بنصف جسد على كرسي متحرك، دأب الشاب المُقعد فادي أبو صلاح على الوجود اليومي في مخيمات العودة شرق مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، متحدِّياً إعاقته الجسدية ومؤكداً حقه في العودة إلى الأراضي الفلسطينية.
الشاب الثلاثيني مبتور القدمين منذ عام 2008 حين أصيب في غارة خلال الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة، لكن لم تُبتر همته في الدفاع عن أرضه أو المطالبة بحقوقه، فما ترك يوماً إلا وشارك في مسيرات العودة، التي انطلقت في 30 مارس/آذار 2018 شرق قطاع غزة.
إصرار على العودة
دراجة نارية صُممت بطريقة تناسب حالته الصحية، مزوَّدة بإطارين ومقعدين في الخلف، رافقت الشهيد أبو صلاح خلال مشاركته في مسيرة العودة، ومعه أطفاله الخمسة، الذين تتراوح أعمارهم ما بين سنة و8 سنوات، وزوجته آمنة أبو صلاح، قاطعاً مسافة 5 كيلومترات، حيث يسكن في بلدة عبسان الكبيرة شرق خانيونس.
وفي إحدى خيام العودة، كان يستقر الحال بأبو صلاح، متناولاً وجباته التي يصطحبها معه، ومُشعلاً النار على باب الخيمة، ومتجولاً في بعض الأحيان بأرجاء المخيم عبر دراجته برفقة أطفاله، شارحاً لهم تفاصيل النكبة التي حلّت بأجدادهم قبل 70 عاماً.
محمد أبو ريدة، رفيق درب فادي، يؤكد أن صاحبه كان مُصرّاً على الحضور اليومي إلى مخيم العودة شرق خزاعة، وكان يقول: "إذا احنا أصحاب الحق ما جينا ندافع عن حقنا مين رح يدافع عنا؟!".
ويضيف أبو ريدة، في تصريح خاص لـ"عربي بوست"، أن فادي كان يجلس ساعات طويلة في مخيم العودة، يشاهد الفعاليات الثقافية المختلفة، ويمازح جميع من يوجد بالمخيم"، فقد كان صاحب روح مرِحة مع كل من يلقاه.
لماذا قتلوه؟!
استقلَّ فادي دراجته النارية، الإثنين 14 مايو/أيار 2018، وانطلق إلى مخيم العودة شرق خزاعة؛ للمشاركة في مليونية "العودة وكسر الحصار"، ووقف إلى جانب الشبان بشارع جكر، إلى أن باغتته رصاصة قناص إسرائيلي أصابته في صدره؛ ما أدى إلى مقتله على الفور.
صديق فادي وشاهد العيان على الواقعة، أكد أنه لم يكن يُشكِّل خطراً على جنود الاحتلال الموجودين في مسافة بعيدة عنه، "وكان على كرسيِّه المتحرك، لم يرمِ حجراً أو يطلق صاروخاً، كان واقفاً بشكل سلمي"، على حد تعبيره.
لفادي 5 أطفال؛ 3 ذكور و2 إناث. شقيقه حمزة يحكي بحرقة، أنه كان يحلم أن يرى أطفاله شباباً يكبرون أمام عينيه؛ لأنهم كانوا بالنسبة له "بريق أمل في حياة بائسة"، كما يقول.
وأضاف حمزة، في اتصال هاتفي مع "عربي بوست"، أن شقيقه "لم يكن يشكل خطراً على جنود الاحتلال؛ فهو على كرسي متحرك، وأفقده الاحتلال قدميه في حرب 2008″، ويتساءل ودموعه تخنق حروفه: "ليش قتلوه؟!".
وختم بالقول: "ما ذنب أطفاله الخمسة أن يعيشوا اليُتم في هذه السن؟! حسبي الله عليك يا إسرائيل".
وفاق عدد الضحايا الفلسطينيين في قطاع غزة، خلال مليونية "العودة وكسر الحصار" 58، وُأصيب المئات بجراح مختلفة، وفق وزارة الصحة الفلسطينية.
وخرج آلاف الفلسطينيين، الإثنين، في قطاع غزة إلى الحدود الشرقية، في مليونية "العودة وكسر الحصار"؛ للمطالبة بحق العودة، عشية الذكرى الـ70 للنكبة الفلسطينية.