بالنسبة لكثيرٍ من الأميركيين، لا تُمثِّل القمة التي تجمع الرئيس الأميركي دونالد ترمب بنظيره كيم جونغ، رئيس كوريا الشمالية، المُخطَّط عقدها خلال الشهر الجاري، يونيو/حزيران، حدثاً سياسياً وحسب. بل هي أمرٌ شخصي كذلك.
هذا لأن هناك حوالي 300 ألف مواطن أميركي كوري الأصل لا يستطيعون تتبُّع تاريخ عائلاتهم في كوريا الشمالية، أو بالأحرى في النصف الشمالي من كوريا، بحسب تقرير نشرته صحيفة The Washington post الأميركية.
ويأمل بعضهم أن تسفر هذه القمة عن فترةٍ جديدة من العلاقات الدافئة بين البلدين والتي ستمهد الطريق أمام لمِّ الشمل الأسري، أو على الأقل معرفة ما حدث للإخوة والأخوات الذين طال فقدانهم.
نقل التقرير عن هيون-اوك سيو قولها: "أنا الآن كبيرةٌ في السن، وكنت أعاني من سرطان البنكرياس في العام الماضي. لذلك من الصعب أن أتخيَّل فكرة لقائهم". تعيش هيون، البالغة من العمر 87 عاماً، في دار للمُسنين في شيكاغو. لم ترَ أشقاءها الثلاثة الأصغر منها منذ اندلاع الحرب الكورية في عام 1950.
وأضافت: "لكن مجرد القدرة على معرفة إذا ما كانوا أحياءً قبل أن أموت ستكون صفقةً رابحة بالنسبة لي".
هي ليست شديدة التفاؤل، خاصةً بعد سماع خبر موت أخيها الأصغر بمرض السرطان منذ سنوات قليلة مضت. ولكنها لم تفقد الأمل كلياً.
لم الشمل
تفرَّقت الكثير من الأسر خلال الحرب الكورية، وتعمَّقَت الفرقة عندما انفصلت شبه الجزيرة تماماً في نهاية الصراع في عام 1953.
خلال الفترات الناعمة بين الكوريَّتَين، وافق الشمال في بعض الأحيان على السماح ببعض اللقاءات العائلية المُقتَضَبة، إذ يعبُر المواطنون من شمال كوريا الحدود إلى الجنوب لساعاتٍ معدودة. كنت ترى في مشاهد التجمُّعات لقاءً قصيراً يجمع ابناً بأمه أو أخاً بأخيه لم يلتقيا منذ 60 عاماً. كانت مشاهد تفطر القلب، تستعرض كمَّ الأسى الناجم عن هذه الفرقة التي كانت من المُفتَرَض أن تكون مؤقتة.
لكن الكوريين الأميركيين كانوا خارج مظلة هذه اللقاءات -أكثر من عشرين لقاء عائلياً- بين الكوريتين في عام 1985.
قبل أن تفرض حكومة ترمب قرار حظر السفر العام الماضي 2017، سمحت كوريا الشمالية لحوالي 200 أميركي بالسفر إلى كوريا للمِّ شملهم على أفراد أسرهم. كانت في الأغلب لقاءات قصيرة، هذا إن التقوا بالأساس. جرى هذا من خلال مجموعة داعمة للشمال، تُدعى المجلس التنسيقي الوطني الكوري الأميركي، وفق The Washington post.
وقع آخرون ضحية محتالين يعرضون عليهم ترتيب لقاءات لهم مع عائلاتهم على حدود الصين مع كوريا الشمالية.
العائلات الأميركية الكورية
الآن هناك مجموعةٌ من الشباب الكوريين الأميركيين تُدعى "عائلات مُشتَّتة – أميركا" تضغط على حكومة ترمب لطلب موافقة كوريا الشمالية ببعض لقاءاتِ لم الشمل بين جيل أجدادهم؛ بين أميركيين مثل هيون وأقاربها من كوريا الشمالية.
يقول بول لي من مجموعة "عائلات مشتتة – أميركا": "تُعد عائلاتنا الكورية الأميركية المُشتَّتة الخيط الإنساني الوحيد المتبقي بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية". وأضاف: "لكن الوقت ينفذ من يد هؤلاء العجائز والكثير منهم قريب جداً من نهايته".
وقالت The Washington post إن المجموعة أعدت قائمةً تضم 53 أميركياً -من بينهم هيون- يرغبون في المشاركة في برنامجٍ تجريبي للمِّ الشمل. وضمَّت أيضاً آخر التفاصيل المعروفة عن أفراد عائلاتهم في كوريا الشمالية.
رأت هيون شقيقتَيها الصغيرتَين للمرةِ الأخيرة في نهاية عام 1950. تتذكَّر يوماً مليئاً بالفوضى والقلق في قريتها الأم في مدينة تانشون، على الساحل الشرقي لكوريا الشمالية. كان الناس يتوافدون إلى مركز الشرطة. وكانت المستندات تُحرَق. ظنَّت أنها ستموت.
أرادت هيون -ذات العشرين عاماً آنذاك- النزوح خارج البلاد، برفقة أخوين آخرين كانت أعمارهما 14 و16 عاماً. لكن أمها لم ترحل، وبقيت لترعى أطفالها الثلاثة الصغار في المنزل. نجح الأخوة الأكبر في مبتغاهم، بينما استجدى الأربعة الآخرون -من بينهم الأم- شاحنةً تابعةً لجيش كوريا الجنوبية مُتجِّهةً لميناء هونغ نام في كوريا الشمالية، بمحاذاة الساحل.
ثم أصبحوا جزءاً مما حدث في إخلاء هونغ نام، كانوا على متن سفينةٍ تابعةٍ للأمم المتحدة تتجه جنوباً هرباً لكوريا الجنوبية، ما عُرِفَ في ما بعد باسم "معجزة عيد الميلاد المجيد". كان والدا رئيس كوريا الجنوبية -مون جاي إن- على متن هذه السفينة أيضاً.
ومنذ ذلك الحين، لم يتمكَّنوا من رؤية الأطفال الصغار مرةً أخرى. ولكن بعد عدة أعوام استطاعت هيون، التي توجهت إلى الولايات المتحدة في عام 1983، أن ترسل خطاباتٍ وأموالاً لشقيقتَيها عن طريق بعض الوسطاء على الحدود الصينية.
سمعت أن صن أوك، التي يُفتَرَض أن عمرها الآن 78 عاماً، أصبحت كاتبةً ولديها ابنٌ حقَّقَ نجاحاتٍ رياضية. تشونغ جا (76 عاماً الآن) كانت تعيش في بيونغ يانغ. لكن مو أونغ ذهب إلى الاتحاد السوفيتي حيث عمل حطَّاباً، ويُقال أنه مات هناك بمرض السرطان.
كانت الخطابات التي استلمتها هيون من شقيقتيها تعج بالثناء المُفرِط على نظام كيم، وحكاياتٍ عن مدى رغد العيش في كوريا الشمالية. أدركت أن الخطابات كانت تخضع للرقابة وتوقَّفَت عن إرسال حوالة الخمسمائة دولار المعتادة.
لم تيأس هيون، التي عملت لسنواتٍ في مغسلة، وزوجها، الذي هرب هو الآخر من شمال كوريا وتفرَّق عن إخوته، من الظفر بلقاءٍ يجمع شملهم بعائلاتهم. ظلوا في منزلهم ذي الثلاث طوابق في مدينة شيكاغو الأميركية لفترةٍ طويلة بعد رحيل أبنائهم عن المنزل، ليتركوا مساحة لأشقائهم. للاحتياط فقط.
منحت هيون المنزل لابنها بعد موت زوجها منذ سنواتٍ قليلة دون رؤية أشقائه. تتلاشى آمالها الآن في سماع أي أخبار عن أشقائها.
وتأمل شون كيم، التي تعيش في مدينة سان فرانسيسكو وتعمل في جامعة ستانفورد، في مساعدة جدتها (93 عاماً) في العودة لوطنها في مدينة هايجو، التي تقع على الحدود تماماً في ما يُعرَف الآن بكوريا الشمالية.
تقول شون التي شاركت في مسيرةٍ سلمية قرب الحدود في الشهر الماضي، مايو/أيَّار: "أخبرتها أن المباحاثات تسير على نحوٍ رائع، وأن كيم يونغ سيقابل ترمب". وأضافت: "تقول إنها ضعيفةٌ جداً ولكنها تتمنَّى لو تعود لمدينتها الأم قبل أن تموت".
اعتاد جد كيم الذهاب إلى مرصدٍ يطل على الحدود لينظر فقط عبر الحدود. لكنه، مثل زوج هيون، لم يتمكَّن من العودة قط.
تقول كيم: "كم يحزنني هذا الأمر. لا أعلم كم تبقى في عمر جدتي، وأحد أمانيها أن تتمكَّن من معرفة ما إذا كانت عائلتها على قيد الحياة، أن تتمكَّن من رؤية موطنها لمرةٍ أخيرة". وأضافت: "لذلك أنا أبذل كل ما بوسعي في هذا الصدد. حتى لو اضطررت لعبور الحدود بها على كرسي مُتحرِّك".