أسقط الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، الزيادات المرتقبة في تسعيرات بطاقات الهوية وجوازات السفر، من مشروع قانون المالية التكميلي 2018، والتي بادرت حكومة الوزير الأول، أحمد أويحيى، إلى اقتراحها، وخلفت غلياناً شعبياً.
وترك بوتفليقة، بقراره، أويحيى يواجه وحده الغضب العاصف للمواطنين، الذين يتهمونه باستهداف جيوبهم عبر فرض ضرائب وتسعيرات لا متناهية منذ عودته إلى قصر الحكومة صيف 2017.
تخلِّي الرئيس عن وزيره الأول ليس جديداً، ويتجاوز حدود الصلاحيات الممنوحة لكل منهما بموجب الدستور، ويعتبر المختصون في الجزائر الأمر مرتبطاً بإدارة لعبة الرئاسيات المقبلة سنة 2019، وحرب استنزاف حول "القبول الشعبي".
ليست المرة الأولى
وألغى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة خلال ترؤسه أشغال اجتماع مجلس الوزراء يوم 5 يونيو/حزيران 2018، كل الزيادات على الوثائق الرسمية البيومترية، التي اقترحتها الحكومة في نص مشروع قانون المالية التكميلي 2018.
ونصت البنود التي تقدَّم بها الوزير الأول أحمد أويحيى، على زيادات وصلت إلى غاية 400 دولار لاستخراج جواز السفر، ما كان سيجعله من بين الأغلى في العالم، مما خلف استهجاناً وسخطاً بين الجزائريين.
تدخُّل الرئيس الجزائري لإلغاء مبادرات وزيره الأول، لم يكن مفاجأة؛ لأنه دأب على المشي في اتجاه ترضية الشعب، بأغلب القضايا التي تُحرِّك الرأي العام؛ ففي 14 يناير/كانون الثاني 2018، وجهت رئاسة الجمهورية الجزائرية تعليمات للوزير الأول، تطالبه بوقف عملية خصخصة الشركات العمومية، والتي كان أحمد أويحيى يعمل على تنفيذيها في إطار اتفاق "ميثاق الشراكة بين القطاعين العمومي والخاص" الموقَّع بين الحكومة ومنظمات أرباب العمل والمركزية النقابية.
وجاء في التعليمات أن "فتح رأس مال الشركات العمومية أمام الخواص يخضع للموافقة المسبقة لرئيس الجمهورية"، وتزامن نزولها مع اجتماعات مكثفة كان يشرف عليها الوزير الأول مع مديري الشركات التي كان يعمل فتح أسهمها أمام الخواص، لتجمد بذلك واحدة من كبرى الورشات التي بادر بها منذ عودته لرئاسة الحكومة للمرة الرابعة.
ماذا يريد بوتفليقة؟
يجعل الرئيس بوتفليقة، بقراراته المطمئِنة لمخاوف الجزائريين، من الحكومة وعلى رأسها أحمد أويحيى، مجرد قائم بمبادرات في الشؤون الاقتصادية والمالية للبلاد، ويرفض بشكل قاطع، كل ما من شأنه المساس بالجوانب الاجتماعية للمواطنين.
وأكد الصحفي المتخصص بالشأن الاقتصادي عبد الوهاب بوكروح، أن "بوتفليقة أمر سنة 2015، مع اشتداد الأزمة الاقتصادية على البلاد، بترشيد النفقات إلى أقصى درجة، شريطة ألا تؤثر على الجانب الاجتماعي".
وتابع بوكروح لـ"عربي بوست"، أن " الرئيس رفض أن تخضع برامج السكن والصحة لأي تجميد أو تعطيل تحت أي ظرف، والزيادات التي اقترحها أويحيى في تسعيرات البطاقات البيومترية، وقبلها خصخصة الشركات العمومية، تؤثر على القدرة الشرائية للجزائريين وتضع المستقبل المهني لآلاف العمال على المحك؛ لذلك قرر رفضها وتجميدها".
بوتفليقة، حسب المتحدث، لا يريد غضباً شعبياً بسبب مبادرات حكومية، حتى وإن بُنيت على قراءات اقتصادية دقيقة؛ بل يضع الجانب الاجتماعي خطاً أحمر لا يمكن تجاوُزه إلا في حالة الانهيار الكلي للاقتصاد الوطني.
أكثر من ذلك؟
ويظهر من الوهلة الأولى، أن الرئيس بوتفليقة هو "ذلك المتفهم للصعوبات المعيشية لشعبه"، بينما يقدَّم أويحيى "كجلاد، لا تهمه ظروف البسطاء ومعاناة الفقراء مع لقمة العيش".
وعلّق المحلل السياسي محمد هناد على إلغاء مجلس الوزراء الزيادات على البطاقات الإدارية الإلكترونية، قائلاً بشكل ساخر: "أويحيى الوحش، وبوتفليقة منقذ الضحية من براثينه… يعني زورو ضد الشرير.. إنها مهزلة!"، مضيفاً: "نسيت أن أقول إنها طريقة مستعملة لترويض الحيوانات في السيرك، واحد يضرب والآخر يعاملها بلطف".
ولا يحتاج الأمر إلى ذكاء كبير، لمعرفة شكل الصورة التي تريد أن تقدمها السلطة الجزائرية عن نفسها للرأي العام الداخلي وحتى الخارجي، فهناك رغبة في "إظهار حكومة الوزير الأول أحمد أويحيى برصيد أدنى من الرضا الشعبي، بينما لا يزال الرئيس عبد العزيز بوتفليقة محتفظاً بحب الجزائريين"، مثلما يرى الصحفي المتخصص بالشأن السياسي أحمد أمير.
وأوضح أمير لـ"عربي بوست"، أن "الخاسر الأكبر من كل هذا هو أحمد أويحيى؛ لأنه لا يفوز إلا بمزيد من الغضب الشعبي عليه، والمواطنون لم ينسوا أنه استغلى عليهم تناول الياغورت، وسياسة شد الحزام التي ينتهجها تؤثر بشكل مباشر على القدرة الشرائية لمحدودي الدخل، ومع ذلك أراد فرض رسوم وتسعيرات مرتفعة للغاية في قانون المالية التكميلي، إنه "يغامر بشعبيته".
ما العلاقة برئاسيات 2019؟
العلاقة بين الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ووزيره الأول أحمد أويحيى، في الوقت الحالي، تتجاوز أهدافُها استرضاءَ أو استعداءَ الشعب بسبب قرارات ظرفية، وإنما مرتبطة بلعبة تكتيكية تُحكم خيوطها رئاسة الجمهورية.
ولم يُخفِ أحد إطارات حزب التجمع الوطني الديمقراطي، الذي يرأسه أويحيى، أنه "شعر بإحباط شديد يوم أعلن بوتفليقة إقالة الوزير الأول عبد المجيد تبون، وتعويضه بأحمد أويحيى، الذي كان يشغل منصب مدير ديوان رئاسة الجمهورية".
واعتبر المتحدث، الذي رفض الكشف عن اسمه، أن "منحه حقيبة الوزارة الأولى خلاص منه، وتقييد له في الوقت ذاته"، موضحاً أنها "الطريقة الوحيدة لقطع الطريق عليه لخلافة بوتفليقة".
وكان لأويحيى نفوذ أكبر في رئاسة الجمهورية عندما شغل منصب مدير الديوان إلى غاية أغسطس/آب 2017، حيث كان على اطلاع بكل أنشطة وملفات الرئاسة، ولعب دور المشرف على سير الحكومة، حيث أرسل تعليمات موقَّعة باسمه إلى الوزير الأول السابق عبد المجيد تبون، يطالبه فيها بـ"وقف مضايقة رجال الأعمال"، واستُخدمت فيما بعدُ كوثيقة في الهجمة التي طالت تبون وأبعدته عن رئاسة الحكومة.
وبتعيينه وزيراً أول، فقدَ الكثير َمن هامش التحرك في مفاصل الدولة، ووُضع أمام مهام واضحة وضيقة، وتضعه في مواجهة مباشرة مع الشعب، يشرح مصدر "عربي بوست".
خليفة بوتفليقة المحتمل؟
ويكشف مصدر آخر أن أحمد أويحيى كان قاب قوسين أو أدنى من مغادرة الحكومة، عقب شعوره بتشديد الخناق عليه من قِبل الرئاسة، خاصة بعد تعليمات إلغاء خصخصة الشركات العمومية، وتكليف وزير الداخلية، نور الدين بدوي، تدشين المشاريع الكبرى في البلاد بدلاً منه.
وقبِل أويحيى الاستمرار على رأس الحكومة، شريطة قبول رئاسة الجمهورية تغيير عدة وزراء دوَّنهم في قائمة، ووافقت بالنهاية على استبدال 4 وزراء في التعديل الحكومي الجزئي الذي جرى في 5 أبريل/نيسان 2018.
وحسب أحد المطلعين على خبايا لعبة 2019، "يعتبر أويحيى مؤهَّلاً بامتياز لقيادة البلاد بعد بوتفليقة، وهو ما لا يريده الأخير، وعلى الأقل المحيط القريب منه، في حالة التوجه نحو عهدة خامسة أو اختيار النظام مرشحاً يخدمه"، مضيفاً: "ولكبح جماح رجل فائق الذكاء مثل أويحيى، يجب ألا يُترك حراً طليقاً، ولا بد من تكليفه مهام كبرى للتحكم فيه وتقييد خطواته".
بمعنى آخر، "نحن أمام واحد من أبرز العبارات الشهيرة في فيلم العراب.. اجعل أصدقاءك قريبين منك، واجعل أعداءك (خصومك) أكثر قرباً"، يشرح المصدر.
واتُّهم أويحيى، من قِبل الأمين العام السابق للحزب الحاكم عمار سعداني، سنة 2015، بخيانة ثقة الرئيس والتخطيط للترشح للرئاسيات القادمة.
لكنَّ أويحيى أكد في العديد من الخرجات الإعلامية، أنه لن يترشح في انتخابات يكون الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مرشحاً فيها، غير أنه يبقى من أبرز الأسماء الجاهزة لمعركة 2019.