أقر الرئيس الأميركي دونالد ترمب بنجاح القمة التاريخية التي جمعته الثلاثاء 12 يونيو/حزيران 2018 بالرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون، وخرج ترمب بقناعة أن جونغ أون ملتزم بإخلاء شبه الجزيرة الكورية من السلاح النووي، غير أنه رغم تعليقات الرئيس الأميركي المطمئنة إلا أن واقع الحال في وزارة الداخلية "البنتاغون" يؤكد عكس ذلك.
وفي مقال لصحيفة Washington Post الأميركية نشرته الأربعاء 13 يونيو/حزيران 2018، فقد أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب يوم أمس الأربعاء أنَّ كوريا الشمالية لم تعد تُشكِّل تهديداً نووياً بعد محادثاته مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، لكنَّ، تضيف الصحيفة، فإن وزارة الدفاع الأميركية تنفق مليارات الدولارات استعداداً للمواجهة.
وأوضحت الصحيفة الأميركية أنه على مرِّ سنوات، كان بعض القادة في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) في عهد إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما وإدارة ترمب يشيرون إلى أنَّ طموحات كوريا الشمالية النووية تُعَد من أهم التهديدات التي تواجه الولايات المتحدة، وسعوا لإيجاد سُبُلٍ لتعزيز قدرة الجيش الأميركي على التصدي لها.
كوريا الشمالية قادرة على ضرب عمق الولايات المتحدة
وحسب الصحيفة فإن كوريا الشمالية أجرت ست تجارب نووية -بما في ذلك التجربة الأخيرة التي أُجريت في العام الماضي 2017، والتي يشتبه مسؤولون أميركيون في أنَّها تضمَّنت قنبلةً هيدروجينية- بالإضافة إلى إجراء عدة تجارب إطلاق صواريخ باليستية عابرة للقارات. ووفقاً لمعظم الآراء، تُعَد كوريا الشمالية قريبةً من إثبات قدرتها على ضرب عمق الولايات المتحدة برأسٍ حربي نووي مُثبَّت فوق أحد تلك الصواريخ.
وسبق أن أعلنت إدارة ترمب عن إستراتيجية لمواجهة خطر الأسلحة النووية في شهر فبراير/شباط الماضي وَرَدَ في نصِّها: "لقد سرَّعت كوريا الشمالية سعيها الاستفزازي لامتلاك أسلحة نووية وقدرات صاروخية، وهددت صراحةً باستخدام الأسلحة النووية ضد الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة. ويصر المسؤولون الكوريون الشماليون على عدم التخلِّي عن الأسلحة النووية، وربما تكون كوريا الشمالية الآن على بُعد أشهر فقط من امتلاك القدرة على ضرب الولايات المتحدة بصواريخ باليستية مسلحة نووياً".
بينما ذكر تقييم التهديدات العالمية الذي أصدره مجتمع وكالات الاستخبارات الأميركية في الشهر نفسه أنَّ كوريا الشمالية ستكون "من بين أبرز التهديدات (المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل) غير القابلة للتنبؤ التي تواجه الولايات المتحدة وأكثرها قدرةً على إشعال مواجهة".
مليارات الدولارات لمواجهة تهديدات كوريا الصاروخية
وتتضمن ميزانية البنتاغون التي تبلغ قيمتها 700 مليار دولار عدداً من البرامج التي تهدف إلى مواجهة تهديدات الصواريخ الكورية الشمالية القادرة على حمل رؤوس نووية وضرب عمق الولايات المتحدة أو حلفائها.
فعلى سبيل المثال، تعزز إدارة ترمب قدرات الدفاع الصاروخي للجيش بمليارات الدولارات في تمويلٍ جديد يأتي في الأساس بسبب التهديد المتوسع الصادر من كوريا الشمالية.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي 2017، قدَّم ترمب طلباً عاجلاً بالحصول على 4 مليارات دولار إضافية من الكونغرس لتمويل "جهودٍ للكشف عن أي استخدام للصواريخ الباليستية ضد الولايات المتحدة أو قواتها المنتشرة أو حلفائها أو شركائها وردعه وصده". وفي النهاية، خصَّص الكونغرس نحو 11.5 مليار دولار لوكالة الدفاع الصاروخي في السنة المالية، وهو أكبر مبلغٌ مسجّل لهذا الغرض على الإطلاق، مع مراعاة الفروق الناتجة عن معدلات التضخم.
وذكر طلب البيت الأبيض آنذاك أنَّ الأموال الإضافية ستذهب جزئياً إلى بناء أجهزة اعتراض أرضية في ولاية ألاسكا الأميركية بهدف إسقاط صواريخ كوريا الشمالية. وقال الطلب أيضاً إنَّ الأموال ستعزز قدرات الرادار والكشف عن الصواريخ والإمكانات الاستخباراتية وستساعد في إنتاج صواريخ مضادة جديدة من طراز SM-3 لاستخدامها في منظومة ثاد الدفاعية، مستشهداً بالتهديد الكوري الشمالي.
ويركز البنتاغون أيضاً جزئياً على تعزيز قدرة الجيش الأميركي على ضرب صواريخ كوريا الشمالية قبل انطلاقها، وهي إستراتيجيةٌ معروفة في اللغة العسكرية بأنها "هزيمة الصواريخ" أو "الضرب قبل الإطلاق".
ومن المُرجَّح أن تُفصِّل سياسة الدفاع الصاروخي الجديدة لإدارة ترمب -التي كان من المفترض أن تُعلن في وقتٍ سابق من العام الجاري لكنَّها تأجلت لأشهر- التقنيات التي يأمل الجيش في امتلاكها لمواجهة تهديدات الصواريخ النووية الكورية الشمالية.
لم تعد تشكل تهديداً نووياً لكن ماذا عن التهديد الصاروخي؟
وصحيحٌ أنَّ ترمب قال إنَّ كوريا الشمالية "لم تعد" تشكل تهديداً نووياً، لكنَّه لم يقل إنَّها لم تعد تشكل تهديداً صاروخياً. إذ تُركِّز أنظمة الدفاع الصاروخي التي تُعززها إدارته على الصواريخ بغض النظر عمَّا إذا كانت تحمل رؤوساً حربية نووية أو تقليدية.
لكنَّ الإلحاح الذي سعى به البنتاغون لتعزيز ميزانية الدفاع الصاروخي ينبع إلى حدٍ كبير من إمكانية وصول أحد الصواريخ الكورية الشمالية إلى السواحل الأميركية برأسٍ حربي نووي مُثبَّت به.
وتسمح نسختا مشروع قانون سياسة الدفاع السنوية اللتان قُدِّمتا في مجلسي الشيوخ والنواب الأميركيين تماماً بمنح إدارة ترمب مبلغ الـ9.9 مليار دولار الذي طلبته لوكالة الدفاع الصاروخي في السنة المالية المُقبلة. ومُرِّر مشروع القانون في مجلس النواب، لكنَّه لا يزال قيد النظر في مجلس الشيوخ.
واستشهدت وكالة الدفاع الصاروخي في موجز طلب التمويل الذي قدَّمته تحديداً بالتهديد الكوري الشمالي كدافعٍ من الدوافع.
وكتبت الوكالة في الطلب: "جميع خصومنا تقريباً مهتمون بالدفاعات الصاروخية الأميركية ويبتكرون وسائل مختلفة من أجل تعقيد عمليات الدفاع الصاروخي. وكوريا الشمالية مُصرةٌ على تطوير صاروخ طويل المدى مُسلَّح نووياً قادر على توجيه تهديد مباشر إلى الولايات المتحدة".