كشفت تقارير إعلامية عن وجود انقسامات داخل إدارة الرئيس الأميركي بشأن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، والذي أعلن عنه دونالد ترمب يوم 9 مايو/أيار الماضي، وذكرت صحيفة The New York Times الأميركية أن إدارة الرئيس ترمب كانت ولا تزال منقسمة بشأن قرار الانسحاب من الاتفاق الذي وقعته الدول الخمس الكبرى مع إيران سنة 2015.
وأكدت الصحيفة الأميركية أن الأيام التي سبقت الإعلان النهائي لقرار الرئيس ترمب بخصوص الاتفاق النووي، شهدت تباعداً لوجهات النظر بين وزير الدفاع جيمس ماتيس، الذي اعترض على الانسحاب من الاتفاق ومستشار الأمن القومي جون بولتون الذي كان من أشد الداعمين للقرار وفرض عقوبات جديدة على طهران، بينما وقف وزير الخارجية مايك بومبيو في الوسط مطالباً بتعديل الاتفاق دون الانسحاب.
فقبل خمسة أيام من انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترمب مما أسماه الاتفاق النووي الإيراني "المروع"، أبلغ وزير الخارجية مايك بومبيو دبلوماسيين من بريطانيا وفرنسا وألمانيا أنه يعتقد أنه لا يزال بالإمكان إنقاذ الاتفاق.
وحسب صحيفة The New York Times فقد أبلغ بومبيو الأوروبيين خلال مكالمة جماعية بتاريخ 4 مايو/أيار الماضي، أنه لو تمكن من الحصول على بضعة أيام أخرى للتفاوض، لكانت هناك فرصة أن يسد الجانبان الفجوة بشأن شرط الانقضاء التدريجي بالاتفاق، والذي تنتهي بموجبه القيود المفروضة على البرنامج النووي الإيراني خلال 7-13 عاماً.
وبحلول 7 مايو/أيار، حينما أجرى وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون جولاته في واشنطن، أصبح ذلك الأمل إلى زوال. وقام بومبيو بإبلاغه أن ترمب لم يقرر الانسحاب من الاتفاق الذي نظمه سلفه باراك أوباما فحسب، بل سيعيد فرض أقسى مجموعة من العقوبات على إيران أيضاً.
قضية معقدة داخل البيت الأبيض
وتوضح الأيام المحمومة الأخيرة التي سبقت إعلان ترمب أن الاتفاق يظل بمثابة قضية معقدة ومثيرة للخلاف داخل البيت الأبيض، حتى بعد أن ضم الرئيس لمجلس وزراء الحرب شخصيات مثل بومبيو ومستشار الأمن القومي الجديد جون بولتون. ويوضح كيفية الكشف عن ذلك الجدل مدى تحول توازن القوى بفريق الأمن القومي لترمب خلال عامه الثاني بالمنصب.
ويحظى بولتون بنفوذ قوي، كما يحظى بقناة تواصل مباشرة مع الرئيس وبالقدرة على مراقبة الأصوات التي يستمع إليها. ويبدو أن وزير الدفاع جيمس ماتيس، الذي اعترض على الانسحاب من الاتفاق ولكنه لم يؤيد الأمر حتى النهاية، أكثر انعزالاً. وربما يلعب بومبيو دوراً متأرجحاً بين عضو مجلس الشيوخ المتشدد السابق ومدير وكالة الاستخبارات المركزية، الذي يبدو عازماً على خوض مجال الدبلوماسية.
وذكر محللون أنه فيما وراء المناورة البيروقراطية، يكشف الجدل حول الاتفاق الإيراني شقاقاً بفريق ترمب – بين هؤلاء من أمثال ماتيس الذين يريدون تغيير سلوك الحكومات المعادية وهؤلاء من أمثال بولتون الذين يريدون تغيير الحكومات ذاتها.
وقال روبرت ليتواك، نائب رئيس ومدير الدراسات الأمنية الدولية بمركز وودرو ولسون الدولي للباحثين: "منذ 11 سبتمبر/أيلول، هناك توتر دائم في السياسة حول ما إذا كان ينبغي أن يتمثل هدف الولايات المتحدة تجاه الدول "المارقة" في تغيير النظام أو تغيير السلوك".
وذكر ليتواك أن هؤلاء الذي يؤيدون معسكر تغيير النظام يعتقدون أن تغيير السلوك، سواء من خلال فرض العقوبات أو ممارسة الضغوط العسكرية، غير ملائم، نظراً لأن التهديد يأتي من شخصية الأنظمة ذاتها.
وعلى مدار أكثر من عقد وخلال الصيف الماضي، دعا بولتون إلى "الإطاحة بنظام الملا" في طهران". وأخبر موقع "صوت أميركا" يوم الجمعة 11 مايو/أيار أن تغيير القيادة "ليس هدف الإدارة".
ولم يكن مجلس وزراء ترمب يتوخى الحذر قبل وصول بولتون. وكان ماتيس، بصفة خاصة، يشعر بالضغينة تجاه إيران ويرجع ذلك إلى أيامه السابقة كقائد بحري. وذكر اثنان من المقربين له أنه كان معارضاً للانسحاب من الاتفاق لأنه كان يخشى أن يؤدي الشقاق عبر المحيط الأطلسي بشأن إيران إلى تقويض تحالف الناتو وتعقيد المفاوضات الوشيكة مع كوريا الشمالية.
ورغم أن ماتيس كان يريد النضال من أجل الاتفاق، ليس واضحاً إلى أي مدى كان يتم الاستماع إلى رأيه. وذكر مسؤولون أن بولتون لم يعقد اجتماعاً رفيع المستوى لمجلس الأمن القومي مطلقاً من أجل بث المناقشات. وكان يقدم المشورة إلى ترمب في الجلسات الصغيرة؛ وبخلاف ذلك، كان يغلق باب مكتبه في الجناح الغربي. وذكر العديد من الأشخاص أن بولتون كان يحظى بعلاقة طيبة مع الرئيس، حيث يتحدث بمفردات "أميركا أولاً".
مستشار الأمن القومي يتفوق على وزير الدفاع
وحينما ألقى الرئيس كلمة إلى الأمة مساء الثلاثاء، كان خطابه يتضمن عبارات بولتون، الذي طالب من قبل بإلغاء الاتفاق منذ لحظة توقيعه. وأخبر بولتون الصحفيين بعد ذلك في البيت الأبيض "ليس هناك بالفعل ما أضيفه إلى كلمة الرئيس. كان هذا الاتفاق خطأً في الأساس. ولا يفعل ما ينبغي أن يفعله. ولا يمنع إيران من تطوير الأسلحة النووية".
وبينما يعزز بولتون قوته، يجد ماتيس نفسه في موقف منعزل. فقد خسر التحالف الذي أقامه مع وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون، الذي شاركه في محاولة إقناع الرئيس بعدم إلغاء الاتفاق خلال مناسبتين سابقتين.
ورغم أنه لم يكن مقرباً لسلف بولتون، إلا أن الجنرال ماكماستر طالب أيضاً بالحفاظ على الاتفاق. ومع رحيل كل من تيلرسون وماكماستر، لم يكن هناك من يدافع عن هذا الرأي سوى ماتيس.
وفي المستقبل، قد ينتهي الأمر ببومبيو في موقف وسط بين ماتيس وبولتون. وكان يطالب دائما أثناء تواجده بالكونغرس بإلغاء الاتفاق الإيراني. وتحدث بصفته مديراً لوكالة الاستخبارات المركزية خلال الصيف حول مزايا تغيير حكومة كوريا الشمالية – وهو موقف يتنصل منه منذ ذلك الحين.
ومع ذلك، فقد أثار إعجاب الدبلوماسيين الأوروبيين كوزير للخارجية من خلال رغبته في التفاوض على إدخال تعديلات للاتفاق، رغم مناهضة ترمب الواضحة لذلك.
وذكر مارك دوبوويتز، المدير التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات والمنتقد الصريح للاتفاق "لم يكن بومبيو يطالب بإلغاء الاتفاق. بل كان يرغب بشدة في تعديله، ولكن كان يحظى بمصداقية أيضاً لعرض ذلك على الرئيس".
وذكر مسؤولون أوروبيون أن بومبيو لم يكن يطمئنهم. بل حذرهم من أن المفاوضين يواجهون صراعاً شديداً، حيث كان ترمب ينزع بشدة إلى تنفيذ تهديده بالانسحاب من الاتفاق.
وقد أقر أن الجانبين حققا تقدماً حقيقياً نحو التوصل إلى تسوية. وبعد أسابيع من المفاوضات الشرسة، توصلت الولايات المتحدة وأوروبا إلى اتفاق جماعي في الرأي حول 90% من نصوص الاتفاق التكميلي المزعوم، بحسب أشخاص مشاركين في المحادثات.
غضب أوروبي لن يحرك ترمب
وحسب الصحيفة فإن الأوروبيين وافقوا على فرض قيود على برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني ومواجهة اعتداءات إيران في الشرق الأوسط، وهما اثنان من المطالب الثلاثة التي دعا إليها ترمب في يناير/كانون الثاني حينما أعلن أنه سينسحب من الاتفاق ما لم يوافق الأوروبيون على إعادة صياغته.
ومع ذلك، أصبح الطرفان في وضع حرج أمام اشتراط الولايات المتحدة بتمديد القيود المفروضة بالاتفاق على إنتاج إيران للوقود النووي إلى الأبد. واقترحت الولايات المتحدة أنه في حالة عدم التزام إيران على مدار 12 شهراً بوقف برنامجها النووي، سوف تتم إعادة فرض العقوبات بصورة تلقائية. واعتبرت أوروبا ذلك انتهاكاً للاتفاق.
وذكرت صحيفة The New York Times في مقال سابق أن الأوروبيين لا يشعرون بالغضب فقط؛ بل بالخزي أيضاً، وهناك علامات تشير إلى نفاد الصبر وإلى أن الكثير منهم يبحثون عن حلول بينما يخلق ترمب، تحت شعار "أميركا أولاً"، فراغاً في القيادة عبر المحيط الأطلسي، والذي يبدو أن الأوروبيين غير قادرين أو غير راغبين في ملئه.
وقال جيرمي شابيرو، المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأميركية ومسؤول الشؤون الخارجية الحالي بالمجلس الأوروبي: "لقد سئم الحلفاء من ذلك، ولكن يبدو أنه لا يوجد أي خيار أمامهم".
وعلى الأقل في الوقت الحالي. وبعد البيان الذي أدلوا به يوم الثلاثاء 8 مايو/أيار 2018، والذي يعرب عن أسفهم تجاه ردِّ ترمب، ويعِد بالتعاون مع إيران للحفاظ على سريان الاتفاق- من المقرر أن يلتقي وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا، يوم الإثنين 13 مايو/أيار 2018، مع المسؤولين الإيرانيين؛ "لدراسة الوضع بالكامل"، بحسب ما ذكره وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان.
وقد تحدث ماكرون هاتفياً بالفعل مع نظيره الإيراني حسن روحاني يوم الأربعاء 9 مايو/أيار 2018. وبعد ذلك، أصدر قصر الإليزيه بياناً يقول إن "إرادة فرنسا أن تواصل فرض الاتفاق النووي الإيراني بكل أبعاده"؛ ما قد يؤدي إلى توسيع الفجوة مع إدارة ترمب. وأشار البيان إلى "ضرورة أن تفعل إيران الشيء نفسه".
بينما يطالب البعض بمواصلة التحدث مع ترمب ومساعديه على أمل إقناعهم بالحاجة إلى التضامن عبر الأطلسي، فإن هناك نغمة مختلفة بدأت تظهر بعد أن شعر البعض بأن الكيل قد طفح. فهناك أصوات متزايدة تنادي داخل الاتحاد الأوروبي بالفراق مع السياسة الأميركية.