أغلقت الحكومة الموريتانية، ممثلة لبعثة تابعة لوزارة الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي "مجمع الإمام علي" الشيعي بالعاصمة نواكشوط، الممول من الحكومة الإيرانية، وأبلغت إمام المسجد الموجود في المجمع بعزله من الإمامة، وتعيين إمام آخر سني خلفاً له، كما وجَّه وزير الخارجية والتعاون الموريتاني استدعاء عاجلاً للسفير الإيراني بنواكشوط محمد عمراني.
وقال مصدر بوزارة الشؤون الإسلامية لـ"عربي بوست"، إن البعثة التي تم إيفادها للمجمع الشيعي، الذي يتبع لجمعية تسمى "آل البيت"، قامت بتفتيش المجمع بشكل دقيق، كما فتشت ملحقاته، قبل أن تبلغ إمامه بالعزل من الإمامة، وتمهله أسبوعاً لمغادرة سكنه داخل المجمع.
وسجلت أن هذا المجمع بمثابة حسينية في نواكشوط، يتبع لجمعية (آل البيت)، ويوفد مبتعثين إلى إيران ولبنان، ويوزع منحاً دراسية للتكوين على المذهب الشيعي.
وأكد المصدر أن إغلاق المجمع الشيعي في نواكشوط يأتي بعد تقديم السكان شكاوى من سلوك القائمين على المجمع الشيعي، لـ"مجاهرتهم بمخالفة المذهب المالكي المعمول به في موريتانيا، والتعامل بعداء تجاه بعض صحابة النبي محمد، على حد وصفهم.
وأشار المصدر إلى أن الحكومة الموريتانية أبلغت السفير الإيراني بنواكشوط نيتها وقف كافة النشاطات التي تقوم بها السفارة الإيرانية، في إطار "المد الشيعي" في البلاد، معتبرة أن أي ظهور للتشيع في البلد سيؤدي إلى إنهاء عمل السفير، وإعادة النظر في العلاقات الموريتانية الإيرانية بشكل كامل.
وقال موقع "صحراء ميديا" الموريتاني، إن "وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الموريتانية استدعت يوم الجمعة الماضي، السفير الإيراني بنواكشوط محمد العمراني، وأبلغته بأن موريتانيا لم تعد تقبل بأي نشاط تقوم به السفارة -أو جهات مرتبطة بها- من أجل تغيير مذهب المجتمع الموريتاني أو عقيدته".
وأضاف نقلاً عن مصادره الخاصة، أن "الموريتانيين أبلغوا السفير بأنهم اتخذوا جملة من الإجراءات لمنع أي نشاط لنشر الفكر الشيعي في البلاد".
وذهب إلى أن من ضمن هذه الإجراءات عزل إمام (مجمع الإمام علي)، وتعيين إمام جديد له، ووضعه تحت وصاية وزارة الشؤون الإسلامية والتعليم الأصيل.
إيران: الأمور طبيعية
وسارعت وسائل الإعلام الإيرانية للتقليل من أهمية لقاء الوزير والسفير، معتبرة أن العلاقات بين البلدين طبيعية وعادية. ونقلت قناة "العالم" الإيرانية، في تقرير نشرته الأربعاء 30 مايو/أيار، نفي مصدر بالخارجية الموريتانية خبر "استدعاء" السفير الإيراني، معتبراً أن "العلاقات الدبلوماسية الموريتانية الإيرانية طبيعية".
وسجلت نقلاً عن مصدرها، أن "عملية استدعاء السفراء لا تجري عادة في السر، وإذا حصلت يتم الإعلان عنها عبر وسائل الإعلام الرسمية، نظراً لأهميتها، وأن ذلك لم يحصل مع السفير الإيراني".
وشدَّدت على أن السفير الإيراني في نواكشوط محمد عمراني، سلم الثلاثاء، رسالة وزير الخارجية محمد جواد ظريف إلى نظيره الموريتاني، حول نكث العهد الأميركي تجاه الاتفاق النووي وتطورات المنطقة.
ليس له علاقة بالشيعة، بل بالسياسة
ويقول الباحث والمتابع للشأن السياسي بموريتانيا شوقي ولد الدي "إن السماح بوجود مجمّع شيعي في العاصمة الموريتانية نواكشوط منذ عدة سنوات، وإغلاقه بعد حملة تفتيش مبكرة، تبعها استدعاء مفاجئ من الخارجية للسفير الإيراني المعتمد لدى موريتانيا، يؤكد بجلاء أن الأمر لا يتعلق أساساً بمحاربة التشيع، ولا بامتعاض محلي أو شكاوى من المواطنين".
وأضاف ولد الدي في حديث لـ"عربي بوست"، أن الحملة ضد الشيعة حالياً في موريتانيا، تدخل في إطار ما تمرّ به العلاقات الموريتانية الإيرانية من برودة بفعل الضغوط الخليجية التي تمارسها كل من المملكة العربية السعودية والإمارات، في إطار التحالف ضد إيران، ورفض قطع العلاقات معها من عدة دول إفريقية، ومحاصرتها دبلوماسياً واقتصادياً.
وشدَّد ولد الدي على أن هناك بالفعل مخاوف موريتانية من تغلغل إيراني بالمنطقة، وسلوك غير منضبط لبعض مراكز النفوذ بطهران، لكنه السلوك الذي ظلَّ غير مؤثر على الوجود الشيعي في موريتانيا، والذي انطلق قبل سنوات بإعلان بعض الموريتانيين عن تشيعهم، وتنظيم أنشطة داخل البلاد في المواسم التي يعظمها الشيعة، إضافة لتنظيم زيارات للبنان وإيران.
ولا توجد إحصائيات رسمية أو غير رسمية لعدد الشيعية في موريتانيا، لكن في الواقع هناك مجمع شيعي في العاصمة نواكشوط، يضم مسجداً وحسينية، وهو ما يعد باعثاً على الخوف من تغلغل المد الشيعي في البلاد.
وسبق أن اتخذت موريتانيا إجراءات صارمة ضد الأحزاب السياسية والهيئات التي ترتبط بإيران وحزب الله، ومنعت جميع الأنشطة الداعمة للحزب في أراضيها.
وكانت موريتانيا قد قلصت مستوى تمثيلها الدبلوماسي في طهران منذ عدة سنوات، إلى مستوى قائم بالأعمال فقط، وكثيراً ما انتقدت التدخل الإيراني في الشؤون العربية الداخلية.
ويعد هذا "التوتر" الثاني بين إيران ودولة في المغرب العربي، بعد الرباط التي قطعت علاقاتها نهائياً مع إيران في الأسابيع القليلة الماضية.