نزل باك سول السلم المؤدي إلى محطة قطارات الأنفاق في سيول للمرة الأولى في سن التاسعة عشرة، وأخذ يحدق في خريطة خطوط القطارات المتشابكة، ثم شعر بالقلق والإحراج.
كانت تلك إحدى اللحظات الكثيرة التي أربكت اللاجئ الكوري الشمالي منذ وصوله مؤخراً إلى كوريا الجنوبية.
فقد كان التسوق، واستخدام ماكينة النقدية، وحتى العامية الجنوبية التي تمتلئ بالكلمات الإنكليزية، أيضاً، تشكل تحديات هائلة بالنسبة للكوريين الشماليين الذين انتقلوا للحياة في كوريا الجنوبية، حسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
عندما تعرفت على الإنترنت لأول مرة
"الأشياء المختلفة التي رأيتها عندما جئت إلى كوريا الجنوبية للمرة الأولى كانت أكثر من قدرتي على استيعابها، هكذا يقول باك، الذي وصل إلى سيول في نهاية عام 2016.
كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية مختلفتان تماماً. لم يكن لدي أي فكرة عن ماهية بطاقة الائتمان، وهي تستخدم كل يوم هنا".
تم تهريب باك من الشمال عبر الصين، وانتهى به الأمر في نهاية المطاف في منزل آمن في تايلاند، حيث تعرف على شبكة الإنترنت لأول مرة، وحيث أطلعه المهربون على المسلسلات الكورية الجنوبية.
منحت تلك البرامج باك لمحة خاطفة لأول مرة عن مجتمع كوري مختلف عن مجتمعه، فأدمن مشاهدتها على الفور. يقول "لم أكن أرى سوى شريحة ضيقة من العالم، ثم فجأة أصبح كل شيء مرئياً. لقد كان الأمر صادماً للغاية".
ليست مجرد مدرسة لتأهيلهم للحياة في سيول إنها رهان على الوحدة
باك هو واحد من حوالي 100 طالب كوري شمالي في مدرسة يوميونغ في سيول، وهو مكان مصمم لتعليم هؤلاء الطلاب الجدد عادات المجتمع الكوري الجنوبي. مهمة المدرسة هي التعليم -مجموعة من المواد الدراسية القياسية وكذلك كيفية الاندماج في المجتمع- في المقام الأول، ولكن ينعقد عليها أيضاً أمل أن يكون طلابها في طليعة جهود الوحدة المحتملة بين الجارتين.
وأثار الاجتماع الأخير بين الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون والرئيس الكوري الجنوبي مون جاي-إن، موجة من النشوة في جميع أنحاء البلاد، بعد أن أعلن الاثنان أنهما سيعملان باتجاه "سلام دائم في شبه الجزيرة".
وفي حين لا تزال أي خطط فعلية لتوحيد البلدين رهناً للمستقبل البعيد، بعثت هذه التهدئة أملاً جديداً بين الطلاب والمعلمين لم يكن من الممكن تصوره قبل بضعة أشهر.
يقول لي هونغ هون، مدير المدرسة "نريد أن نصبح نموذجاً لتعليم الكوريين الشماليين بعد الوحدة. نريد أيضاً أن يصبح طلابنا قوة للتوحد، وأن نشارك بنشاط في الحركة وننشر رسالتها".
مشهد الضفدع في درس الأحياء يذكرهم بمأساتهم
مع وضع النوايا الحسنة جانباً، تكشف المدرسة أيضاً عن الهوة التي لا تزال قائمة بين المواطنين العاديين في الشمال والجنوب، الذين انفصلوا منذ أكثر من ستة عقود.
شمل أحد دروس علم الأحياء الأخيرة في المدرسة، تركيزاً على المادة الرئيسة، إلى جانب شروح أساسية لأشياء مثل أهمية امتحانات القبول بالجامعة.
كان الطلاب يمزحون ويشاغبون مثل أي مجموعة من المراهقين، لكن كانت هناك لحظات كشفت عن المعاناة التي هرب منها هؤلاء الطلاب. عندما بدأ المعلم يشرح أنواعاً مختلفة من الحيوانات، ظهرت صورة لضفدع على الشاشة.
قال أحد الطلاب "اعتدنا على أكلها لأننا كنا جائعين في كوريا الشمالية. لم نكن نأكل أرجلها الخلفية وحسب، بل كنا نأكلها بكاملها، إنها لذيذة جداً". لم يكن تصريحاً مشحوناً بالعاطفة، بل قيل بلهجة واقعية، لكنه أظهر مشقة، التي لا يمكن أن يمر بها سوى قليل من نظرائه في كوريا الجنوبية.
الكوابيس تداهمهم ويضطرون للانقطاع عن العمل من أجل عائلاتهم
"قد يبتسمون ويضحكون خلال النهار، ثم ما تلبث الكوابيس أن تداهمهم ليلاً. لكنهم لا يستطيعون التحدث عن ذلك، إنه أمر مؤلم للغاية"، هكذا يصف هوانغ هيوي-غون، المدرس بالمدرسة أحوال طلابه.
تزدان حوائط المدرسة بملصقات عليها قصائد عن الوحدة بين البلدين، بالإضافة إلى اقتباسات دينية. تمول المدرسة بشكل كبير من خلال التبرعات من الجمعيات المسيحية وجميع المعلمين مسيحيون، على الرغم من أن المنهج الدراسي لا يركز على الدين.
كما تظهر الفروق الاقتصادية الكبيرة بين الجارتين في الفصول الدراسية. يُضطر بعض الطلاب إلى الانقطاع عن الدراسة للبحث عن عمل من أجل إرسال الأموال إلى أفراد عائلاتهم في كوريا الشمالية، أو المساهمة في تكاليف سفرهم إلى الجنوب.
الكوريون الجنوبيون يسيئون لنا، ولكننا متفائلون
يقول لي "كونك من كوريا الشمالية يمنحك شعوراً بالعزلة هنا. غالباً ما يسيء الكوريون الجنوبيون إلى الشماليين عن غير قصد، بسبب عدم فهمهم لظروف كوريا الشمالية، أو عدم الاهتمام لمشاعر الآخرين". لكن باك يعتقد أن الوحدة ستتم في حياته. وهو يأمل أن يصبح طبيباً، وعندما تفتح الحدود يعتزم العودة إلى مسقط رأسه بالقرب من الحدود مع الصين.
وقال "إن النظام الطبي في كوريا الشمالية ليس جيداً، ولا يوجد أطباء مهرة. عندما تحصل الوحدة، آمل أن أتمكن من العودة ومساعدة الناس الذين لا يزالون يعانون هناك".