قد يجد حتى أعلم الخبراء صعوبةً بالغة في فهم اجتماع القمة، الذي عُقِدَ بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون.
إذ شهد الاجتماع لمحاتٍ تبدو مسرحية، وتفاوتت التوقُّعات كثيراً؛ إذ وعد ترمب بإبرام صفقة القرن، بينما خشي الكثير من المُحلِّلين تفجُّر الأوضاع سوءاً، كما حدث في قمة مجموعة السبع التي عُقِدت في كندا الأسبوع الماضي.
وقد تُصعِّب عادة ترمب، المُتَمَثِّلة في الإدلاء بتصريحاتٍ خادعة، إلى جانب سجلِّه في خرق الأعراف، من تحليل ماهية نتائج القمة المهمة والنتائج غير المهمة، وماهية النتائج التي تُقرِّب ترمب وكيم إلى أهدافهما النسبية، والنتائج التي تُبعِدهما عنها.
صحيفة The New York Times الأميركية لخصت في 10 نقاط ماذا دار في القمة وسبب أهميتها:
ما حدث وما لم يحدث
1- تُقلِّل أيُّ محادثاتٍ تقريباً بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية -حين تكون هذه المحادثات مستمرة- بدرجةٍ كبيرة من خطر الانزلاق العرضي غير المقصود إلى حربٍ قد تقتل الملايين.
إذ تُغيِّر بادرة التحدُّث البسيطة السلوكيات والتصوُّرات الأميركية والكورية الشمالية بطُرُقٍ تُقلِّل احتمالية اندلاع الصراع، وهذه نقطةٌ مهمة.
وهو المعنى الذي أكد عليه الرئيس الأميركي، إذ أشاد بالقمة، معلناً أن بيونغ يانغ لم تعد تشكل تهديداً نووياً.
وأضاف "قبل أن أتولَّى السلطة افترض الناس أننا ذاهبون نحو حرب مع كوريا الشمالية. قال الرئيس (السابق باراك) أوباما، إن كوريا الشمالية كانت مشكلتنا الكبرى والأكثر خطورة. ليس بعد الآن، ناموا جيداً الليلة!".
2- يحتوي البيان المشترك الذي وقَّعه ترمب وكيم على بديهياتٍ دبلوماسية مُهذَّبة، لكنَّه فارغٌ إلى حدٍّ كبير. ويُعَد هذه النوع من البيانات وسيلةً شائعة ذات ضغطٍ منخفض بين الخصوم، لإبقاء المحادثات مستمرة. إذ لا يَحل أيَّ قضايا، لكنَّه يُبقي المحادثات بين البلدين.
3- قدَّم ترمب في وقتٍ لاحق تنازلاً ذا أهميةٍ حقيقةٍ، ولكن من السهل المُبالغة فيه، ألا وهو أنَّ الولايات المتحدة ستُعلِّق مناوراتها العسكرية المشتركة مع كوريا الجنوبية. وكان ترمب يحاول بذلك وضع سياسةٍ وصفها مُحلِّلون بـ"التعليق مقابل التعليق"، تقتضي أن تُجمِّد الولايات المتحدة مناوراتها، مقابل أن تُجمِّد كوريا الشمالية تجارب الأسلحة. ويهدف ذلك إلى الحدِّ من التوتُّر وخلق مجالٍ لمزيدٍ من التنازلات القيِّمة.
4- ثمة مؤشرٌ على تداعيات هذه السياسة المعتدلة من ناحيةٍ أخرى، إذ أعرب مسؤولون كوريون جنوبين عن دهشتهم إزاء وعود ترمب بتعليق المناورات العسكرية المشتركة، ما يُشير إلى أنَّ ترمب قدَّم هذا التنازل نيابةً عن كوريا الجنوبية دون موافقتها أو إخبارها سلفاً. ومن المحتمل أن تتغاضى القيادة الكورية الجنوبية عن كرامتها وتتقبل ذلك، لكنَّ خرق ترمب هذا التحالف علناً يبعث برسالةٍ مفادها أنَّ كوريا الجنوبية لا يمكنها الاعتماد دائماً على الولايات المتحدة. ويمنح كوريا الشمالية كذلك فرصةً مثيرة لتوسيع أي انقسامٍ بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية.
المسرح المهم
5- نظَّمت الولايات المتحدة اجتماع القمة بطريقةٍ أعطت كيم بعض التنازلات الرمزية، لكنَّها مهمة. فبناءً على طلب كوريا الشمالية، قُدِّمت الدولتان وقائداهما على أنَّهما في مكانةٍ متساوية، ما يرفع قدر كيم من شخصٍ منبوذٍ عالمياً إلى نظيرٍ لرئيس إحدى القوى العظمى. وشهد الاجتماع أُبَّهةً ومراسم احتفالية بدرجةٍ تضاهي حفل زفافٍ ملكي. ولأنَّ شرعية كيم من بين أكبر نقاط ضعفه في وطنه وخارجه، كان تنظيم الاجتماع بهذه الطريقة هديةً كبيرة له.
6- كلَّفت هذه التنازلات الولايات المتحدة القليل؛ ومع ذلك، لا يمكن تقديمها سوى مرة واحدة، فضلاً عن أنَّ الولايات المتحدة حصلت على مقابلٍ ضئيل نسبياً من كوريا الشمالية. ويعتبر الكثير من المحللين أنَّ هذه فرصةً ضائعة لاستخلاص تنازلاتٍ أقيم من كوريا الشمالية، مثل نزع السلاح جزئياً أو السماح بإجراء عمليات تفتيشٍ على الأسلحة النووية.
7- يبعث الاجتماع برسائل مهمة إلى بعض الدول الخصمة الأخرى. إذ يبدو أنَّ كيم أجبر ترمب على الجلوس إلى الطاولة عن طريق تطوير أسلحة نووية وصواريخ يمكن أن تصل إلى الولايات المتحدة. حتى إنَّ سِجِل كيم في مجال حقوق الإنسان -الذي يُعَد من أسوأ السجلات الحقوقية في العالم- لم يبدُ مشكلةً، لدرجة أنَّ ترمب أشار إلى أنَّ كوريا الشمالية يمكن أن تصبح وجهةً سياحية رئيسية، وذلك بعد نحو عام واحد من وفاة السائح الأميركي أوتو وارمبير، بسبب ما بدا أنَّه تعرُّضٌ للتعذيب في أثناء احتجازه في كوريا الشمالية.
الصورة الأكبر
8- إذا كان الهدف من الاجتماع هو تقريب العالم بوضوحٍ من حل أزمة كوريا الشمالية، فإنَّ ذلك لم يحدث. إذ لم تتخذ كوريا الشمالية أي خطواتٍ -ولو حتى شفهياً- نحو نزع السلاح. ولم تُحدِث الولايات المتحدة كذلك أي تغييراتٍ ملموسة وطويلة الأجل؛ إذ يمكن التراجع عن قرار تجميد المناورات العسكرية بسهولة. لذا كان الاجتماع بعيداً كل البعد عن تحقيق وعود ترمب العظيمة، بإخلاء كوريا الشمالية من الأسلحة النووية. لكنَّه تجنَّب كذلك مخاوف المحللين من أن يسحب ترمب القوات الأميركية من كوريا الجنوبية، أو ينفجر غضباً في وجه كيم.
9- قد تؤدي بعض إجراءات السياسة الخارجية التي اتخذها ترمب في أماكن أخرى إلى الحد ممَّا يمكن أن يحققه مع كوريا الشمالية؛ فبانسحابه من الاتفاق النووي الإيراني على الرغم من الدلالة المستمرة على الالتزام الإيراني، وبنكث الاتفاقات حتى مع بعض حلفاء أميركا منذ زمنٍ طويل، عمَّقت الولايات المتحدة الشك في عدم إمكانية الوثوق بها في إبرام اتفاقات لتحديد الأسلحة. لذا لا تتوقعوا أن تُسفر المحادثات عن الكثير من النتائج التي يمكن التحقُّق منها.
10- ومع ذلك، يجدر التأكيد على النقطة الأولى: أي محادثات تقريباً -حتى إذا رفعت قدر كيم ومنحته تنازلاتٍ نظير مقابل ضئيل- تُقلِّل من مخاطر اندلاع حرب إلى حدٍّ كبير. بيد أنَّ هذا التأثير مرهونٌ باستمرار المحادثات، لذا فمن شبه المؤكد أنَّه مؤقت. ولكن كما قال ترمب في المؤتمر الصحفي المشترك الذي عُقِد يوم أمس الثلاثاء، 12 يونيو/حزيران: "إذا كان عليَّ أن أقول إنني أجلس على منصةٍ مع الرئيس كيم، وإنَّ ذلك سيجعلنا ننقذ حياة 30 مليون شخص، وربما أكثر، فأنا مستعدٌ للجلوس على المنصة، والسفر إلى سنغافورة بكل سرور".