قررت السعودية والإمارات والكويت تقديم مساعدات بقيمة 2.5 مليار دولار، للمملكة الأردنية، على 5 سنوات، لمواجهة الأزمة الاقتصادية والسياسية الحادة التي تواجهها، بحسب ما أعلنت وكالة الأنباء السعودية، الإثنين 11 يونيو/حزيران 2018، بالرغم من مضي نحو أسبوعين على انطلاق الاحتجاجات الشعبية في الأردن ضد السياسات الحكومية التقشفية.
وجاء في بيان نشرته الوكالة، أنه "انطلاقاً من الروابط الأخوية الوثيقة بين الدول الأربع (…) تم الاتفاق على قيام الدول الثلاث بتقديم حزمة من المساعدات الاقتصادية للأردن، يصل إجمالي مبالغها إلى مليارين وخمسمائة مليون دولار أميركي".
وأوضح البيان أن هذا المبلغ سيكون على شكل "وديعة في البنك المركزي الأردني، وضمانات للبنك الدولي لمصلحة الأردن، ودعم سنوي لميزانية الحكومة لمدة خمس سنوات، وتمويل من صناديق التنمية لمشاريع إنمائية".
وعقدت الدول الثلاث قمة في مكة المكرمة، مساء أمس الأحد 10 يونيو/حزيران، بدعوة من العاهل السعودي الملك سلمان، وبحضور نظيره الأردني، الملك عبد الله الثاني.
لماذا الآن؟
يقول دبلوماسيون غربيون إن الاحتجاجات أقلقت الدول الخليجية المحافظة التي تخشى من تداعيات على أمنها، جراء عدم الاستقرار في الأردن، الحليف القوي للولايات المتحدة، الذي يدعم منذ فترة طويلة مواقفها في السياسة الخارجية.
ويضيف مسؤولون إن الأزمة الاقتصادية تفاقمت مع انتهاء المعونة الخليجية وقلة الأموال الإضافية التي قدَّها مانحون غربيون في السنوات القليلة الماضية، للتكيف مع أعباء آلاف اللاجئين السوريين الذين تستضيفهم المملكة.
وأشاروا أن الأزمة السورية تعني أيضاً عدم قدرة الأردن على جذب فرص أعمال وتدفقات استثمارات أجنبية.
وأظهرت أرقام من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، أن الدور الرئيسي الذي يلعبه الأردن في حماية الاستقرار الجيوسياسي بالشرق الأوسط يجعله بالفعل أحد أكثر البلدان تلقياً للمعونة الأجنبية، من حيث نصيب الفرد في العالم.
وعلقت لوري بوغهارت، الباحثة في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى لوكالة فرانس برس، بأن "الاستجابة التي تقوم بها دول الخليج دليل واضح على قلقهم، وعزمهم القضاء على الاضطرابات في الأردن من جذورها".
وأضافت: "سيقومون بكل ما بوسعهم لإفشال ربيع عربي آخر على عتبة أبوابهم".
وقرأت عدة صحف عربية التوجه الخليجي لدعم عمّان في السياق ذاته، وتحت عنوان "لماذا نساعد الأردن"، يقول خالد السليمان في "عكاظ" السعودية: "مساعدة الأردن تخدم المصالح الاستراتيجية السياسية والأمنية والاقتصادية للسعودية ودول الخليج في تأمين استقرار المنطقة ومنع الانزلاق نحو المزيد من الاضطرابات المدمرة، وتعزيز القدرات على مواجهة المشروع الإيراني الذي يستهدفها".
بدوره، يقول عمر العياصرة في "السبيل" الأردنية: "استقرارُ الأردن هامٌ جداً لدولِ الخليج، تلك معادلةٌ لا يمكنُ الشك فيها، أو الاستغناء عنها، بالتالي يبدو أن العواصمَ الخليجية شعرتْ بصعوبةِ الموقفِ الأردني وأدركتْ أن تركَه وحيداً مع أزمتِه لن يفيدَ أمنَهم الحيوي".
وقد أبدى الملك الأردني عبد الله الثاني "شكره وتقديره لخادم الحرمين الشريفين على مبادرته (…) ولدولتي الكويت والإمارات العربية المتحدة على تجاوبهما مع هذه الدعوة، وامتنانه الكبير للدول الثلاث على تقديم هذه الحزمة من المساعدات التي ستسهم في تجاوز الأردن لهذه الأزمة"، بحسب وكالة الأنباء السعودية.
وكان العاهل السعودي الملك دعا، قبل أيام، إلى عقد اجتماع في مكة المكرمة لبحث الأزمة الاقتصادية في الأردن.
مساعدات أوروبية عاجلة
من جهته، أعلن الاتحاد الأوروبي، الأحد، عن تقديم 20 مليون يورو، إضافية للأردن هذا العام لدعم الأمان الاجتماعي في هذا البلد، الذي شهد مؤخراً احتجاجات شعبية ضد ارتفاع الأسعار والضرائب.
وقالت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغريني، خلال مؤتمر صحفي في عمان "ستجدون الاتحاد الأوروبي دائماً إلى جانبكم، يقدم الدعم الكامل لجهود الإصلاح".
وأضافت "تشرفت اليوم (الأحد) ضمن هذا الإطار بتوقيع اتفاقية مالية قيمتها 20 مليون يورو، تتعلق خصوصاً باحتياجات الأردنيين الأكثر حاجة، أي أنه مشروع أمان اجتماعي يمول من قبلنا بـ20 مليون يورو".
وأوضحت موغريني أن "الأردن يلعب دوراً حيوياً في المنطقة بحكمة وبتوازن فريدين، دوراً نقدره عالياً ونود دعمه بكل السبل المتاحة بما فيها الاقتصادية والمالية".
وأوضحت أن الاتحاد الأوروبي يعمل مع الأردن على مشاريع في مختلف المجالات، تبلغ قيمتها للأعوام 2016 و2017 و2018 مليار يورو، في مجال المياه والطاقة والمساعدة الإنسانية، على الأخص اللاجئين السوريين والمجتمع المضيف".
وأدت الاحتجاجات في الأردن إلى استقالة حكومة هاني الملقي، وتكليف عمر الرزاز تشكيل حكومة جديدة. وتعهد رئيس الوزراء الجديد بسحب مشروع قانون ضريبة الدخل، ما أدى إلى نزع فتيل الأزمة.
تضييق للخناق؟
ويُعتقد الأردن أنه يواجه ضغوطاً اقتصادية للتأثير عليه في قضايا إقليمية، ففي فبراير/شباط 2017، تحدث الملك عبد الله عن تلك الضغوط الممارسة ضد بلاده، بسبب موقفها السياسي من قضية القدس، قائلاً إنها تلقت رسائل في هذا الصدد، تعِدها بتعديل الوضع في حال سارت بما هو مطروح دولياً بخصوص وضع المدينة، مضيفاً أن بلاده قد لا تمتلك الكثير من الإمكانيات، ولكنها "أكبر من حدودها".
لا أحد يعرف بدقة، ما هو "مطروح دولياً" بشأن القدس في صفقة التسوية النهائية بالشرق الأوسط، وخصوصاً ما هو نصيب القدس من صفقة القرن. غير أن صحيفةمعاريف الإسرائيلية تحدثت عن عرض أميركي بتخلي إسرائيل عن 4 أحياء في القدس الشرقية المحتلة؛ شعفاط وجبل المكبر والعيساوية وأبو ديس، ونقلها إلى السلطة الفلسطينية، وفصلها عن القدس، التي تبقى عاصمة لإسرائيل.
وبعيداً عن الموقف السياسي والارتباط الجوهري بين عمّان والقدس، والعائلة الهاشمية وثاني الحرمين، يبدو الحديث عن "ضغوط اقتصادية" بسبب الخلاف في الرأي، مثيراً للتساؤل، فالملك الأردني لا يشير إلى الجهة التي تعاقب الأردن، وهل هي الولايات المتحدة أم أطراف هنا في المنطقة.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2017، قال رئيس الوزراء المستقيل، هاني الملقي أمام ممثلي القطاع التجاري في غرفة تجارة عمان، "ما عاد حد يعطينا فلوس.. يجب أن نعتمد على أنفسنا ونحن الأقدر على ذلك".
ومن بين التوقعات لاقتصاد الأردن في العام 2018، غياب وجود مساعدات خليجية، مع تراجع أسعار النفط وانشغالاتها المحلية والإقليمية المكلفة.
ورغم أن الولايات المتحدة هي من كبرى الدول المانحة للأردن، بمساعدات تتجاوز مليار دولار سنوياً؛ – حصل الأردن العام الماضي (2017) على 1.21 مليار – لكن دول الخليج مجتمعةً تقدم الإسهام الأكبر من المساعدات الخارجية.
وأظهرت إحصائية نشرتها وزارة التخطيط والتعاون الدولي الأردنية، انخفاض حجم المساعدات السعودية من 474 مليون دولار في 2015 إلى 165 مليون دولار فقط في 2017.
وعاش الأردن في الأسبوع الماضي على وقع احتجاجات واسعة رفضاً لمشروع قانون الضريبة، وجاءت تلك الاحتجاجات وسط حديث عن استمرار العمل لتحقيق صفقة القرن بخصوص مدينة القدس، والتي تتخذ الأردن موقفاً مغايراً في هذه القضية لأميركا وحلفائها، فهل تقبل عمّان بالصفقة المعروضة وتترك وصاية الأقصى للرياض وأبوظبي؟ ما هي الخيارات المتاحة أمام الملك الأردني الآن؟
وعلى الرغم من تعهد الرزاز بسحب مشروع الضريبة، إلا أن اقتصاد الأردن سيبقى يواجه أزمة لهذه الأسباب.
وسيكون الرزاز أمام تحديات كبيرة في المهمة الحساسة التي يتولاها في وقت أصبح فيه الشارع الأردني على استعداد للاشتعال مجدداً رداً على أوضاعه الاقتصادية، ولذلك فإن الرئيس الجديد للحكومة لكي يحقق الإصلاح، سيجد نفسه في مواجهة 3 جهات، وللتعرف عليها وعلى أبرز تحديات الرزاز فإن هذا التحليل يقدم شرحاً وافياً.
نعم نجح الرزاز في نزع فتيل الأزمة الأردنية الطاحنة، لكن عليه مواجهة 3 جهات حتى يحقق الإصلاح