على وضعه الحالي، ودوره في الأزمة الأخيرة، بات مجلس التعاون الخليجي الذي أُسس قبل أكثر من 35 عاماً، منقسماً أكثر من أي فترة مضت، كما أنه يواجه صعوبات جمة، لكنه رغم كل هذا ما زال قائماً، هكذا يرى موقع Al-Monitor الأميركي، في تقرير له بمناسبة عام على اندلاع الأزمة الخليجية.
وبحسب الموقع الأميركي، فإن المجلس الذي تم إنشاؤه على يد الملك السعودي الراحل خالد بن عبد العزيز آل سعود في مايو/أيار 1981، في خضم الحرب بين إيران والعراق، عجز عن إيجاد حل لأول أزمة حقيقية منذ تدشينه، بين الأطراف الأعضاء به.
ولم يمثل مجلس التعاون الخليجي أبداً اتحاداً قوياً، إلا أنه لطالما كان وسيلة ناجعة لتنسيق السياسات وتعزيز نفوذ المملكة العربية السعودية والممالك الخمس الأخرى.
وبشكل مفاجئ، قطعت كل من المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة ومصر، في 5 يونيو/حزيران من سنة 2017، علاقاتها مع قطر وفرضت حصاراً برياً وجوياً وبحرياً على الدوحة، بحجة دعم المنظمات الإرهابية، الأمر الذي تنفيه قطر بشكل مستمر.
ترمب.. والأزمة الخليجية
وبحسب الموقع الأميركي، فقد وقعت الأزمة عقب زيارة ترمب الرياض السنة الماضية (2017)، ولم يتضح بعدُ مدى حجم المعلومات التي قدمها السعوديون للأميركيين بشأن خطة استهداف قطر، وما إذا كان فريق ترمب قد أدرك فعلاً ما تهمّ الرياض بفعله. وقد شاب الموقف الأميركي إزاء الحصار قدر كبير من الارتباك وعدم الوضوح، ولا يزال الأمر على حاله إلى الآن.
ويرى الموقع الأميركي أن الرياض كانت عازمة على مقاطعة قطر؛ إذ قام 200 رجل من قبيلة آل الشيخ، أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب، مؤسس المذهب الوهابي، بنشر رسالة مفتوحة في صحيفة "Okaz-عكاظ" السعودية. كانت الرسالة، التي احتلت الصفحة الأولى من الصحيفة، موجَّهة إلى أمير دولة خليجية لم يقع ذكر اسمها. طالبوا منه تغيير اسم المسجد الرئيسي في الإمارة الذي يحمل اسم مؤسس هذا المذهب؛ ألا وهو مسجد محمد بن عبد الوهاب. وتجدر الإشارة إلى أن دولة خليجية واحدة تملك مسجداً يحمل هذا الاسم؛ وهي قطر، بحسب الموقع الأميركي.
وخلال الربيع من هذه السنة (2018)، أصبح أحد أحفاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وهو عبد اللطيف بن عبد العزيز بن عبد الرحمن آل الشيخ، وزيراً للشؤون الإسلامية بالمملكة العربية السعودية.
خلافات ضاربة في القدم
وبحسب الموقع الأميركي، تعد الخلافات السياسية بين السعودية وقطر ضاربةً في القدم. فلطالما كانت الرياض مستاءة من عزم الدوحة تبنِّي سياسة خارجية مستقلة، في حين تحاول الرياض أن تدفع قطر إلى السير في فلكها، وعلى الرغم من أنه قد وقع سحب سفراء الدولتين، فإن النزاعات ظلت متواصلة. ولم تؤثر الخلافات بين الدولتين على مجلس التعاون الخليجي ولَم تحُل دون تنفيذه أعماله وعقد اجتماعات رفيعة المستوى.
وتعد حالة التوتر متأصلة داخل المجلس؛ نظراً إلى تفاوت القوى بين أعضائه. وضمن هذا المجلس، تعتبر السعودية هي القوة المسيطرة، حيث إن السعوديين يعتبرون أن مجلس التعاون الخليجي أشبه بحلف وارسو أكثر من كونه حلف ناتو، أي إنه تحالف تديره دولة واحدة عوضاً عن مجموعة من الدول، بحسب الموقع الأميركي.
واكتشفت دول الخليج الصغيرة هذه المساعي، وقاومت أي محاولات من أجل تعزيز الوحدة فيما يتعلق بالشؤون العسكرية أو إصدار عملة موحدة؛ وذلك لأنها تخشى أن تصبح بذلك الهيمنة السعودية أمراً محتوماً. كان التعاون والتشاور أمراً مقبولاً، ولكن الاندماج والانصهار بشكل تام كان مرفوضاً.
وبحسب الموقع الأميركي، فقد غيَّر الأمير محمد بن سلمان الطريقة القديمة المعتمدة في اتخاذ القرارات، وضمن ذلك داخل مجلس التعاون الخليجي. وقد برزت مجموعة متنوعة من المعسكرات في صلب الحكومات الخليجية، فمن ناحية، نجد المعسكر السعودي، الذي تسانده بقوةٍ الإمارات، التي عمدت إلى اتخاذ جملة من الإجراءات لمعاقبة منافستها السياسية والاقتصادية قطر.
كما تعد أبوظبي من أكثر المنتقدين لقناة الجزيرة. أما البحرين، فهي تعد من بين الأعضاء الأكثر تعصباً ضمن هذا المعسكر؛ نظراً إلى النزاعات التي تجمعها بقطر فيما يتعلق بمسألة الحدود منذ فترة طويلة. وقد وقع تسليط الضوء من جديد على هذه الخلافات في الوقت الحالي. بالنسبة للبحرين التي تعد دولة ذات أغلبية سكانية من الشيعة في حين أن الأسرة الحاكمة داخلها تنتمي إلى الأقلية السُّنية، فتعتمد على القوات العسكرية السعودية، التي دخلت البلاد في ربيع 2011؛ وذلك من أجل ضمان استقرارها.
الكويت المحايدة
وتعتبر الكويت من الأعضاء المحايدين ضمن هذا المعسكر، حيث لم تقطع العلاقات مع قطر في السَّنة الماضية، وحاولت في بعض المناسبات التوسط لحل النزاع، بدعم من الولايات المتحدة. في الوقت ذاته، تتبع الكويت بشكل كبير مواقف المملكة العربية السعودية بشأن كل القضايا تقريباً، خاصة منذ الغزو العراقي للكويت سنة 1990؛ نظراً إلى مخاوفها الشديدة من المطامع العراقية والتدخل الإيراني في شيعتها.
وتبنَّى الكويتيون المسار ذاته على غرار المملكة العربية السعودية فيما يتعلق بالتزامهم بتقديم المساعدات الاقتصادية لمدة 5 سنوات للأردن، في قمة مكة الأخيرة، التي دعا إليها الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود لتعزيز منصب العاهل العربي الآخر في الشرق الأوسط.
أما قطر، فتمثل معسكرا وحيداً، بعيداً عن المعسكر السعودي، وقد كان للحصار رد فعل معاكس لما كان متوقعا داخلياً، فقد ساند القطريون أميرهم. وقد برزت القومية القطرية في ظل هذه الظروف أكثر من أي وقت مضى.
أما عُمان، فكانت تقف بمعزل عن النزاعات الخليجية، فلطالما كان السلطان قابوس بن سعيد غائباً عن الصورة، ونادراً ما يحضر مؤتمرات قمة دول مجلس التعاون الخليجي. لقد كان يتطلع إلى جنوب آسيا بقدر ما كان يتطلع إلى الشرق الأوسط. رفضت مسقط الانضمام إلى الحرب التي قادتها السعودية في اليمن قبل 3 سنوات عندما انضمت بقية دول مجلس التعاون الخليجي إلى التحالف السعودي ضد الحوثيين. في الأثناء، تحافظ عُمان على علاقات سليمة مع إيران، كما ساعدت قطر على التعامل مع هذا الحصار، بحسب الموقع الأميركي.
مجلس التعاون في أزمة
ويواجه مجلس التعاون الخليجي اليوم أزمة لم يكن قد واجهها من قبلُ، في حين يبدو منقسماً للغاية. في الأثناء، فشلت إدارة ترمب في إبداء رأي موحد وواضح بشأن ما يحدث. ولعل الأهم من كل ذلك، أنه قد وقع تجاهل موقفها. فقد حاول وزيرا خارجية أميركيان فضلاً عن وزير الدفاع، رأب الصدع بين مختلف الأطراف، إلا أنهم فشلوا في ذلك. وقد جسد ذلك، الضعفَ والعجزَ الاستثنائي الذي يعانيه الأميركيون.
ويعني ذلك أيضاً أن الجبهة الإسلامية الموحدة ضد إيران، التي تشكلت ضمن القمة العربية الإسلامية-الأميركية التي شارك فيها ترمب في الرياض السنة الماضية (2017)، قد تهاوت على مستوى الخليج العربي. ومع انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني وعزلها من مجموعة "5+1" بشأن الاتفاق النووي، فقد باتت الجبهة الموحدة لكبح جماح إيران منقسمة على الصعيدين الإقليمي والعالمي، بحسب الموقع الأميركي.
وختم الموقع الأميركي تقريره، مذكِّراً بأن الحروب الباردة بين الدول العربية ليست دائمة، لكن التحالفات مبنيَّة على الثقة. لقد نجا حلف الناتو من حرب جورج دبليو بوش الغبية في العراق بفضل الثقة الكامنة في أميركا، لقد كان مجلس التعاون الخليجي حليفاً مهماً للولايات المتحدة، إلا أنه تداعى الآن أمام مؤامرة غير ناجعة.