رغم أن القرار كان متوقعاً فقد بدت خيبة الأمل واضحة على كثيرين في مصر من قرار الحكومة السبت 16 يونيو/حزيران رفع أسعار الوقود بنسب تصل إلى أكثر من 60 بالمئة لتسود مواقع التواصل الاجتماعي تعليقات من قبيل: يارب ارحمنا.. المرتب لن يكفي ولو حلبناه.. وحسبي الله ونعم الوكيل.
بهذا القرار الذي يصدر ثاني أيام عطلة عيد الفطر تكون مصر قد رفعت أسعار الوقود للمرة الثالثة في أقل من عامين. وتضمنت الزيادات رفع سعر البنزين 92 أوكتين نحو 35 بالمئة والبنزين 95 بنسبة 17.4 بالمئة.
وتقرر أيضاً رفع سعر أسطوانات الطهي 66.6 بالمئة وسعر السولار والبنزين 80 أوكتين الأقل جودة 50 بالمئة وهي الزيادة الأكثر تأثيراً على شرائح واسعة من المصريين نظراً لاستخدامهما في أغلب وسائل النقل والمواصلات العامة والخاصة.
وستؤثر زيادات غاز الطهي بشكل مباشر على سكان القرى والنجوع أكثر من سكان المدن التي يشيع فيها استخدام الغاز الطبيعي.
وتأتي زيادة أسعار الوقود بعد أيام قليلة من زيادة أسعار الكهرباء والمياه ومترو الأنفاق وعدد من الخدمات المقدمة للمواطنين في إطار إصلاحات تقول الحكومة إنها ضرورية لمعالجة عجز الميزانية ووضع الاقتصاد على مسار النمو لكنها تزيد العبء على كاهل المصريين.
المواصلات.. "من لا يعجبه لا يركب"
يقول سائق توك توك في كفر الشيخ بشمال مصر "قررنا رفع الأجرة من أربعة جنيهات للفرد إلى 5.50 جنيه.. ومن لا يعجبه لا يركب.. لن نكون أغنى ولا أحن من الحكومة على المواطن ولن نجامل المواطن على حسابنا".
وأسعار المواصلات مبعث قلق للحكومة عادة نظراً لعدم السيطرة عليها في ظل غياب الرقابة.
وقال مجلس الوزراء المصري في بيان السبت إن الزيادة في أسعار الركوب الجديدة "تتراوح بين عشرة و20 بالمئة". لكن مراسلي رويترز بعدد من المحافظات قالوا إن الزيادة فاقت الثلاثين بالمئة في عدد من المواصلات.
وقالت رضوى السويفي رئيسة قسم البحوث في بنك الاستثمار فاروس "المشكلة الأكبر ستكون في شبكة المواصلات وخاصة لمحدودي ومتوسطي الدخل في مصر.. سينفقون معظم دخلهم فيها وفي بعض السلع التي ستزيد أسعارها".
وفي حين يقول محللون إن الإصلاحات التي تباشرها حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي في إطار اتفاق قرض قيمته 12 مليار دولار مع صندوق النقد الدولي ضرورية فإنهم لا ينكرون آثارها السلبية ولاسيما على الطبقات الفقيرة والمتوسطة التي اعتادت على درجة من الدعم الحكومي حتى في أحلك الظروف التي مرت بها مصر.
ولا يوجد تعريف واضح للطبقة المتوسطة في مصر أو تصور لما ينبغي أن يكون عليها دخل أفرادها. ويبلغ الأحد الأدنى للأجور في مصر 1200 جنيه (67.4 دولار) شهرياً.
استمرار تنفيذ "برنامج الإصلاح"
وأضافت السويفي "الناحية الايجابية لتحريك أسعار المواد البترولية يتمثل في استمرار تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي والحصول على الشريحة الجديدة من قرض صندوق النقد".
ووقعت الحكومة المصرية اتفاق قرض الصندوق نهاية 2016 بعد أن أقدم البنك المركزي على تحرير سعر صرف الجنيه في خطوة أطلقت موجة تضخم جامح دام لشهور ويشمل الاتفاق أيضاً خفض دعم الطاقة والمياه سنوياً ومبادرات لزيادة إيرادات الدولة وإقرار عدد من القوانين الجديدة المحفزة للاستثمار.
وزار وفد من صندوق النقد مصر خلال مايو/أيار الماضي لعمل مراجعة على برنامج مصر الاقتصادي لكن لم يصرف حتى الآن الشريحة الجديدة من القرض والمقدرة بملياري دولار.
وقال وزير البترول المصري طارق الملا لرويترز إن "تحريك أسعار" الوقود اعتباراً من اليوم سيوفر للدولة 50 مليار جنيه (2.8 مليار دولار) في السنة المالية الجديدة التي تبدأ أول يوليو/تموز فضلاً عن ترشيد الاستهلاك بنسبة خمسة بالمئة.
وتستهدف مصر خفض دعم المواد البترولية في الموازنة الجديدة إلى 89.075 مليار جنيه من نحو 125 مليار جنيه مستهدفة في السنة المالية الحالية 2017-2018.
وتشير بيانات وزارة البترول إلى أن الحكومة بعد تحريك أسعار الوقود اليوم مازالت تدعم البنزين 92 أوكتيناً بنحو 16 بالمئة و80 أوكتيناً بنحو 23 بالمئة والسولار بنحو 33 بالمئة والبوتاجاز المنزلي بنحو 71 بالمئة واسطوانات الغاز للاستخدام التجاري بنحو 33 بالمئة.
لكن تلك الأرقام قد لا يأبه لها المواطن الذي تتفاقم أعباؤه وتتقلص قدرته الشرائية بشكل مطرد.
"الناس ستتوقف عن الزراعة"
وفي القليوبية بدلتا النيل شمالي القاهرة قال سمير الملاح وهو مزارع "الناس ستتوقف عن الزراعة بعد زيادة أسعار السولار بهذا الشكل الرهيب لأن الفلاح لن يقدر على استيعاب الزيادة.. من أين يأكل الفلاح؟"
وفي محاولة لمساعدة محدودي الدخل في مصر تتوسع الحكومة بقوة في برنامج الدعم النقدي "تكافل وكرامة" الذي يقدم مبالغ شهرية للأسر الأشد فقراً لكن مازالت الأرقام هزيلة ولا تتناسب مع الارتفاعات القوية في كل السلع والخدمات.
وقال محمد السيد من محافظة السويس "الأعباء تزيد علينا ولن نتمكن من مواجهة متطلبات الحياة الصعبة.. الغلاء يصيب كل شيء إلا الأجور".
وفي المنيا بصعيد مصر قالت إيمان صلاح "ما المطلوب منا أن نفعله ونحن نلهث لمواجهات وتحديات؟ لا يوجد موظف في العالم يصرف نصف راتبه على المواصلات والنصف المتبقي على فواتير الكهرباء والمياه والإنترنت والغاز.. يارب ارحمنا".
السيسي: لا مفر من أن نتألم ونقاسي!
رغم المشروعات الكبيرة التي تنفذها الحكومة وتعافي معدلات النمو الاقتصادي، لا يشعر المصريون بتحسن أحوالهم المعيشية حتى الآن، بل يرونها تزداد صعوبة مع كل زيادة تطبقها الحكومة في أسعار السلع أو الخدمات.
وبنبرة غضب شديدة قال محمد عبد ربه وهو في العقد الرابع من عمره "أصرف أكثر من 40 بالمئة من دخلي في المواصلات.. أنا أصلاً غير قادر على العيش أنا وزوجتي وابنتي من غير مساعدة أهلي بعد زيادة المرة الماضية.. حسبي الله ونعمة الوكيل، زوجتي على وشك ولادة طفل آخر ماذا أفعل؟"
كان سوء الأوضاع الاقتصادية من بين الأسباب التي أدت للإطاحة برئيسين مصريين في أقل من ثلاث سنوات قبل أن يصل السيسي، القائد العسكري السابق، لسدة الحكم متعهداً بتحسن سريع في أحوال المصريين.
ولاحظ مراسل لرويترز انتشار عدد من أفراد الشرطة وسياراتها داخل محطات وقود في القاهرة والقليوبية.
كان السيسي قال خلال حفل إفطار الأسرة المصرية الأسبوع الماضي إنه لا مفر من أن "نتألم ونقاسي" لبناء مصر كدولة وهي رسالة متكررة في خطاباته الأخيرة.
لكن محمد شمس العامل بمحافظة كفر الشيخ لم يبد مقتنعاً حيث تساءل بينما كان يجلس على قارعة الطريقة "هي الزيادات بلا نهاية؟ ألم يقل (السيسي) سنتين في المرة الأولى وتحسوا بتحسن.. أنا عندي أربعة أولاد ويوميتي 100 جنيه لا تكفي الطعام الأساسي ولو اعترضت فمصيري القبض علي".