مع اقتراب شهر رمضان، تُواصل أسعار الأرز في مصر الارتفاع، بينما يزيد نقصه في الأسواق، رغم تأكيدات الحكومة أنه لا توجد أزمة في مخزون البلاد من السلعة الرئيسية، وأن الأمر كله نابع من استغلال التجار.
ويُعتبر الأرز سلعةً استراتيجية في بلد يعيش فيه نحو 90 مليوناً، لكن البرلمان المصري أقرَّ في أبريل/نيسان الماضي، قانوناً يحظر زراعة المحاصيل الأكثر استهلاكاً للمياه (الأرز – قصب السكر – الكتان)، وحصر زراعتها في مساحات محدودة جداً، بعدما وصلت مفاوضات سد النهضة الإثيوبي إلى طريق مسدود.
هذا القانون، أثار مخاوف المزارع والمستهلك على حدٍّ سواء، كما أنه منح التجار فسحةً لتحقيق مكاسب كبيرة عبر تخزين كميات كبيرة من المحصول.
الحكومة: لا توجد أزمة
الحكومة المصرية أكدت مراراً عدم وجود أزمة، لكنها رفعت قبل أقل من أسبوعين سعر توريد طن الأرز من 6100 جنيه (350 دولاراً) إلى 6300، وأوقفت تسليم الأرز على بطاقة التموين واستبدلته بالمعكرونة، وقال مسؤولون حكوميون إن وزارة التموين بصدد استيراد كميات من الخارج، لكن الوزير علي مصيلحي قال إن ذلك لن يكون في حالة الحاجة المُلحَّة.
وأكد الوزير، الذي كان يتحدث للجنة الاقتصادية في البرلمان، يوم 13 مايو/أيار، أن مصر لديها ما يكفيها من الأرز حتى نهاية العام الجاري.
واقترحت وزارة الموارد المائية والري زراعة 740 ألف فدان من الأرز هذا العام، وهناك مناقشات جارية مع وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي لزيادة هذه المساحة بنحو مائة ألف فدان، بحسب مصيلحي.
قرار وقف تسليم الأرز على بطاقات التموين، بحسب الوزير، جاء لتلافي شراء نحو 35 ألف طن من الأسواق خلال شهر رمضان، وهو ما من شأنه أن يؤثر على حركة الأسعار.
وقال الوزير المصري، إن سعر كيلو الأرز يتراوح في الأسواق ما بين 7.5 إلى 8 جنيهات، بينما يصل الأرز المتميز إلى 8.5 جنيه.
المعكرونة بدلاً من الأرز: هناك نقص في الأسواق
لكن جولة في الأسواق المصرية تؤكد أن ثمة نقصاً في الأرز، وإن لم يصل إلى حد وصفه بـ"الأزمة". كما أن الأسعار التي ذكرها الوزير ليست دقيقة، إذا لا يقل سعر الكيلو من الأرز الجديد عن 10 جنيهات، ويصل سعر الفاخر إلى 13 جنيهاً. وإن كان هناك أرز بـ7.5 فعلاً، وهو رائج في الأسواق الشعبية. لكنه يحتوي على نسبة 40% من الكسر، كما قال أحد البائعين.
وأضاف البائع، الذي يملك رخصة توزيع التموين، أن المواطنين لم يتسلَّموا حصص الأرز في تموين الشهرين الماضيين، وأنه جرى استبداله بالسكر أو المعكرونة أو أي سلعة أخرى. مؤكداً أنهم كبائعين وصلتهم أنباء عن عزم الحكومة إلغاء توزيع الأرز على البطاقات التموينية خلال الفترة المقبلة.
ولفت إلى أن سعر شيكارة الأرز متوسط الجودة وزن 10 كيلوغرامات ارتفع من 125 إلى 145 جنيهاً خلال أقل من أسبوعين.
أحد المزارعين قال لـ"عربي بوست"، إن الغالبية قرَّرت تخزين المحصول للاستفادة به مستقبلاً، خصوصاً في المحافظات التي تعتمد على الأرز كغذاء رئيسي مثل الدقهلية وكفر الشيخ والشرقية. وأضاف "المزارعون عموماً لا يبيعون محاصيلهم للدولة، وإنما للتجار الذين يبيعون بدورهم للدولة".
فرصة لتحقيق أرباح كبيرة
هؤلاء التجار كما يقول المزارع، وهو من مدينة المنصورة في محافظة الدقهلية، يقومون حالياً بجمع كميات كبيرة وتخزينها لأنهم يعرفون أن الأسعار سترتفع جداً. مضيفاً "حالياً يشترون الطن بسعر يتراوح بين 5800 و6 آلاف جنيه. لكنهم يعرفون أنه سيتجاوز الـ7 آلاف قريباً".
غير أن هؤلاء التجار لن يتمكنوا من تخزين المحصول لفترة طويلة، لأنه بطبيعته لا يقبل التخزين لأكثر من عام، أو عام ونصف العام في حالة تبديره (رشِّه بنوع من الباودر يحميه من السوس)، بحسب المزارع، الذي أكد أن غالبية المعروض حالياً سواء من المزارعين أو من التجار هو خزين العام الماضي وليس محصول العام الجديد.
الأرز الشعير (غير جاهز للطهي) كما يقول المزارع يخزن في شون مرتفعة السقف وجيدة التهوية، ويتم وضعه على قطع من الخشب حتى لا تطاله الرطوبة. لكن هذا كله لا يجعله قابلاً للتخزين أكثر من عام ونصف العام. أما بعد تبييضه فإن التجار لديهم طرق لمنحه فرصة التخزين لشهور أخرى.
الأزمة: استغلال من التجار
في الوقت الراهن لا يوجد نقص في المعروض بقدر ما يوجد استغلال من التجار لقرار تقليص مساحات الأرز، وبالتالي لا يمكن القول إن هناك أزمة، وفق حديث خالد إبراهيم.
إبراهيم، وهو صاحب محل بقالة في منطقة عابدين، أكد لـ"عربي بوست"، أن الأرز متوفر في كل مكان، لكن الأسعار هي التي تتغير كل أسبوع تقريباً، الأمر الذي يدفع الناس للبحث عن الأنواع الأقل سعراً وجودة. مضيفاً "هناك أزمة فعلاً في أرز التموين، وهذه مشكلة الحكومة".
في المقابل، نفى ممدوح رمضان، المتحدث باسم وزارة التموين، ما تردَّد عن وصول سعر كيلو الأرز إلى 10 جنيهات، مؤكداً أنه يباع بـ6 جنيهات على بطاقة التموين.
وأضاف في تصريحات صحفية، أن الوزارة تراقب التسعيرة الإجبارية، وأن هناك العديد من المخالفات التي رصدتها الأجهزة الرقابية، ويتم اتخاذ الإجراءات القانونية تجاهها.
لكن مواطنة من محافظة أسيوط، في صعيد مصر، أكدت أن منافذ توزيع التموين لا تسلم الأرز أصلاً بأي سعر، لأنه غير موجود من الأساس، وأن القائمين على هذه المنافذ يؤكدون للناس أنه لن يكون متوفراً خلال الفترة المقبلة.
وقالت السيدة لـ"عربي بوست"، إن سعر الكيلو للأرز قليل الجودة لا يقل عن 9 جنيهات في السوق.
محمد سويد، مستشار وزير التموين والتجارة الداخلية، قال إن غياب الأرز في المجمعات الاستهلاكية لا يعني غيابه من الأسواق المصرية، موضحاً: "نقص الأرز هذه الأيام بسبب كراتين وشنط رمضان، التي تصبّ في مصلحة المواطنين الأكثر استحقاقاً، والأرز متوفر بكثرة داخل معارض أهلاً رمضان".
وتابع أن الشركات المورّدة للأرز في المجمعات الاستهلاكية تعد السبب الأول في الأزمة، مضيفاً أنه يمكن توفير كميات كبيرة من الأرز تصل لـ40 و50 ألف طن في المجمعات الاستهلاكية، ولكنه سيؤدي لرفع السعر.
ولفت إلى إمكانية استبدال المستحقات التموينية بأكثر من 50 منتجاً آخر في المجمعات الاستهلاكية، فضلاً عن التعاقد على 30 ألف طن مكرونة لتأدية نفس الغرض، متابعاً: "اقترب موعد حصاد محصول الأرز، والتجار الذين يقومون بتخزينه لن يستفيدوا من بيعه، بسبب انخفاض أسعاره".