حين سُئل الأمير هشام العلوي، ابن أخي الملك المغربي الراحل الحسن الثاني، عن سرّ غيابه عن باقي أعضاء العائلة الملكية، في صورة شهيرة عمّمتها جُل الصحف والجرائد، عن مجلة باري ماتش الفرنسية، أجاب الأمير بأن الصورة بالألوان، وأنه رجل كلاسيكي يحب الصور بالأبيض والأسود.
ردّ الأمير هشام العلوي، هو برأي الكثيرين أكثر دبلوماسية، وهو يجنِّب علاقته بابن عمه، العاهل المغربي الملك محمد السادس، مزيداً من كتل الجليد.
هذه البرودة في العلاقة بين الأمير والملك، التي امتدت لسنوات، يبدو أنَّها اتجهت نحو الدفء من جديد، بعد أن اتَّصل أخيراً الأمير هشام العلوي بالملك محمد السادس.
نجاح ابنة الأمير.. عودة الدفء
بعد نجاح فايزة العلوي، ابنة الأمير هشام العلوي، كان الملك محمد السادس أوّل المهنّئين لها بعد تخرجها في جامعة ييل الأميركية. وما كان على الأمير، سوى أن اتّصل هو الآخر هاتفياً بابن عمه الملك محمد السادس، ليشكره على اهتمامه بنجاح ابنته.
كما نشر الأمير هشام تغريدةً على تويتر، يشكر فيها عائلته، وخصوصاً الملك محمد السادس، وأخته الأميرة زينب العلوي، باعتبارهما أبوين ثانيين لابنته فايزة العلوي.
— Hicham Alaoui (@HichamAlaouiSW) May 25, 2018
اهتمام العاهل المغربي بابنة ابن عمه الأمير هشام لا يخفيه الأمير، إذ لم ينقطع يوماً، حتى في الوقت الذي عرفت فيه العلاقة بينه وبين ابن عمه فتوراً.
الأمير هشام العلوي، يشير إلى ذلك في كتابه "سيرة أمير مبعد"، بقوله: "ابنتاي لديهما روابط مع محمد السادس أكثر منّي، يكلّمهما بانتظام، وتزوران القصر الملكي، على الأقل مرتين في السنة، بمناسبة عيد العرش وعيد الميلاد".
وكان الأمير، قد بعث كذلك برقية تهنئة، في الأشهر الماضية، من محلّ إقامته في الولايات المتحدة الأميركية، إلى الملك محمد السادس، بمناسبة نجاح العملية التي أجراها بأحد المستشفيات الفرنسية، ضمَّنها تمنياته وأسرته للعاهل المغربي بالشفاء.
ملك جديد.. وصراحة أمير
قبل هذا التاريخ، انقطعت صلة الأمير هشام العلوي بالقصر الملكي لمدة طويلة، خصوصاً بعد اعتلاء ابن عمه الملك محمد السادس العرش مباشرة، بعد وفاة عمه الحسن الثاني عام 1999.
ساعتها صارح الأمير ابن عمه الملك محمد السادس، برأيه في النظام الملكي والمخزن (مصطلح له دلالة خاصة في الدارجة المغربية، ويطلق على النخبة الحاكمة في المغرب التي تمحورت حول الملك أو السلطان سابقاً)، وحول الجيش، وحكومة التناوب آنذاك، التي كان يقودها الاشتراكيون.
يحكي الأمير هشام العلوي في سيرة أمير مبعد، أنه ما إن طرح على الملك أفكاره حتى صار محلَّ شبهة، وأصبح الجميع يتجنَّبه كقنبلة موقوتة قابلة للانفجار في كل لحظة.
بعد ثمان وأربعين ساعة فقط من التعبير عن موقفه، أبلغه مدير البروتوكول الملكي، رسالة من العاهل المغربي يطلب فيها من الأمير هشام العلوي الكفّ عن زيارة القصر الملكي.
الأمير لم تطأ قدماه القصر، إلا عندما دُعي، في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2005، لأول مرة بعد مرور ست سنوات على وفاة عمه الملك الحسن الثاني، إلى الاحتفالات الرسمية بمناسبة الذكرى الخمسين لاستقلال المغرب.
وفي سبتمبر/أيلول 2009، يعود الأمير المُبعد من جديد إلى القصر الملكي بالرباط، عندما حضر زفاف أخيه الأمير إسماعيل، كواحد من الضيوف.
"سأذهب إذن ضيفاً بين الضيوف لا فرداً من الأسرة. ارتديت بذلة عصرية بدل اللباس المغربي التقليدي، كما فعلت في العام 1999 لحظة التوقيع على وثيقة البيعة، وكأني أقول بأني أمرّ مرور الكرام"، يقول الأمير هشام العلوي.
المحيط الملكي وليس الملك
لقد عمّقت مواقف الأمير الفجوة بينه وبين القصر الملكي، إذ طالما حاول مخاطبة "القانعين بمصيرهم عن ضرورة الإصلاح" في المغرب، لكن سرعان ما أُبعد الأمير عن قلعة السلطة "لأنه شارك المغاربة همومهم وقضاياهم- في الطليعة منها الديمقراطية"، يضيف الأمير هشام العلوي.
يرى الصحفي المخضرم والمؤرخ، مصطفى العلوي، أنه في الواقع "ليس هناك صراع بين الأمير مولاي هشام والملك محمد السادس، بل العلاقة بينهما مستمرة".
ويعتبر مصطفى العلوي، صاحب كتاب "مذكرات صحافي وثلاثة ملوك"، أن مشكلة الأمير هشام العلوي ليست مع العاهل المغربي، بل "مشكلة الأمير مع المحيطين بالملك".
هؤلاء "يرغبون في أن تكون هناك مسافة بعيدة بين الملك وابن عمه الأمير، وهم مرتاحون لوجود مولاي هشام في الولايات المتحدة، مثلما هو مرتاح أيضاً لوجوده في هذا البلد، لأنه بعيد عنهم"، يردف مصطفى العلوي، في تصريح لـ"عربي بوست".
يوضح الصحفي والمؤرخ، أنه "دائماً في تاريخ السلاطين والملوك، هناك بجانبهم أشخاص يعملون على احتكار النفوذ السلطاني، وعدم السماح لأي أحد غيرهم أن يزاحموهم فيه".
أمير مثقف بمواقف صارمة
لا يُخفي الصحفي والمؤرخ، مصطفى العلوي، أن للأمير هشام العلوي مواقف سياسية قوية وصارمة من أنظمة عربية، خصوصاً في مقالاته التي "تهتم بالحركات التقدمية والإصلاحية في جميع أنحاء العالم، وليس في المغرب فقط".
حتى إن هشام العلوي، لُقّب إعلامياً بالأمير الأحمر، لكنه نفى ذلك في كتابه سيرة أمير مبعد، بقوله إنها "بدعة من بدع الإعلام، أريد منها صورتي، حيث إنني لم أكن شيوعياً أو اشتراكياً ولست، من حيث المبدأ، بمعادٍ النظام الملكي، كذلك لم أكن يوماً أميراً نمطياً".
كما أن الأمير هشام العلوي، يضيف المصدر نفسه "ذو تكوين أميركي، لذلك يدلي برأيه بكل صراحة، وهو رجل باحث، وأستاذ جامعي بالولايات المتحدة، ومحط اهتمام منظمات وهيئات دولية، باعتباره عالماً بخبايا أمور الشرق الأوسط على الخصوص"، يقول صاحب كتاب "مذكرات صحافي وثلاثة ملوك".
فالأمير ينتسب أيضاً إلى عائلة لبنانية عريقة، فوالدته هي لمياء الصلح ابنة رياض الصلح، الشخصية البارزة في تاريخ لبنان. وتمتد علاقات الأمير هشام العلوي إلى الخليج، فواحدة من خالاته هي والدة الأمير الوليد بن طلال.
التكوين الأميركي.. أولى خطوات التمرد
اختيار الأمير التكوين في المدرسة الأميركية، بدلاً من المدرسة المولوية التي يدرس فيها الأمراء وأبناء الملوك داخل القصر الملكي في المغرب، كانت أولى خطوات تمرّد الأمير على تقاليد القصر الملكي، وهو لا يزال يافعاً بعدُ، آنذاك.
واحتدَّت المواجهة بين الأمير وعمِّه الملك الراحل الحسن الثاني، حول قرار ذهاب الأمير هشام العلوي لإكمال دراسته في جامعة برنستون الأميركية.
يحكي الأمير هشام العلوي، أن عمه الملك الراحل الحسن الثاني، عمل جاهداً على منعه من الدراسة في الولايات المتحدة، لكن قرار الأمير كان مرتبطاً باختيار مساره الخاص، وتحقيق استقلال عن تأثير عمه والمخزن.
يشير مصطفى العلوي، الصحفي والمؤرخ، صاحب مذكرات صحافي وثلاثة ملوك، إلى أن "رفض الأمير مولاي هشام البقاء في المدرسة المولوية، وسفره إلى الولايات المتحدة بدون إرادة الملك، يُبيّن استقلاليته".
وبالنسبة للملك الراحل، فقد كان خروج شخص عن طوعه مسألة كرامة، فهو يريد أن يظهر بمظهر عميد العائلة العلوية الكبيرة، ولهذا لم يكن ليتسامح مع أي تصرف كهذا، لذلك لم يتوقف التوتر بين العمّ وابن شقيقه من ساعتها.
بعد ذلك أجّج الأمير غضب عمه الملك الراحل، عندما نشر مقالاً في شهرية لوموند ديبلوماتيك، ينتقد فيه الوضع السياسي المغربي، وهو ما لم يكن يعجب الملك الراحل الحسن الثاني.
بهذا الخصوص، يذكر الأمير هشام العلوي، أنه "خلال حكم الحسن الثاني، وللحسن الثاني ما له وما عليه، ومن أبرز ما عليه ضيقه بالاعتراض وبالرأي الآخر، خرجت عن الإجماع السياسي وأفصحت مراراً وتكراراً عن آراء ومواقف عُوقبت بسببها بشتى العقوبات"… فهل يفتح نجاح الأبناء واعتذار الآباء صفحة جديدة بين الملك وابن عمه؟