بعد مشاورات استغرقت شهرين، أقرَّ مجلس الدولة المصري، الأربعاء 4 يوليو/تموز 2018، مشروع قانون تقدَّمت به حكومة رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي لإنشاء صندوق سيادي استثماري، لاستغلال الأصول المملوكة للدولة، باسم "صندوق مصر"، برأسمال 200 مليار جنيه (ما يعادل 11.2 مليار دولار).
تخوفات من أن يكون الصندوق الباب الخلفي للخصخصة
كشف الخبير الاقتصادي عبدالحافظ الصاوي، في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست" أن تجربة إنشاء الصندوق ليست التجربة الأولى، بل سبقها رغبتان، أولاهما من جانب وزير التخطيط المصري السابق أشرف العربي، والتي ركزت على إدارة الصندوق للأصول المالية، من أراض وعقارات مملوكة للدولة وغير مستغلة.
بينما كانت التجربة الثانية لخالد بدوي، وزير قطاع الأعمال، الذي كشف وبصراحة عن أن الصندوق سيعتمد على إيرادات الشركات التي خطط لإدراجها في برنامج الخصخصة عبر البورصة، وأن الحصيلة ستكون بحدود من 2 إلى 3 مليارات دولار.
وفي مارس 2018، خرج الموضوع من صراع الأشخاص إلى صراع الوزارات، حيث تم في هذه المرة طرح فكرة الصندوق على لسان وزير قطاع الأعمال.
وأبدى تخوفه الصاوي من أن يكون الصندوق بمثابة تفريط في الأصول الرأسمالية القائمة، وليس تنميتها وزيادتها، حتى لو كان النشاط هو الدخول في مشروعات مشتركة مع شركاء أجانب أو مصريين، فستكون هذه الأصول مجرد حصة للدولة في تلك المشروعات.
وكشف أن رأسمال الصندوق السياسي، والمقدر بـ200 مليار جنيه مصري ليست أموالاً سائلة؛ بل هي ممتلكات سوف يشرف عليها الصندوق، وتتكون من المباني والمقارّ والأراضي التابعة للوزارات والشركات المختلفة.
وفي أبريل/نيسان من عام 2018، قالت وزيرة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري الدكتورة هالة السعيد، إن مجلس الوزراء وافق خلال اجتماعه برئاسة المهندس شريف إسماعيل رئيس مجلس الوزراء، على مشروع قانون بإنشاء صندوق مصري سيادي باسم (صندوق مصر)، يهدف إلى أفضل استغلال للأصول المملوكة للدولة، برأسمال مرخص به يبلغ 200 مليار جنيه، ورأس مال مصدر يبلغ 5 مليارات جنيه، إضافة لتحديد موارد الصندوق.
يذكر أن إجمالي ثروة الصناديق السيادية عالمياً، العام الماضى، أكثر من 7.1 تريليون دولار، حسب تقارير مؤسسات دولية، ويأتي صندوق معاشات التقاعد الحكومي النرويجي بحجم استثمارات 1000 مليار دولار -تريليون دولار- تقريباً، ليصبح أضخم صندوق سيادي حول العالم، ويمتلك حصصاً استثمارية في أكثر من 9 آلاف شركة في 75 دولة، أبرزها: "Apple" و"Nestlé" و"Microsoft" و"Amazon" و"Face book" و"Shell" و"Citigroup".
وقالت وزيرة التخطيط، في مؤتمر صحفي بمقر مجلس الوزراء، إن العائد من استغلال أموال الصندوق يهدف إلى المساهمة في التنمية الاقتصادية المستدامة، وتحقيق الاستغلال الأمثل لأصول الدولة، وتحقيق التنمية الاقتصادية الاجتماعية المستدامة، من خلال إدارة أمواله، واستغلال الأصوال التي تؤول إليه، وفقاً لأفضل المعايير والقواعد الدولية، والتعاون مع كافة الصناديق الدولية العربية والمؤسسات المالية المختلفة.
لجنة قسم التشريع راجعت القانون منذ مايو/أيار 2018
وكان القانون الذي عرض على مجلس الدولة قد خضع للمراجعة، من جانب لجنة شكَّلها المستشار مهند عباس، نائب رئيس مجلس الدولة، من مستشاري قسم التشريع، وذلك بعد أن وافق مجلس الوزراء عليه، وأرسله إلى قسم التشريع لمراجعته، بما يتفق مع المبادئ والأعراف القانونية.
وقال المستشار عبدالرازق مهران، رئيس المكتب الفني لقسم التشريع، إن فكرة إنشاء الصندوق السيادي لمصر تهدف إلى المساهمة في التنمية الاقتصادية المستدامة، من خلال إدارة أمواله وأصوله، وتحقيق الاستغلال الأمثل لها، وفقاً لأفضل المعايير والقواعد الدولية.
مهام الصندوق السيادي الجديد
يخرج المشروع جميع أموال الصندوق من الملكية العامة للدولة، المنصوص عليها دستورياً، باعتبارها ملكية عامة للشعب، ويعتبر جميع أموال وممتلكات الصندوق مملوكة للدولة ملكية خاصة، بمعنى أنها غير مخصصة للمنفعة العامة.
أهم مواد المشروع الجديد، فهي أنه يجيز مشروع القانون لرئيس الجمهورية، بناء على عرض الحكومة، نقل ملكية أي من الأصول غير المستغلة المملوكة ملكية خاصة للدولة، أو لأي من الجهات أو الشركات التابعة لها إلى الصندوق، أو أي من الصناديق التي يؤسسها والمملوكة له بالكامل.
فضلاً عن أن الصندوق سوف يكون بمعزل عن رقابة الأجهزة الرقابية القائمة، باعتباره صندوقاً خاصاً، بإمكانه إنشاء صناديق أخرى، أو المساهمة مع القطاع الخاص في إنشاء شركات ومشروعات استثمارية.
وبالنسبة للأصول المستغلة فيكون عرضها بواسطة الوزير المختص، بالاتفاق مع وزير المالية والوزير المعني، وذلك كله بعد موافقة رئيس مجلس الوزراء، ويتم قيد تلك الأصول في دفاتر الصندوق بالقيمة السوقية، وفقاً لقواعد وإجراءات التقييم التي يحددها النظام الأساسي.
ويتيح المشروع للصندوق الاستثماري الجديد سلطة ممارسة جميع الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية، بما في ذلك المساهمة بمفرده أو مع الغير في تأسيس الشركات، أو في زيادة رؤوس أموالها، والاستثمار في الأوراق المالية المقيدة بأسواق الأوراق المالية وغير المقيدة بها، وأدوات الدين وغيرها من الأوراق المالية داخل مصر أو خارجها، والاقتراض والحصول على التسهيلات الائتمانية، وإصدار السندات وصكوك التمويل، وغيرها من أدوات الدين، وشراء وبيع وتأجير واستئجار واستغلال الأصول الثابتة والمنقولة والانتفاع بها، وإقراض أو ضمان صناديق الاستثمار والشركات التابعة التي يملكها أو يساهم فيها مع غيره.
على سبيل المثال سيشرف الصندوق على رعاية مباني الحكومة القديمة
وكشفت وزيرة التخطيط هالة السعيد ان من مهام الصندوق أن يكون هناك صندوق فرعي يضم المباني التراثية التابعة للوزارات ، خاصة بعد انشاء مقار اخرى في العاصمة الادارية الجديدة بحيث تتم المحافظة عليها وتطويرها بالتعاون مع لجنة يرأسها المهندس إبراهيم محلب.
مشيرة إلى وجود أكثر من 100 أصل ذات حجم كبير، وأكثر من 3 آلاف أصل ذات حجم صغير، سيتم ضمّها إلى هذا الصندوق، حيث يتم حالياً حصر لكل الأصول وتشكيل وحدة داخل كل وزارة لهذا الغرض، لتسلم البيانات بالتنسيق مع الوزارات المعنية والمحافظين، عبر منظومة إلكترونية تستوعب البيانات كافة بشكل دقيق.