قالت إدارة الجمارك وحماية الحدود الأميركية إن السلطات قامت بفصل أكثر من 2300 طفل عن آبائهم على الحدود مع المكسيك، فيما بين الخامس من مايو/أيار 2018 والتاسع من يونيو/حزيران الحالي، بموجب سياسة "اللاتساهل" التي تتبعها إدارة الرئيس دونالد ترامب.
ويقول المدافعون عن الهجرة، وخبراء قانونيون إنه لا يوجد نظام واضح للم شمل هذه الأسر مرة أخرى. وتقضي السياسة بأن يحيل المسؤولون عن الحدود كلّ المهاجرين الذين يتم القبض عليهم أثناء عبور الحدود بين البلدين دون سند قانوني إلى القضاء.
وقالت كريستين نيلسن وزيرة الأمن الداخلي الأميركية، إن الآباء الذين يتم الإفراج عنهم "يحق لهم استعادة أبنائهم من خلال عملية توثيقية".
"عار عليك"!
وتعرَّضت نيلسن، الثلاثاء 19 يونيو/حزيران 2018، إلى موقف محرج عندما قطع محتجون بصخب، عشاء وزيرة الأمن الداخلي في مطعم مكسيكي في واشنطن، وهم يردِّدون هتاف "عار عليك!"، تعبيراً عن احتجاجهم على سياسة الهجرة، التي فصل بموجبها أكثر من 2300 طفل عن آبائهم المهاجرين بطريقة سرية.
وفي تسجيل فيديو مدته حوالي 10 دقائق، وضعته منظمة اشتراكية على عدد من شبكات التواصل الاجتماعي، يظهر عدداً من الناشطين وهم يدينون بصخب سيدة شقراء جالسة أمام مائدة في مطعم، وقد خفضت رأسها في الظل.
ويقول أحد هؤلاء المحتجين "الوزيرة نيلسن (…) كيف يمكنكم الاستمتاع بتناول طعام مكسيكي بينما تقومين بإبعاد وسجن عشرات الآلاف من الأشخاص الذين جاؤوا ليطلبوا اللجوء إلى الولايات المتحدة؟".
ويردد ناشطو منظمة "الاشتراكيون الديمقراطيون في أميركا" (مترو دي سي ديموكراتيك سوشاليستس أوف أميركا) بعد ذلك "عار عار عار عليك!".
وأوضحت المنظمة في بيان، أنها لن تترك وزيرة الأمن الداخلي "تتناول طعامها بسلام، وفي الوقت نفسه تأمر موظفيها بانتزاع فتيات صغيرات من أمهاتهن وصبية صغار يبكون من آبائهم".
وأضافت أن "هذه الأعمال الوحشية يجب أن تتوقف، والذين يتولون القيادة يجب أن يحاسبوا"، مشيرة إلى أن "عشاء الوزيرة نيلسن قد يكون أُفسد، لكن هذا لا يشكل شيئاً بالمقارنة مع الأهوال التي سبَّبتها لعائلات بريئة".
ترمب يدافع عن وزيرته في الأمن الداخلي
ودافع الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن وزيرة الأمن الداخلي، مؤكداً في تغريدة الثلاثاء 19 يونيو/حزيران 2018، أنها قامت "بعمل رائع" خلال المؤتمر الصحفي الذي عقدته قبل يوم، وبدت فيه ممثلة سياسة عدم التسامح الذي تبديه إدارتها في هذا المجال.
ودافع ترامب الثلاثاء عن سياسته المثيرة للجدل حول فصل العائلات المهاجرة، مؤكداً أنه الخيار الوحيد لمحاربة الهجرة غير الشرعية بشكل فعال. وقال "لا أريد فصل الأطفال عن والديهم. عندما تعتقل الأهل بسبب دخولهم غير القانوني إلى البلاد، وهذا ما يجب فعله، عليك عندها أن تفصل الأطفال".
ومع تشديده على ضرورة محاربة المهربين، اتهم الرئيس الأميركي وسائل الإعلام بالتواطؤ معهم. وأضاف "لا نريد أن يتدفق الناس إلى بلادنا. نريدهم أن يأتوا من خلال عملية قانونية ونريد في النهاية نظاماً قائماً على الجدارة".
وتابع أن "أولئك الذين يتقدمون بطلبات لجوء من خلال الوسائل القانونية لا تتم مقاضاتهم، لا تذكرهم أبداً وسائل الإعلام التي تنشر أخباراً كاذبة. إنها تساعد هؤلاء المهربين بشكل لا يمكن لأحد أن يصدقه".
وعلى غرار عادته في الأيام الأخيرة، اتهم الرئيس الأميركي الديمقراطيين مجدداً بالمسؤولية عن الأزمة الحالية، قائلاً إنهم يعطلون أي إصلاح حول الهجرة في الكونغرس.
لكن زوجته تعارض قراراته تجاه الأطفال
في المقابل انتقدت السيدة الأميركية الأولى، ميلانيا ترمب، سياسة فصل المهاجرين غير الشرعيين عن آبائهم، قائلة إنها تكره أن ترى الأطفال ينفصلون عن عائلاتهم. وأعربت ميلانيا، في بيان صادر عن مكتبها، عن أملها في أن يتمكن (الجمهوريون والديمقراطيون) من إصلاح قوانين الهجرة في البلاد.
والجمعة الماضية، أعلنت وزارة الأمن الداخلي الأميركية، أن السلطات فصلت 1995 طفلاً عن ذويهم من المهاجرين غير الشرعيين، خلال 6 أسابيع، بين 19 أبريل/نيسان و31 مايو/أيار الماضيين، حسبما نقلت صحيفة نيويورك تايمز.
ولفتت الوزارة، إلى أن أولئك الآباء يواجهون اتهامات جنائية لعبورهم بصورة غير شرعية الحدود مع المكسيك إلى داخل الولايات المتحدة.
ولفتت ميلانيا، في البيان، إلى أنها تكره أن ترى الأطفال منفصلين عن عائلاتهم عند الحدود، وفق ما نقلت وكالة أسوشيتد برس. وقالت إنها "تؤمن بالحاجة إلى بلد يلتزم بجميع القوانين، لكننا بحاجة أيضاً لبلد يحكم بالقلب".
وأضافت أنها "تأمل في أن يحصل توافق حول إصلاح سياسات الهجرة بشكل ناجح". وتسعى سياسة إدارة ترمب الجديدة بشأن الهجرة، التي دخلت حيز التنفيذ مايو/أيار الماضي، لتحقيق أقصى قدر ممكن من المحاكمات الجنائية بحق الأشخاص الذين حاولوا دخول الولايات المتحدة بطريقة غير شرعية.
ووضعت السلطات الأميركية أولئك المهاجرين رهن الاعتقال، ما أدى لفصل أطفالهم عنهم، وفق أسوشيتد برس. وانضمَّت السيدة الأولى السابقة لورا بوش، زوجة الرئيس الأسبق، جورج دبليو بوش، على خط الجدل، واصفة سياسة فصل الأطفال بـ"القاسية" و"غير الأخلاقية".
متى يتم الفصل بين الأطفال والآباء؟
يتم نقل المهاجرين الذين يُلقى القبض عليهم قرب الحدود الجنوبية الغربية إلى مراكز استقبال، حيث يحيل المسؤولون البعض إلى محاكم اتحادية لمحاكمتهم بموجب القانون الجنائي الأميركي. ويوضع الآباء المحالون للقضاء في عهدة مسؤولي إنفاذ القانون، وتفصل السلطات بينهم وبين أطفالهم.
وفي كثير من الأحيان يُقر المهاجرون المتهمون بدخول البلاد بطريق غير مشروع بالذنب في جلسات جماعية، ويتم الحكم عليهم بالحبس بضعة أيام أو بالفترة التي قضوها في الحبس، وعندها ينقلون مرة أخرى إلى مركز الاستقبال ويتم ترحيلهم بسرعة ما لم يتقدموا بطلب يبدون فيه "خوفاً له مصداقية" من العودة إلى وطنهم.
وفي الوقت ذاته يتم نقل الأطفال إلى عهدة مكتب إعادة توطين اللاجئين التابع لوزارة الصحة والخدمات الإنسانية، الذي يدير منشآت رعاية القاصرين. وينتشر 100 مركز في 17 ولاية، وقد يتصادف أن يكون الآباء في طرف والأطفال في الطرف الآخر من البلاد.
وللأطفال قضية خاصة بهم في محكمة الهجرة، ويحق لهم حضور جلسة كاملة أمام قاضي الهجرة، وهي عملية قد تستغرق شهوراً.
كيف يمكن للآباء الاتصال بأطفالهم
قالت إدارة الهجرة والإنفاذ الجمركي إنها نشرت معلومات في كل المنشآت التي يحتجز فيها الآباء لأكثر من 72 ساعة، تنصحهم بالاتصال بخط ساخن لطلب المساعدة في العثور على أطفالهم.
وقالت الإدارة إنها ستتعاون مع مكتب إعادة توطين اللاجئين في تحديد مكان وجود الأطفال، والتحقق من صلة القرابة وتوفير الاتصالات المنتظمة وتنسيق عمليات النقل إذا اقتضت الضرورة.
ويوجد خطَّان ساخنان، أحدهما تديره إدارة الهجرة والإنفاذ الجمركي والثاني يديره مكتب إعادة توطين اللاجئين. ويقول حقوقيون إن فترات الانتظار على هذين الخطين قد تصل إلى 30 دقيقة، ويتعيَّن على الآباء معاودة الاتصال عندما يتعذَّر تحديد المكان الموجود فيه الطفل على الفور.
كيف يمكن لمّ شمل الآباء وأطفالهم؟
قالت إدارة الهجرة والإنفاذ الجمركي، إنها "ستبذل كل الجهود الممكنة للم شمل الأطفال وآبائهم"، بمجرد فصل القضاء في قضايا الآباء.
وقالت إنها ستعمل إذا تقرَّر ترحيل الأب مع مكتب إعادة توطين اللاجئين للم شمله وطفله، وقت الترحيل على أن تتولى القنصلية التي تمثل البلد الأصلي معاونة الأب في استصدار وثيقة سفر للطفل.
وفي بعض الحالات ربما يُقرر الآباء رغبتهم في إبقاء الطفل في الولايات المتحدة، لمتابعة طلباتهم الخاصة باللجوء، أو ربما يختار الأطفال أنفسهم طلب اللجوء. وفي حالات أخرى ربما يطلب الأطفال العودة إلى أوطانهم للحاق بآبائهم. وقال حقوقيون إن عملية لم شمل الأسر تتم حسب الظروف.
قال أنتوني إنريكيز مدير برنامج قصر بلا مرافقين في رابطة الخدمات المجتمعية للجمعيات الخيرية الكاثوليكية في نيويورك، إنه لا يوجد جهد منهجي لضمان الجمع بين الأطفال وآبائهم. وأضاف "أذهب إلى المحكمة وأقول ذلك للقضاة بعد حلف اليمين".
وتابع أن لم الشمل يتوقف على المسؤولين الحكوميين الأفراد الذين يتجاوزون واجباتهم لمساعدة الأسر، أو أن يقوم محام من منظمة حقوقية أهلية بذلك.
وقال روبرت كاري الذي أدار مكتب إعادة توطين اللاجئين في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، إنه سيندهش إذا تم تطبيق نظم لإعادة توحيد الأسر بالسرعة التي طبقت بها سياسة "اللاتساهل"، وأضاف "التنسيق بين الوكالات المتعددة يستغرق وقتاً".
هل سبق ترحيل آباء دون أطفالهم؟
يقول محامو الهجرة، إنه تم ترحيل آباء في حالات كثيرة دون أبنائهم. وتقول منظمة "أطفال يحتاجون للحماية" الحقوقية، إن من بين 40 حالة أحيلت إليها تم فيها الفصل بين أفراد الأسرة الواحدة، منذ يوليو/تموز 2017، جرى ترحيل الآباء في 32 حالة قبل أطفالهم، وإن الأطفال كانوا في سن الخامسة أو أصغر في 15 من تلك الحالات.
وقالت ليزا فريدمان، المحامية بالمنظمة، إن السلطات قامت بترحيل الآباء في بعض الحالات قبل العثور على أطفالهم.
وأضافت أن بعض الأطفال يبقون في الولايات المتحدة شهوراً بعد ترحيل الآباء. ويلجأ الآباء الذين تم ترحيلهم إلى دول مثل غواتيمالا وهندوراس دون أبنائهم إلى منظمات محلية، طلباً للمساعدة في العثور عليه.