سافر نائب عام مساعد إيطالي من القاهرة إلى روما هذا الأسبوع حاملاً "حمولة ثمينة"، عبارة عن وحدة ذاكرة فلاشية تحوي فيديو مراقبة من نظام مترو القاهرة، ربما يحمل المفتاح لتحقيقٍ في قضية قتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، التي تحولت إلى قضية سياسية.
ويوم الأربعاء الماضي 30 مايو/أيار، أي بعد أكثر من عامين على قتل ريجيني، سلَّم المصريون لقطات مراقبة من نظام مترو الأنفاق حيث يُعتَقَد أنَّ ريجيني اختفى، وسيستخدم متخصصون إيطاليون برمجيات التعرُّف على الوجه لفحص مقاطع الفيديو من مئات الكاميرات بحثاً عن أي لمحة لريجيني، الذي أتى إلى القاهرة لدراسة الحركة النقابية، وفقاً لما ذكرته صحيفة The New York Times، الجمعة 1 يونيو/حزيران 2018.
وتبقى فرص نجاح المتخصصين الإيطاليين ضئيلة، فبحلول وقت استعادة السلطات المصرية لمقاطع الفيديو، بعد أكثر من أسبوع على طلب الإيطاليين، كان معظمها قد حُذِف، وسُجِّلت بدلاً منها تسجيلات مراقبة لاحقة أخرى. وقال مسؤولٌ قضائي إيطالي إنَّ 5% فقط من الصور المتعلقة بليلة اختفاء ريجيني لا تزال موجودة.
وقدَّر المسؤول فرص الإيطاليين في العثور على صورة لريجيني في الفيديو بأنَّها واحد في المليون.
فتاتٌ من الأدلة
ويعد الحصول على لقطات المراقبة رمزاً للتقدم البطيء الطويل في قضيةٍ وتَّرت العلاقات بين إيطاليا ومصر، وتعمل فيها السياسة والشرطة بصورة متداخلة وعلى نحوٍ يائس.
ونفى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مراراً أن تكون قواته الأمنية أدَّت أي دور في وفاة ريجيني، وتعهَّد بالعثور على قاتليه. لكن لا توجد اعتقالات حتى الآن، ويقول المنتقدون إنَّ القضية تُسلِّط الضوء على إفلات قوات الأمن من العقاب تحت حكمه، وفقاً للصحيفة الأميركية.
وامتد التحقيق لعامين، وعُقِدت تسعة لقاءات بين المدعين العامين من كلا البلدين. وسلَّمت مصر بصورة دورية فتاتاً من الأدلة قادت في بعضها إلى خيوطٍ مغرية، لكن لم تؤدِ إلى ملاحقات. وتفاوض البلدان على مسألة فيديوهات المراقبة لمدة 27 شهراً.
وأُجِّل تسليم مقاطع الفيديو التالفة من نظام مترو الأنفاق بسبب تباحث المسؤولين المصريين والإيطاليين حول كيفية محاولة استعادة البيانات المحذوفة.
وجرت الاستعانة بشركة ألمانية لمحاولة استرجاعها، ثُمَّ تُرِكَت الشركة. وعرض الإيطاليون دفع مستحقات الشركة، لكن المصريين أصروا على أن يدفعوا هم. وأخيراً، استرجع مهندسٌ روسي يعمل إلى جانب فريقٍ من الشرطة الإيطالية ما أمكنه استرجاعه.
وفي خطابٍ إلى صحيفة إيطالية في يناير/كانون الثاني الماضي، اعترف مدعي عام روما، جوسيبي بيناتوني، بصعوبة تحقيقٍ وصفه بأنَّه "فريد من نوعه"، وكتب: "لم يكن من السهل دوماً الدخول إلى العقلية العربية".
ومع تقدم التحقيق، أشارت بعض الحقائق إلى تورط قوات الأمن المصرية في عملية القتل. إذ اعترف ضباط مصريون بمراقبة المخابرات المصرية لريجيني قبل أسابيع من مقتله. وخرج مقطع فيديو أظهر أنَّ قيادياً نقابياً أقام صداقةً مع ريجيني قد صوَّره سراً في أحد لقاءاتهما.
وفي الشهور الأخيرة، حدَّد المسؤولون الإيطاليون تسعة مسؤولين أمنيين مصريين يعتقدون أنَّهم على صلة بمقتل ريجيني، وأرسلوا ملفاً من 70 صفحة بشأنهم إلى مصر، التي حقَّقت مع بعضهم أكثر من مرة، لكن لا إشارات على ملاحقات قضائية.
خوف على الطلاب الأجانب
وتأرجح المسؤولون الإيطاليون بين الإشادة بتعاون المصريين والغضب من عرقلتهم للقضية، وهو ما دفع روما في أبريل/نيسان 2016 إلى سحب سفيرها من القاهرة لـ16 شهراً.
وكان للقضية أثر مقلق على المجتمع الأكاديمي، وتعمَّقت المخاوف هذا الأسبوع بعد احتجاز طالب دراسات عليا بإحدى الجامعات الأميركية كان يعد بحثاً عن النظام القضائي المصري.
واتُّهِم الطالب وليد خليل الشوبكي، وهو طالب دكتوراه بجامعة واشنطن في سياتل، بنشر أخبار كاذبة والانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين المحظورة، حسب ما قاله محاميه الخميس 31 مايو/أيار.
واحتُجِز الشوبكي، وهو مصري الجنسية، الأسبوع الماضي بينما كان يغادر مقابلة بمكتب أحد أساتذة القانون في القاهرة. وأُمِر باحتجازه 15 يوماً في سجن طرة شديد الحراسة خارج القاهرة.
وأدَّت قضية ريجيني إلى تراجعٍ حاد في الطلاب الأجانب في مصر القادمين من أجل البحث. فقالت لوري براند، رئيسة لجنة الحرية الأكاديمية في جمعية دراسات الشرق الأوسط، إنَّ "قضية ريجيني كانت نقطة تحول لكثيرٍ من الناس. لقد أوضحت القضية أنَّنا كباحثين لم نعد نعرف أين توجد الخطوط الحمراء".
وأضافت أنَّه حين رَشَحَت الأخبار هذا الأسبوع حول اعتقال الشوبكي، "خشينا أن يكون الفصل الثاني من قضية جوليو ريجيني".
وتابعت: "لحسن الحظ أنَّه لا يزال حياً، لكنَّ ذلك لا يجعل موقفه أبسط. إنَّها حادثة أخرى تؤكد حقيقة أنَّ مصر لم تعد آمنةً للباحثين".
يُذكر أن وفاة ريجيني صعقت الإيطاليين، وقادت إلى حالة من التجمُّد في العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيطاليا امتدت 16 شهراً، وأدَّت إلى اتهاماتٍ قوية بأنَّ مصر كانت تحجب الأدلة لأنَّ أفراداً بأجهزتها الأمنية كانوا ضمن المتهمين الرئيسيين في القضية.