تنزلق الولايات المتحدة وكندا، مدعومتين من الاتحاد الأوروبي بقوة، إلى أزمة دبلوماسية وتجارية على خلفية قمع السبع، إذ هاجم مستشارون كبار في البيت الأبيض رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، بعد يوم من وصف الرئيس الأميركي دونالد ترمب له بأنه "مخادع للغاية وضعيف".
ودخلت ألمانيا وفرنسا دائرة الخلاف، وانتقدتا بشدة قرار ترمب بالتراجع المفاجئ عن تأييده للبيان الختامي لمجموعة السبع، الذي جرت صياغته في قمة عُقدت في كندا، السبت 9 يونيو/حزيران، واتَّهمتا الرئيس الأميركي بهدم الثقة وتبني مواقف متناقضة.
وردَّت وزيرة الخارجية الكندية كريستيا فريلاند على هجوم البيت الأبيض بقولها، إن الهجوم الشخصي لن يفيد، وإن كندا سترد على الرسوم الجمركية الأميركية بطريقة محسوبة جيداً، وعلى أساس المعاملة بالمثل، مضيفة أن بلادها ستكون دوماً مستعدة للحوار.
وقالت فريلاند للصحفيين في مدينة كيبيك، الأحد "لا تمارس كندا دبلوماسيتها من خلال تبادل الانتقادات الشخصية… وحين يأتي (الهجوم) من حليف مقرب نترفع بصفة خاصة عن مثل هذه الإهانات الشخصية".
"الجحيم ينتظر من يتعامل بسوء نية مع ترمب"
واتهم المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض لاري كودلو، رئيسَ وزراء كندا بخداع ترمب، عبر إدلائه ببيانات "مثيرة للاستقطاب"، بخصوص سياسة الولايات المتحدة التجارية، مشيراً إلى أن مثل هذه التصريحات ربما تُظهر ترمب ضعيفاً، عشية قمته التاريخية مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون.
وبعد ساعات من سحب ترمب تأييده للبيان المشترك ومهاجمته ترودو، شنَّ كودلو والمستشار التجاري بيتر نافارو هجوماً غير معتاد في وسائل الإعلام الأميركية على حليف مقرب وجار للولايات المتحدة.
وقال كودلو، مدير المجلس الاقتصادي الوطني الذي رافق ترمب في قمة الدول الغنية السبت، في برنامج (حالة الاتحاد) الذي تبثه شبكة (سي.إن.إن) "لا شك أنه (ترودو) طعننا في الظهر".
وقال نافارو لبرنامج (فوكس نيوز صنداي) "هناك مكان خاص في الجحيم لأي زعيم يتبنى دبلوماسية سوء النية في تعامله مع الرئيس دونالد جيه. ترمب… بل ويحاول بعد ذلك طعنه في الظهر، وهذا ما فعله سيئ النية جاستن ترودو بهذا المؤتمر الصحفي الصادم. هذا ما فعله جاستن ترودو الضعيف المخادع".
ولم يردّ ترودو، الذي توجَّه لمدينة كيبيك لإجراء اجتماعات ثنائية مع زعماء من خارج مجموعة السبع بعد القمة، على أسئلة الصحفيين لدى وصوله، لكن مكتبه أشار إلى فريلاند باعتبارها الوزيرة المسؤولة عن العلاقات بين كندا والولايات المتحدة.
ترمب سحب دعمه لبيان القمة
وحين أعلن ترمب على تويتر سحب دعمه لبيان مجموعة السبع الذي جرى التوصل إليه أمس السبت، قال مكتب رئيس الوزراء إن ترودو لم يقل شيئاً في مؤتمره الصحفي الذي عقده في ختام القمة لم يذكره لترمب من قبل.
ويتجه نحو 75% من الصادرات الكندية إلى الولايات المتحدة، ما يعرض كندا لمخاطر استثنائية إذا اندلعت حرب تجارية مع الولايات المتحدة.
وبعد مغادرة ترمب لقمة مجموعة السبع في كندا قبل انتهائها، تسبب إعلانه على تويتر الانسحاب من البيان الختامي في نسف ما بدا أنه توافق هش، بخصوص الخلاف التجاري بين واشنطن وكبار حلفائها.
وذكر ترمب أيضاً أنه قد يزيد الرسوم على الواردات الجمركية باستهداف قطاع السيارات الحساس، مما يعرقل جهود مجموعة السبع الرامية للظهور في صورة الجبهة الموحدة.
"سنردُّ على أميركا"
واعتبرت المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل، الأحد، أن إعلان دونالد ترمب في تغريدة التراجع عن تأييده للبيان الختامي لقمة مجموعة السبع، كان أمراً "مُحبِطاً إلى حد ما".
وقالت ميركل في مقابلة مع قناة "أيه آر دي" التلفزيونية العامة "هذا قاس، هذا مخيب للآمال هذه المرة"، وأشارت إلى أن أوروبا ستتخذ إجراءات مضادة، رداً على الرسوم الأميركية على واردات الصلب والألومنيوم.
وذكرت أن القمة لا تمثل نهاية للشراكة عبر الأطلسي بين أوروبا والولايات المتحدة. غير أنها أكدت مجدداً أن أوروبا ربما لن تظل تعتمد على حليفتها، وعليها أن تملك ناصية أمرها.
وأضافت أن الاتحاد الأوروبي يستعد مثل كندا لاتخاذ إجراءات مضادة، رداً على الرسوم الأميركية على واردات الصلب والألومنيوم، بما يتماشى مع قواعد منظمة التجارة العالمية.
من جهته، وزير الخارجية الألماني هايكو ماس قال حين سئل عن التغير المفاجئ في موقف ترمب "في غضون ثوان، يمكنك هدم الثقة من خلال 280 حرفاً على تويتر"، مضيفاً أن الأمر سيستغرق وقتاً أطول بكثير لإعادة بناء الثقة المفقودة.
وقال مسؤول بالرئاسة الفرنسية، إن بلاده تدعم البيان الختامي لمجموعة السبع. وأضاف طالباً عدم نشر اسمه "لا يمكن أن يتوقف التعاون الدولي على شعور بالغضب أو مقاطع صوتية. لنكن جادين".
وأثار ترمب غضب الاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك بفرض رسوم على واردات الصلب والألومنيوم.
واعتبر مسؤول كبير بمجموعة السبع تعليقاً على نتيجة القمة "هذا مثار قلق كبير لمجموعة السبع. لا أدري إلى أين سنذهب. من المستحيل التنبؤ بما سيفعله ترمب في الخطوة التالية".
وتحدث ترودو في مؤتمره الصحفي عن إجراءات ستتخذها كندا الشهر المقبل، رداً على قرار ترمب فرض رسوم على واردات الصلب والألومنيوم.
انتقادات من الداخل للرئيس الأميركي
كما انتقد سياسيون أميركيون، تصريحات الرئيس دونالد ترمب ومواقفه، إزاء حلفاء الولايات المتحدة بعد قمة مجموعة الدول السبع.
وجاء ذلك في سلسلة تغريدات لمسؤولين وسياسيين في الحزبين الديمقراطي والجمهوري (ينتمي إليه ترمب)، معتبرين أن مواقفه تؤثر سلباً على علاقات واشنطن مع أقرب حلفائها.
وانتقد السيناتور الجمهوري جون ماكين، في تغريدة عبر حسابه في "تويتر"، مواقف ترمب، قائلاً: "إلى حلفائنا، تظل أغلبية الأميركيين من الحزبين الرئيسيين مؤيدة للتجارة الحرة، وللعولمة والتحالفات القائمة منذ 70 سنة".
وخاطب ماكين حلفاء بلاده بالقول: "الأميركيون يقفون معكم حتى لو لم يفعل الرئيس".
وقال مدير وكالة الاستخبارات الأميركية في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، جون بيرنان، مخاطباً ترمب "سياساتك الحمائية الخاطئة والممارسات الغريبة تدمر مكانتنا العالمية ومصالحنا الوطنية".
وتابع بيرنان في تغريدة عبر "تويتر": "نظرتك للعالم لا تمثل المُثُل الأميركية". وخاطب حلفاء بلاده: "كونوا صبورين، السيد ترمب هو انحراف مؤقت، وأميركا التي تعرفونها ستعود".
أما مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق، جيمس كومي، فكتب في تغريدة له: "علاقة أمننا القومي مع كندا مهمة، وتنقذ حياة الأميركيين".
وانتقدت عضوة لجنة العدل في مجلس الشيوخ، ديان فينستاين، هي الأخرى قرارات ترمب، وقالت إن "تصريحاته الأخيرة لا تستهدف رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو فقط، وإنما كندا وحلفاء الولايات المتحدة".
ووصفت فينستاين في حوار أجرته مع قناة "سي إن إن"، الأحد 10 يونيو/حزيران، مواقفه بأنها "خطيرة ولا تخدم المصالح الأميركية". وأضافت: "علينا أن ندعم حلفاءنا الديمقراطيين، لا أن ندير ظهرنا لهم". وأبدت المتحدثة ذاتها، رفضها لدعوة ترمب بعودة روسيا إلى مجموعة الدول الصناعية.