طالما وحَّدت كرة القدم الشعب البرازيلي على مرِّ التاريخ. 200 مليون مواطن يفخرون بفريقهم الوطني، وبفوزه 5 مرات بكأس العالم، مرتدين قمصانهم المميزة باللونين الأصفر الكناري والأخضر، خلال مبارياتهم التي طالما أَخلَت شوارع المدن.
بعد ذلك جاء الركود والمظاهرات، وفضائح الكسب غير المشروع التي لا تنتهي، وإدانة الرئيسة اليسارية ديلما روسيف بالفساد، التي سبَّبت انقساماً في الشارع البرازيلي، ومؤخراً الإضراب المُنهِك الذي نظَّمه بعض سائقي الشاحنات المحليون الذين رفعوا أعلام البرازيل، مطالبين بانقلاب عسكري، حسب تقرير صحيفة The Guardian.
لذا لا يفخر بعض البرازيليين الآن ببلدهم أو فريقهم، لدرجة أنَّ بعض المشجعين سيرتدون اللون الأحمر، عندما تصطف البرازيل للعب أولى مبارياتها ضد سويسرا. بل وسيُشجِّع بعض البرازيليين منتخب الأرجنتين الذي يعد الغريم اللدود لمنتخب البرازيل.
حتى إنهم طَلَوا شارعاً في إحدى مناطق الطبقة العاملة في مدينة تيريسينا في شمال شرقي البلاد في ولاية بياوي البرازيلية بألوان المنتخب الأرجنتيني الزرقاء الفاتحة والبيضاء. على غرار تزيين طريق هيلفاكس في ألمانيا بألوان الأبيض والأسود والأحمر والأصفر.
عبَّروا عن اشمئزازهم من تدهور الخدمات العامة والفساد المستشري
كان الطلاء فكرة رايموندو بيريرا جونيور، البالغ من العمر 35 عاماً. تحدث رايموندو مع جيرانه للمساهمة بمبلغ 5 من اليورو لطلاء شارع 8 بألوان الأرجنتين. وقال إنَّه وجيرانه يشجعون الأرجنتين -التي لم يزرها من قبل- للتعبير عن اشمئزازهم من تدهور الخدمات العامة والفساد المستشري.
وأضاف: "بلادنا محطَّمة. هذا أمر مُشين. أنا أشعر بالعار لأني أعيش في البرازيل الآن".
يشير هذا الاشمئزاز إلى حالةٍ من الاستياء وخيبة الأمل. فحتى في أحلك أيام الدكتاتورية العسكرية التي استمرت من عام 1964 إلى عام 1985، كان المتمردون اليساريون الذين يعانون التعذيب في السجون يشجعون البرازيل في كأس العالم عام 1970، وفقاً لما ذكرته الرئيسة السابقة ديلما روسيف -التي كانت عضوةً سابقة في المقاومة المسلحة- عندما كانت تروي القصة منذ أربعة أعوام، محاولة إشعال حماس الجماهير في أثناء بطولة كأس العالم السابقة التي استضافتها البرازيل.
إذ التف البرازيليون حول فريقهم بعد بدايةٍ فاترة. ولكن الهزيمة المهينة التي تجرعها المنتخب أمام المنتخب الألماني في نصف النهائي بسبعة أهداف مقابل هدف واحد، تركت ندوباً عميقة في الروح الوطنية. وقال رايموندو: "لم ينس أحدٌ نتيجة 7-1".
ومنذ ذلك الحين، تخرج البلاد من أزمةٍ لتقع في أخرى.
ففي عام 2016، عُزِلت ديلما من منصبها بعد خروج أبناء الطبقة المتوسطة البرازيليين إلى الشوارع في مظاهرات ضخمة، غاضبين من تفشِّي الكسب غير المشروع، مرتدين قمصان فريقهم بألوانها الأصفر الكناري والأخضر. ورأى الكثيرون أنَّ عزلها يُعَد انقلاباً بمسمى آخر، وتوعَّد اليساريون بالامتناع عن تشجيع منتخبهم.
إذ قالت أنجيلا دي سيكويرا، وهي أستاذة جامعية متقاعدة في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية، تبلغ من العمر 62 عاماً، اعتادت على مشاهدة مباريات البرازيل مرتديةً قميص الفريق. لكنَّها الآن تقول "لقد سلبوا ألوان زي البرازيل، ولن أرتديه بعد الآن". ولم تهتم أنجيلا في العام الجاري بالحصول على نسخةٍ من جدول مواعيد المباريات.
بينما بدأت لويزا كاردوزو -وهي مهندسة معمارية ومصممة عمرها 26 عاماً تعيش في مدينة أوبيرلانديا في ولاية ميناس جرايس البرازيلية- في شهر أبريل/نيسان في بيع نسخةٍ حمراء من قمصان البرازيل، مزينةً بالمطرقة والمنجل، لكنَّ اتحاد الكرة البرازيلي حذَّرها من استخدام الشعار الخاص به.
اتحاد الكرة البرازيلي شهد فضائح كسب غير مشروع
ثم اتضح أن هذا المنع عاد بالنفع؛ فاتحاد الكرة البرازيلي شهد فضائح كسب غير مشروع أكثر من أي مؤسسة برازيلية تورطت في قضايا مشابهة. ففي ديسمبر/كانون الأول الماضي، أُدين رئيس الاتحاد السابق -جوزيه ماريا مارين- بالتربح غير المشروع والاحتيال الإلكتروني وغسيل الأموال، وينتظر حكماً بالسجن في الولايات المتحدة. وفي أبريل/نيسان أصدرت الفيفا قراراً بإيقاف خليفته ماركو بولو ديل نيرو مدى الحياة، وتغريمه مليون فرنك سويسري وإقالته من وظيفته لتقاضيه رشوة.
وعليه، تقول لويزا "قال الكثيرون إنهم يفضلون القمصان الجديدة بدون شعار الاتحاد". واختار بعض أهل مدينتها ارتداء القميص الأخضر الخاص بفريقٍ من الدرجة الرابعة، يدعى نادي أوبيرلانديا إسبورتي. لكن لويزا ستشجع فريق بلادها.
إذ قالت: "سأشجع البرازيل، وعندما تخرج سأشجع الأرجنتين".