العام للجيش، التابع للبرلمان، المشير خليفة حفتر، القاضي بتسليم موانئ النفط إلى المؤسسة الوطنية التابعة للحكومة المؤقتة، المنبثقة عن مجلس النواب.
واعتبر صنع الله أن ما قام به حفتر لا يختلف عمّا قام به إبراهيم جضران، الذي هاجم الحقول في وقت سابق، مطالباً بإدانة القرار من قبل المجتمع الدولي وكافة الشعب الليبي، حسب تعبيره، كون المؤسسة الوطنية للنفط التي يرأسها، هي المؤسسة الشرعية الوحيدة المعترف بها دولياً، قائلاً إن القيادة العامة للجيش، وعلى رأسها حفتر "قرَّرت أن تضع نفسها فوق القانون".
من يملك الشرعية؟
صنع الله الذي يرأس مجلس إدارة مؤسسة النفط الليبية، والقائم بأعمال وزير النفط، منذ أغسطس/آب 2014، يعتبر أن هناك مؤسسة وطنية شرعية واحدة للنفط، معترفاً بها لدى منظمة البلدان المصدرة للنفط أوبك"، مؤكداً أن محاولة التصدير من قبل مؤسسات موازية غير قانوني، وستفشل كما فشلت في مرات سابقة.
وأشار إلى أن قرار مجلس الأمن بأن تظل المنشآت النفطيّة وعمليّات الإنتاج والصادرات تحت السيطرة الحصرية للمؤسسة الوطنية للنفط والرقابة الوحيدة لحكومة الوفاق الوطني، ووجه صنع الله تحذيراً للشركات "من الدخول في عقود لشراء النفط من المؤسسات الموازية. لن يتم تكريم هذه العقود، وستقوم المؤسسة باتخاذ جميع الإجراءات القانونية المتاحة ضدها".
وفي الجهة المقابلة يرى عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب طارق الجروشي، أن قرار المشير حفتر ذو طابع أمني قومي، وليس سياسياً؛ إذ يأتي لتجفيف منابع تمويل الإرهاب، حيث تستخدم إيرادات تسويق النفط لتمويل الميليشيات والجماعات "الإرهابية"، داعياً أبناء الشعب الليبي للخروج في مظاهرات عارمة مؤيدة لهذا القرار، الذي وصفه بالتاريخي.
الجروشي صرح لـ"عربي بوست"، أن الجهات التنفيذية التي كانت تتبعها موانئ إنتاج وتصدير النفط "غير شرعية، ولا تملك زمام أمورها في تحقيق العدل والمساواة وصون حقوق الليبيين"، مشيراً إلى جاهزية المؤسسة الوطنية للنفط في بنغازي، التابعة لمجلس النواب. مؤكداً أن لديها من الخبرات والكفاءات ما يُمكنها من تسيير الأعمال المنوطة بها على أكمل وجه.
توحيد الحكومتين أولاً
ولإنهاء أزمة النفط الليبي، يَقترح المتخصص في شؤون شمال إفريقيا بين فيشمان، أن تعلن واشنطن بوضوح أنها ستعمل على منع المبيعات غير المصرَّح بها للنفط الليبي، تماماً كما فعلت في مارس/آذار 2014، عندما اعترضت القوات الخاصة التابعة للبحرية الأميركية ناقلة بترول تحمل 200 ألف برميل من النفط الخام -الذي تمت مصادرته بصورة غير قانونية- وأعادتها إلى طرابلس.
واعتبر أن إعادة التأكيد على التزام الولايات المتحدة بتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2146، بالإضافة إلى إصدارها بياناً يحث الليبيين على معالجة الوضع بسرعة، من شأنهما ردع المشترين المحتملين، واختبار إرادة حفتر، والتوافق مع جهود إدارة ترامب الرامية إلى زيادة إنتاج النفط العالمي من أجل خفض الأسعار.
ومن الجانب الليبي يرى أحمد لنقي، عضو المجلس الأعلى للدولة في طرابلس، أن الحل الأمثل للأزمة هو توحيد السلطة التنفيذية، وتشكيل حكومة واحدة، قائلاً لـ"عربي بوست": "إن الحديث عن توحيد مؤسسات الدولة المنقسمة، ولدينا حكومتان، كلٌّ منهما تُنازع الأخرى في اختصاصاتها، وترى كلٌّ منهما أنها الحكومة الشرعية، والأخرى حكومة موازية، هو حديثٌ بعيدٌ عن العقل والحكمة".
وشدَّد لنقي على ضرورة إيجاد حلٍّ لتوحيد السلطة التنفيذية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية واحدة، إلى حين إجراء انتخابات تشريعية جديدة، كما جاء في إعلان قمة باريس، التي عُقدت في 29 مايو/أيار الماضي، وحضرتها جلّ الأطراف المتصارعة على الساحة الليبية، وتم الاتفاق على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، في 10 من ديسمبر/كانون الأول المقبل.
تقارير لمتابعة أزمة الحقول النفطية في ليبيا:
قوات حفتر تُكلف ليبيا خسارة 60 مليون دولار يومياً.. حكومة الوفاق تقرر إغلاق ميناءين لتصدير النفط
من يمتلكها يمتلك ليبيا.. ميلشيات مسلحة ليبية تشعل النار في آبار النفط وباتفاق باريس أيضاً!
تفاصيل مبادرة فرنسا للتوصل إلى حل في ليبيا.. 13 بنداً وضعتها باريس أمام الفرقاء في لقاء سيضم 19 دولة