شهدت الأزمة التي أصابت مجلس التعاون الخليجي العام الماضي (2017)، بوضوح، العديد من الاختراقات الإلكترونية والهجمات على الشبكات الاجتماعية.
وفي أواخر الشهر الماضي (مايو/أيار 2018)، انتشر بشكلٍ كبير في قطر هاشتاغ "#ذكرى_فبركات_منتصف_الليل"، الذي يشير إلى أحداث 24 مايو/أيار 2017، عندما قام مخترقون يعملون نيابةً عن دولة الإمارات العربية المتحدة -وفق صحيفة The Washington Post– باختراق حساباتٍ تابعة لوكالاتٍ إخبارية قطرية على الشبكات الاجتماعية، ونشروا تعليقاتٍ مثيرة للجدل نُسِبَت زوراً إلى الأمير القطري. وكان هذا أول مثال مُسجَّل على هجومٍ إلكتروني يثير أزمةً دولية ممتدة.
كان هذا الاختراق بمثابة قطرة في غيث حرب المعلومات التي بدأت قبل أسابيع من الأزمة؛ إذ جنَّد أعداء قطر شركاتٍ غربية للمساعدة في شن حملةٍ دعائية لا هوادة فيها على الشبكات الاجتماعية، لن تنتهي على ما يبدو. وقد كان في قلب هذه الاستراتيجية استخدام برامج إلكترونية آلية على تويتر، يمكنها الإعجاب بتغريداتٍ أو إعادة نشرها، وحتى نشر محتوى أصلي بشكلٍ كبير.
ما هي هذه البرامج بالضبط؟ وما أهميتها في موازين السياسة الإقليمية؟
التلاعب في الهاشتاغات الأكثر انتشاراً على تويتر
حسب صحيفة The Washington Post الأميركية، يُظهر بحث أنَّ أنظمة الخليج تُنشئ -أو تأمر بإنشاء- آلاف البرامج الآلية للتغريد بطريقةٍ منسقة. وفي هذا الوقت من العام الماضي (2017)، وجد أحد مؤلفي البحث أنَّ 17% من عينةٍ عشوائية من التغريدات العربية التي تشير إلى قطر غُرِّدت بواسطة هذه البرامج الآلية. وبحلول شهر مايو/أيار هذا العام (2018)، ارتفع الرقم إلى 29%.
لا تحاول برامج الدعاية التي تعمل في الخليج أن تُشرِك المستخدمين الآخرين مباشرةً؛ بل تركز على زيادة أهمية البيانات الصادرة عن حساباتٍ بشرية بارزة بين جمهور تويتر. على سبيل المثال، غالباً ما تُضخِّم البرامج الآلية التغريدات الصادرة من منتقدي الحكومة القطرية أو العائلة المالكة، كالمعارض خالد الهيل، أو موقع قطريليكس، وهو موقع مناهض لقطر. واستُخدِمَت كذلك آلاف التغريدات ضد قناة "الجزيرة" الإخبارية القطرية. وروَّجت البرامج حتَّى لتغريدات الرئيس ترمب الموالية للسعودية خلال زيارته إلى المنطقة في مايو/أيار 2017.
إجمالاً، ما يقرب من 90% من التغريدات المتعلقة بهاشتاغات أزمة الخليج هي إعادة حرفية لتغريداتٍ قالها آخرون. وجديرٌ بالذكر أنَّ أقل من 30% من مستخدمي تويتر ينشرون محتوىً أصلياً، ومن بين هؤلاء، فإنَّ أعلى 2% (0.6% من مستخدمي تويتر) يُعاد تغريد تغريداتهم أكثر بكثير من أي شخصٍ آخر، لدرجة أنَّهم يقودون نحو 75% من المحادثات على تويتر، وفق The Washington Post. وغالباً ما تدعم وتروِّج هذه البرامج الآلية للنخبة المؤثرة في الشبكات الاجتماعية، خاصةً إذا كانوا يعبّرون عن مشاعر معادية للقطريين.
بخلاف تعزيز آراء معينة، فإنَّ برامج التغريد الآلية مفيدةٌ بشكلٍ أساسي أكثر في تحديد موضوع المحادثات. يمكن لأي شخص أن يبدأ هاشتاغاً على تويتر. ولتحقيق مزيدٍ من الأهمية بين جمهور تويتر، يجب أن تستخدم العديد من الحسابات الأخرى الهاشتاغ نفسه في تغريداتها الخاصة. ومع قدرتك على التحكم في الآلاف من التغريدات الآلية، يصبح هذا ممكناً. وبمجرد شيوع الهاشتاغ، ينجذب المستخدمون غالباً إلى المحادثة.
التلاعب بالهاشتاغ ظاهرةٌ منتشرة في الخليج، لدرجة أنَّ هاشتاغاً يدعو لعدم المشاركة في الهاشتاغات المشبوهة أصبح من بين الأكثر انتشاراً بعد شهرٍ واحدٍ فقط من اندلاع الأزمة. ومع ذلك، فليس الجميع على درايةٍ كبيرة بسياق الشبكات الاجتماعية في المنطقة. وغالباً ما يظن البعض الهاشتاغات المغشوشة التي تنشرها البرامج الآلية تعليقاتٍ قطرية حقيقية، وبهذا تدخل في المواد الإخبارية من خلال خدمات تجميع الأخبار والمنافذ الأخرى، كما حدث عندما شملت خدمة BBC Trending، التي تُوثق مواضيع الشبكات الاجتماعية الشائعة عبر العالم العربي، قصةً إخبارية مزيفة عن الحكومة القطرية تتحدث عن تخفيض رواتب الجنود القطريين.
وأحد كبار المسؤولين السعوديين، وهو سعود القحطاني، مستشار القصر الملكي السعودي والمشرف العام على مركز الدراسات وشؤون الإعلام، استخدم الهاشتاغات الأكثر انتشاراً التي تولّدها برامج التغريد الآلية كمقياسٍ للرأي العام القطري. وفي أغسطس/آب 2017، قال القحطاني إنَّ هاشتاغ "#ارحل_يا_تميم" كان ينتشر بشكلٍ كبير في قطر، وإنَّه يعكس كيف أراد القطريون خلع حاكِمهم، تميم بن حمد آل ثاني. وفي الواقع، لم يكن الهاشتاغ مؤشراً للرأي العام القطري؛ لأنَّه أُنشئ في الغالب بواسطة برنامج للتغريد التلقائي مناهض لقطر من قِبل أناسٍ غير قطريين.
الآثار طويلة الأجل لبرامج التغريد الآلية
يفترض أنَّ معظم البيانات والتغريدات التي تهاجم دولة قطر تخاطب الدوائر المحلية في البلدان المحاصِرة. فرغم كل شيء، عطَّل الحصار حياة الآلاف من سكان المنطقة الذين يعملون أو لديهم عائلات في قطر. ومن ثم، يجب إضفاء الشرعية على الحصار باستمرار عن طريق تشويه صورة قطر وإثبات فاعلية الحصار كعقوبةٍ مناسبة، على حد وصف تقرير The Washington Post.
هناك أيضاً منطق استبدادي أكثر جوهرية حالياً. في حين أنَّ الشبكات الاجتماعية قد تعمل بنهاية المطاف كحاضنةٍ لتكوين الرأي السياسي، فإنَّها أصبحت مكاناً ذا أهميةٍ متزايدة، يذهب إليه المواطنون لمعرفة ما يعتقده المواطنون الآخرون؛ ومن ثم عنصر حيوي للتعبئة والحشد.
من خلال تضخيم أهمية وبروز شخصياتٍ سياسية معينة، فإنَّ ملايين التغريدات الآلية تُغرق آراء المواطنين بصوت النخبة المتسلطة الصغيرة. واستخدام التغريدات الآلية لخلق اتجاهاتٍ مصطنعة باعتبارها الأكثر انتشاراً، واستخدام مثل هذه الاتجاهات كمؤشر للرأي العام، كلاهما يشير إلى قدرة أنظمة الخليج على تضمين الشبكات الاجتماعية كجزءٍ من جهازها الرقابي، مما يقوض إمكاناتها الجوهرية. وربما يبين لنا الخليج أكثر من أي مكانٍ آخر كيف تُسلَّح الشبكات الاجتماعية كنظامٍ مهم لنشر الأخبار المزيفة ونشر خطاب الكراهية.
وبثت قناة الجزيرة، الأحد 3 يونيو/حزيران 2018، ضمن برنامج "ما خفي أعظم" تحقيقاً يعرض تفاصيل قرصنة موقع وكالة الأنباء القطرية في الـ24 من مايو/أيار العام الماضي (2017)، يحمل عنوان "ليلة القرصنة".