تم إقحام بطولة كأس العالم في مزيج من السياسة وكرة القدم والذي يتسم بسرعة الغضب –وهي منطقة خطرة تبذل كرة القدم العالمية جهداً كبيراً في تجنب المساس بها– حيث أدت الأعداد المتزايدة من الإجراءات التأديبية وتهديد أحد النجوم بالاعتزال إلى تناول بعض القضايا الدولية الحساسة خلال البطولة هذا الأسبوع.
وحسب صحيفة The New York Times الأميركية، فقد شملت الأزمة لاعبين بالعديد من الفرق ومجموعة من الموضوعات؛ منها استقلال كوسوفو والقومية الصربية والمهاجم المصري المحبوب والزعيم الشيشاني موضع الجدل. ويمكن أن يؤدي أحد أوجه الاختلاف على الأقل إلى إجبار الفيفا على إيقاف بعض اللاعبين في أثناء البطولة، بما قد يؤثر على الفرق التي سوف تصعد من الجولة الأولى بالبطولة.
الفيفا تفتح تحقيقات بالجملة
أعلنت الفيفا، في وقت مبكر من صباح الأحد 24 يونيو/حزيران 2018، أن لجنتها التأديبية قد فتحت 3 تحقيقات أخرى تتعلق بمباراة الجمعة 22 يونيو/حزيران 2018 بين سويسرا وصربيا، بحيث وصل إجمالي التحقيقات حول المباراة إلى 6 تحقيقات. وبعد ساعات، اتضح أن أحد أكثر لاعبي البطولة شعبيةً، وهو المهاجم المصري محمد صلاح، يفكر في اعتزال كرة القدم على المستوى الدولي في أعقاب لقائه مع السياسي الشيشاني.
وكتبت الصحيفة الأميركية، في تقرير نشرته الأحد 24 يونيو/حزيران 2018، أن مشكلات الفيفا السياسية بدأت حينما رفع لاعبا سويسرا، جرانت زاكا وزيردان شاكيري، أيديهما برمز النسر المزدوج بعد الفوز على صربيا (2-1). وتعد تلك الحركة، التي تتمثل في تشابك الإبهامين وإطلاق أصابع كلتا اليدين، بمثابة رمز قومي يرفعه العديد من أصحاب الجذور الألبانية للدلالة على النسر الأسود بالعلم الألباني. (لكل من زاكا وشاكيري جذور من كوسوفو، الإقليم الألباني الذي خاض حرباً للاستقلال ضد القوات اليوغوسلافية الخاضعة للسيطرة الصربية في أواخر التسعينيات من القرن الماضي).
Salah awarded 'Chechen citizenship' by leader Kadyrov https://t.co/6pyKIeI1Iq pic.twitter.com/EI1CADJqqH
— RT (@RT_com) June 23, 2018
ولا يعني ذلك الرمز شيئاً لمعظم شعوب العالم. وظن أحد المعلقين البرازيليين أن اللاعبين يرفعان شعار السلام وأشاد بمحاولاتهما تحقيق المصالحة بمنطقة البلقان. ومع ذلك، فقد اعتُبرت تلك الحركة في صربيا بمثابة استفزاز.
كما واجه اتحاد كرة القدم الصربي إجراءً تأديبياً لرفع مشجعيه رسائل سياسية خلال المباراة. وقد تم تغريم صربيا بالفعل خلال هذه البطولة بعد أن رفع مشجعو الفريق الصربي ما اعتبرته الفيفا شعاراً للحركة القومية الصربية شبه العسكرية، في أثناء مباراتها مع كوستاريكا.
وفتحت الفيفا، يوم الأحد، 3 تحقيقات أخرى ضد اللاعب السويسري ستيفن لشتشتاينر الذي رفع شعار النسر المزدوج، وضد رئيس اتحاد كرة القدم الصربي سلافيزا كوكيز ومدربه ملادين كرستاجيتش؛ بسبب التصريحات التي تم اتهامهما بالإدلاء بها في أعقاب المباراة.
صلاح يهدد بالاعتزال بسبب قديروف
ثم جاء بيان النجم المصري محمد صلاح بأنه يفكر في الاعتزال على المستوى الدولي بمجرد انتهاء كأس العالم بعد إقحامه في جدل سياسي يتعلق بقرار اتحاد كرة القدم المصري بشأن الإقامة والتدريب في الشيشان خلال بطولة كأس العالم. وأصبح صلاح واحداً من أشهر لاعبي العالم خلال العام الماضي (2017)، وكان نجم المنتخب المصري في أثناء تدريباته بالعاصمة الشيشانية غروزني.
وقد ظهرت صور لصلاح مع الزعيم الشيشاني رمضان قديروف عشية افتتاح البطولة وخلال التدريب الأول للمنتخب المصري. وبعد أن علم أن صلاح لن يحضر التدريب، توجه قديروف إلى فندق الفريق المصري لاستدعاء اللاعب من فراشه. ويتولى قديروف رئاسة دولة الشيشان منذ عام 2007، أي بعد 3 سنوات من اغتيال والده، وقد اتُّهم بالإشراف على عمليات التعذيب والقتل خارج نطاق القانون وعمليات تطهير الشواذ في الشيشان.
وبعد هزيمة مصر أمام روسيا يوم الثلاثاء 19 يونيو/حزيران 2018، وهي النتيجة التي أكدت خروج مصر من التصفيات، أقام قديروف مأدبة عشاء للفريق المصري، منح خلالها صلاح، الجنسية الشيشانية الشرفية.
وكتب قديروف على وسائل التواصل الاجتماعي: "محمد صلاح مواطن شرفي لجمهورية الشيشان! ذلك صحيح! منحت محمد صلاح نسخة من المرسوم ودبوساً خلال احتفالية العشاء التي أقمتها على شرف الفريق المصري".
عادة ما يتعمد صلاح تجنُّب الوقوف بصف أي شخصية سياسية أو دينية؛ وذكرت قناة CNN أنه شعر بالغضب جراء تعرضه للانتقادات التي تلت نشر الصور الأصلية مع قديروف.
وقد أدى ذلك التشريف من جانب قديروف إلى تفاقم حالة الغضب. ويُعتقد أن صلاح يشعر بالانزعاج؛ لأنه يظن أنه لم يحصل على الحماية المناسبة من جانب اتحاد الكرة المصري -الذي اختار غروزني معسكراً لتدريباته– ويفكر في أن تكون مباراة الاثنين ضد المملكة العربية السعودية هي مباراته الأخيرة مع المنتخب المصري. ويبلغ صلاح من العمر 26 عاماً.
لاعبان سويسريان يُغضبان الصرب
تمثل الإجراءات التأديبية الناجمة عن مباراة سويسرا وصربيا مشكلة شائكة للفيفا. ويمكن أن يواجه زاكا وشاكيري ولشتشتاينر – الثلاثة من أفضل لاعبي سويسرا– الإيقاف على مدار مباراتين إذا ما اعتُبرت احتفالاتهم بالأهداف بمثابة إيماءات سياسية، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى الاستبعاد من المباراة الأخيرة بالمجموعة ضد كوستاريكا يوم الأربعاء 27 يونيو/حزيران 2017.
Tapi di world cup kali ini bukan itu saja gesture politik yang dilakukan pemain. Setelah pertandingan vs kosta rika, kolarov membuat gesture three-fingers salute. pic.twitter.com/H2820vrk57
— Martagraha (@OghieMPurnomo) June 23, 2018
وذكر شاكيري، خلال كلمته الموجزة أمام وسائل الإعلام بعد انتهاء المباراة: "في كرة القدم، هناك مشاعر. يمكنكم أن تروا ما فعلته. إنها مجرد مشاعر". ومع ذلك، شعر الصربيون بالغضب. واعتبر كوكيز، رئيس الاتحاد الصربي لكرة القدم، تلك الحركة "مشينة ومخزية"، واتهم هو وكرستاجيتش الفيفا وحَكم المباراة الألماني فليكس بريتش بالتحيز ضد الصرب في أسلوب إدارة المباراة.
ونقلت هيئة الإذاعة البريطانية عن كوكيز قوله: "لا أتوقع أن تتخذ الفيفا قراراً حتى لا تتكرر هذه الحركة الوحشية ثانية. وأكرر، كان الأمر كله موجهاً". وقد استمرت تلك الحركة في أن تكون محوراً للمناقشات حول المباراة.
وذكر جلينا سابوتيتش، أستاذ العلوم السياسية بجامعة ولاية جورجيا: "حينما يرفع الألبان هذا الشعار أمام الصرب، فإنه يعني في الأساس أن الألبان قد أثاروا غضبكم. هؤلاء اللاعبون الألبان يفعلون ذلك لإثارة غضب الصرب، رغم أنهم في الواقع يلعبون لصالح منتخب سويسرا. ولا علاقة لسويسرا بهذا الخلاف على الإطلاق".
وأشار آخرون إلى حركة أخرى بالأيدي لم تلفت انتباه الفيفا بصفة رسمية: التحية الصربية بالأصابع الثلاث والتي تعتبر رمزاً قومياً. وقد أدى قائد فريق صربيا، أليكساندر كولاروف، التحية بعد إحراز هدف الفوز لصالح صربيا في مباراتها أمام كوستاريكا.
أمر مثير "للاشمئزاز"
ويرى الكرواتيون والبوسنيون والكوسوفيون أن التحية بالأصابع الثلاث أمر مثير للاستفزاز، ولكنه شائع في مجال الرياضة. وعادة ما يفعله بطل التنس الصربي نوفاك دجوكوفيتش بعد انتصاراته، رغم أنه ليس رمزاً للآراء المتطرفة بالضرورة.
وقال سابوتيتش: "أصبح هذا الرمز علامة روتينية وطبيعية للفوز الصربي بمرور الوقت. ويستخدمها معظم اللاعبين دون أن يقصدوا من ورائها أي أهواء قومية؛ بل تشير تلك الحركة إلى الافتقار إلى الحساسية وفهم السبب وراء كونها رمزاً للعنف الصربي".
ومع ذلك، تتمتع سويسرا بانتصاراتها. وتدعو صحيفة Blick، التي انتقدت شاكيري في الماضي لانقسام ولاءاته، قراءها إلى إرسال صورهم وهم يؤدون تحية النسر المزدوج.