تتوجه الأنظار في العراق إلى انطلاق المفاوضات بين القوى السياسية المتصدرة للانتخابات البرلمانية التي أجريت السبت 12 مايو/أيار 2018، ويسعى رجل الدين الشيعي البارز مقتدى الصدر، الذي فازت قائمته "سائرون" بأكبر عدد من الأصوات، للائتلاف مع قوى سياسية أخرى لتشكيل الحكومة.
وحسب مينا العريبي، الإعلامية البريطانية-العراقية ورئيسة تحرير موقع The National الإخباري الإماراتي، فإنه من المرجح أن يختار الصدر، الذي ليس لديه عدد كافٍ من السياسيين في ائتلافه لتشكيل الحكومة بمفرده، العبادي شريكاً في الائتلاف لتشكيل حكومةٍ جديدة. وقبِل العبادي، وقائمته ضمن الفائزين الخمسة الأوائل في الانتخابات، النتائج في بادرةٍ نادرة، وعلى الفور هنَّأ الصدر على نجاحه.
وتضيف العريبي في مقال لها بصحيفة The New York Times الأميركية، أن التحالف بين الصدر والعبادي قد يحرك العراق نحو وضع داخلي أكثر استقراراً وشمولية وأقل فساداً، ومن شأنه أيضاً أن يقلل من قبضة إيران على البلاد ويهيئ لها علاقاتٍ أكثر توازناً مع جيرانها.
إذ إن رجل الدين الشيعي المستقل مقتدى الصدر تنافس في الانتخابات العراقية ضمن قائمة شاملة غير طائفية ضمَّت مجموعة من الشيوعيين والمستقلين وجماعات المجتمع المدني الليبرالية.
وحصلت قائمة الصدر الانتخابية، التي تُدعى "سائرون"، على أكبر عدد من الأصوات، ووعد بمحاربة الفساد، وعدم إقصاء أيٍ من الفئات السياسية، وتشكيل حكومة تكنوقراطية.
في المقابل، فإن قائمة رئيس الوزراء، حيدر العبادي، لم تضمن الصدارة في الانتخابات؛ إذ لم تصوت بغداد لصالح العبادي، لكنَّ قائمته الانتخابية حصلت على دعمٍ في الموصل، المدينة التي دمرها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وحُرِّرت تحت قيادته. وعلى الرغم من فقدانه الأصوات، عزَّز العبادي سمعته بالحفاظ على نزاهة الانتخابات، ولم يتهمه أحد بالتزوير أو الترويع أو إساءة استخدام السلطة.
وحسب العريبي، فإن امتناع أغلبية الناخبين عن الإدلاء بأصواتهم يُعد رفضاً واضحاً للنظام، الذي فشل في تحقيق السلام، والأمن، علاوةً على الرخاء. وجدير بالذكر أنَّ الانتخابات في العراق غالباً ما تعقُبها مفاوضات فوضوية وطويلة بين أعضاء الائتلاف.
تحالُف الصدر والعبادي.. الخيار الأفضل!
وفي حين يملك الصدر ماضياً متقلباً، يشمل عنف "جيش المهدي" التابع له، يبدو أنَّ تحالفه الجديد ومواقفه السياسية هما الخيار الأفضل للعراق. يمكن للتحالف بين الصدر والعبادي أن يُحرك العراق نحو وضع داخلي أكثر استقراراً وشمولية وأقل فساداً، فكلاهما نأى بنفسه عن الفساد الذي أصاب الكثيرين غيرهما ممن يشغلون مناصب في السلطة العراقية.
ويمتلك العبادي خبرة في قيادة الحكومة، إضافةً إلى كونه معروفاً على المستوى العالمي، وقد أثبت أنَّه سياسي كفء. أما الصدر، فيتمتع بشعبية واسعة، وبإمكانه أن يوفر غطاءً من الشرعية لجهود مكافحة الفساد.
ويتمتع كلاهما بدعم إحدى القواعد الإسلامية الشيعية، وتعهَّد الاثنان بتعيين تكنوقراطيين في المناصب الوزارية، فيما يُعد خطوةً ضرورية لجعل الوزارات العراقية تؤدي دورها وتقدم الخدمات للعراقيين، وألا يقتصر دورها على توفير مصادر لرعاية مختلف الأحزاب السياسية فحسب. لكن، سيتعين عليهما أيضاً ضمان أن يكون تحالفهما شاملاً، من حيث نوع الجنس والعِرق، لتوسيع نطاق شعبيتهما.
حماس تطالب بتحقيق دولي في إنشاء الاحتلال "مناطق إعدام" بغزة: جريمة حرب وحشية وانتهاك لكافة الأعراف
ويعد الصدر والعبادي قائدين إسلاميَّين، لكنَّ ولاءهما الأول والأخير للعراق، فهما لا يصبّان اهتمامهما على هويتيهما الشيعية، وظلا إلى حدٍ كبيرٍ غير خاضعين لسيطرة طهران؛ لذا يجب على الولايات المتحدة والدول العربية اغتنام الفرصة ودعمهما. يُمكن للعبادي أن يُساعد على بناء علاقة جديدة بين واشنطن والصدر، الذي قاتل القوات الأميركية بعد غزوها العراق وصدرت بحقه مذكرة توقيف في عام 2003.
وسارع ثامر السبهان، وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج، إلى الترحيب بصعود الصدر. وفي العام الماضي (2017)، زار الصدر المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، والتقى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد. في حين أثبت العبادي أهمية التواصل مع الدول العربية الأخرى في أثناء فترة ولايته. وتستطيع حكومة بزعامة الصدر والعبادي الاعتماد على الالتزام الأوليّ من الدول العربية.
وأنفقت السعودية والإمارات المليارات في هيئة المساعدات لإعادة إعمار العراق، ويمكن لحكومةٍ جديدة في العراق العمل من أجل جذب استثمارات السعودية، وتعزيز نمو القطاع الخاص؛ وهو أمرٌ بالغ الأهمية لتحقيق التنويع الاقتصادي في العراق.
ويمكن للعبادي أيضاً المساعدة في الحفاظ على توازنٍ دقيق بين المنافسين الإقليمييِّن؛ إذ دعم بناء علاقاتٍ مع الدول العربية، مع الحفاظ على العلاقات مع طهران.
هادي العامري مرشَّح إيران المفضل
ترى الإعلامية مينا العريبي أن هادي العامري هو المرشح المفضل لإيران لقيادة حكومة عراقية جديدة. فهو يرأس منظمة بدر، إضافةً إلى كونه أحد قادة قوات الحشد الشعبي التي تُهيمن عليها الميليشيات المدعومة من طهران، والتي سبق أن حاربت تنظيم داعش مع الجيش العراقي. وحوَّل العامري المكاسب في ساحة المعركة إلى أصوات انتخابية، لتحوز قائمته على ثاني أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات.
غير أن الصدر تحدث علانيةً عن الحاجة لنزع سلاح قوات الحشد الشعبي، ودعا إلى دمج عناصرها في القوات العراقية الرسمية، فيما رفض مراراً فكرة أن يكون لدى العراق "جيشان". ولكونه قومياً يُجاهر بانتقاد تدخُّل إيران في العراق، صرح الصدر في عددٍ من المقابلات مع وسائل الإعلام المحلية العراقية، بأنَّ العراق "يتحتم أن يظل مُتحرراً من طموحات جارنا".
حماس تطالب بتحقيق دولي في إنشاء الاحتلال "مناطق إعدام" بغزة: جريمة حرب وحشية وانتهاك لكافة الأعراف
يضمن أداء الصدر القويُّ عجز طهران عن تشكيل حكومةٍ عراقيةٍ جديدةٍ خاضعة لها بالكامل، لكنَّ قوات الحشد الشعبي، المدعومة من إيران وحلفائها، ستسعى إلى كسب نفوذٍ يضاهي نفوذ حزب الله اللبناني. ورفضت قوات الحشد الشعبي الجهود المبذولة لدمجها في القوات العراقية، وتريد الحفاظ على كونها مؤسسةً منفصلة، والإبقاء على أسلحتها بينما تستغل السلطة السياسية بصفتها كتلةً في البرلمان، حيث يمكنها استخدام "حق النقض" لتعطيل، أو إعاقة، أو إحباط، تشريعاتٍ بعينها لإصابة الحكومة بالشلل، وهو درسٌ آخر تعلمته من حزب الله.
وأرسلت إيران الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، إلى بغداد بعد النتائج مباشرةً؛ للتأكد من أنَّ نفوذها لن يتأثر سلباً بتشكيل الحكومة المقبلة.
أما العامري، فهو يناور مع زملائه وحلفائه، مثل رئيس الوزراء السابق نوري كمال المالكي، لتشكيل حكومة أحزاب إسلامية شيعية، وهي خطوة من شأنها أن تُعيد الزج بالعراق إلى دوامته الطائفية السابقة.
يمكن لمؤيدي المالكي وقوات الحشد الشعبي أيضاً أن يُعبِّروا عن اعتراضهم على حكومة ائتلاف الصدر والعبادي بالتظاهر في الشوارع، الأمر الذي يكمن به خطر يتمثل في بدء موجة جديدة من العنف.
تحديات أمنية في كردستان
بالإضافة إلى أن هناك تحديات أمنية أخرى قد تواجهها حكومة عراقية جديدة، فلا يزال إقليم كردستان العراق، المتمتع بالحكم الذاتي، يعاني تداعيات استفتاء الاستقلال غير الحكيم. كانت هناك اتهامات بالتزوير وترهيب الناخبين، وتنتشر مخاوف متزايدة من لجوء الشباب العاطلين عن العمل في المنطقة إلى العنف؛ لذا
يجب على أي حكومة جديدة في بغداد معالجة مشاكل الرواتب غير المدفوعة في إقليم كردستان وكسب ثقة المقاتلين البيشمركة.
ومع أن الحكومة العراقية أعلنت رسمياً النصر في حربها ضد تنظيم داعش في يوليو/تموز 2017، فلم يتحقق السلام التام بعد، ولم تنجح الحكومة حتى الآن في إصلاح الفشل السياسي، وضمنه الفساد السائد في القطاعات الحكومية، والانقسامات الطائفية التي سمحت بظهور تنظيم داعش في بادئ الأمر.
وترى مينا العريبي أنه يتعيَّن على الأحزاب السياسية أيضاً الاتفاق على إطارٍ عمل محدد للحكم، لا سيما عندما يتعلق الأمر بمكافحة الفساد. ويجب عليها ضمان عدم ترك الأمن المحلي للميليشيات، وتجنُّب خلق فراغ سياسي سيشغله المتطرفون دون شك. غير أن الصدر يستطيع مواجهة هذه التحديات مع الحلفاء المناسبين داخل العراق وخارجه.