يجلس مجيب وحيدي فى شركته السياحية فى العاصمة طهران يستمع عبر التلفاز إلى كلمة للرئيس روحاني وسط مشاعر مختلطة بين الغضب والحزن، منذ أن أعلن الرئيس الأميركي قراره بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران.
مجيب وحيدي يبلغ من العمر 38 عاماً، تخرج من إحدى كليات اللغات، وبعدها بـ 5 سنوات سافر إلى دبي للعمل. يقول مجيب لـ"عربى بوست"، إنه فور تخرجه من الجامعة بحث طويلاً عن عمل ولم يجد، "حينها طلبت من أحد اصدقائي الإيرانيين المقيمين في دبي أن يجد لي عملاً، وسافرت إلى هناك للعمل في أحد المطاعم".
بمجرد أن توصلت إيران إلى الاتفاق النووي مع الدول الست الكبرى، تملكت الفرحة من مجيب كباقي الإيرانيين، وشعر حينها أن هناك بصيص أمل في إصلاح حال بلاده، "كنت أتابع المفاوضات ليلاً ونهاراً، وبمجرد أن توصلوا إلى الاتفاق هاتفت والدي، وحدثته عن رغبتي في العودة مجدداً إلى طهران، والبدء في عمل خاص بي، وشجعني على ذلك".
بعد عام من توقيع الاتفاق النووي، عاد مجيب إلى طهران محملاً بالآمال الكبيرة، وقد نوى افتتاح شركة سياحة صغيرة أملاً في عودة السياحة الأوروبية إلى إيران. "أشار صديق لي بفكرة شركة السياحة، فقد توقع أن الاستثمارات الأوروبية سوف تزيد في الفترة التي تلت الاتفاق النووي، وهذا ما يترتب عليه نشاط سياحي".
في بداية الأمر عانى مجيب من قلة نشاط شركته الجديدة، لكنه لم يكن يراها سيئة للغاية، "أعرف أن الأمور تحتاج لبعض الوقت، لذلك تحليت بالصبر، فمن الطبيعي أن لا تتحسن الظروف بين ليلة وضحاها".
بدأ القلق يتسلل إلى مجيب عندما تولى ترمب رئاسة الولايات المتحدة، وبدأ في تهديد إيران بالانسحاب من الاتفاق النووي، لكنه كان يمتلك قليلاً من الأمل، وحاول إقناع نفسه بأنها مجرد تهديدات وستمضي، "لم أتخيل أننا في لحظة تهور من رجل مختل عقلياً، نعود إلى العقوبات مرة أخرى وكأن شيئاً لم يكن".
كان قد صرح ترمب أنه سيعلن قراره بشأن انسحابه من الاتفاق النووي من عدمه فى يوم 12 مايو/أيار، يقول مجيب "من بداية هذا الشهر وأنا ينتابني القلق، ولا أريد أن يأتي يوم 12، ولكن فجأة وبدون سابق إنذار جاء قرار ترامب قبل موعده، ليقضي على كل ما حلمت به".
قرر مجيب على الفور ترك إيران والعودة مرة أخرى إلى دبي، هو بدأ يخسر بالفعل منذ بدأ ترمب في إطلاق تهديداته، إذ بدأت الحركة السياحية الأوروبية تشهد تراجعاً. بالنسبة له فقد أنهى قرار ترمب أحلامه، ولم يعد لديه أمل في أن يحل الرئيس الإيراني حسن روحاني الوضع المتأزم بعد انسحاب الولايات المتحدة.
وحتى إذا ما نجحت إيران في الحصول على ضمانات من الاتحاد الأوروبي تمكنها من الاستفادة الكاملة من مزايا الاتفاق النووي كما صرح روحاني، فلن يغير مجيب قراره ويمكث في طهران، "بالطبع لا، لن أتحمل فترة أخرى وأنا لا أعلم مصيري، غير أنني يئست من أن تتحسن الأحوال حتى بالاتفاق مع الاتحاد الأوروبي".
ليس من العدل أن يكون مصيرنا بيد دولة ظالمة
"هذا المجنون ترمب يقول إنه انسحب من الاتفاق من أجل الشعب الإيراني، وأنا أقول له لا نريد منك شيئاً، لقد أدخلتنا فى نفق مظلم"، كان الغضب مسيطراً تماماً على فرناز وهي تقول تلك الكلمات.
فرناز تمتلك شركة أدوات تجميل في مدينة شيراز بإيران أنشأتها منذ عامين، أي بعد إبرام الاتفاق النووي، وتقول فرناز لـ"عربي بوست"، إنه قبل الاتفاق النووي كانت تمتلك صالوناً للتجميل، "بعد الاتفاق فكرت في أن أتوسع في عملي، خاصة بعد أن تم رفع جزء من العقوبات على إيران، توقعت أن يكون أمر الاستيراد من الغرب سهلاً".
فرناز كانت تمتلك منزلاً كبيراً قامت ببيعه وتحويل ثمنه إلى دولارات لكي تتمكن من استيراد أدوات تجميلية لشركتها الجديدة، وهي الآن تستأجر منزلاً صغيراً.
"بعد الاتفاق كان عمل شركتي جيداً جداً، كنت أقوم باستيراد منتجات التجميل من إيطاليا وألمانيا، بعد أن كنت أشتريها بأضعاف أضعاف ثمنها من المهربين، تحسنت أحوالي وتحسن حال صالون التجميل، لدرجة أني مددت ساعات العمل به لساعتين زيادة، وأصبح لدي 8 عاملات".
ترى فرناز أن الفضل في نجاح عملها الجديد وتوسع القديم يرجع إلى الرئيس روحاني ووزير خارجيته جواد ظريف، فتقول "عانى الرجلان كثيراً خلال المفاوضات، وعانا أيضاً من تعنت المحافظين ضدهم بسبب الاتفاق، سعدت كثيراً أنهم تمكنوا من عقد هذا الاتفاق".
وأضافت "كنت مطمئنة ولا أعرف السبب، اعتقدت أنه من شبه المستحيل أن نعود للوراء مرة ثانية".
على عكس مجيب، لم تخش فرناز تهديدات ترامب بالانسحاب من الاتفاق، بل كانت تنوي إشراك صديقة لها في عملها للتوسع.
تقول فرناز إنها أصيبت بالصدمة عقب سماعها قرار ترامب، "كنت نائمة وأيقظتني ابنتي لكي أسمع قرار ترمب الملعون، لا أعلم ماذا سأفعل الآن، ليس من العدل أن يكون مصيرنا بين أيدي دولة مثل الولايات المتحدة".
لن نتحمل العودة للعقوبات مرة ثانية
عرفان هو صيدلاني يبلغ من العمر 40 عاماً يعيش في العاصمة طهران، ويمتلك صيدلية خاصة به، يقول لـ"عربي بوست"، إنهم عانوا في القطاع الصحي من قلة الأدوية المتاحة بسبب العقوبات، "بدأنا نعتمد على البدائل القادمة من الصين، لكن هذا لم يحل الأزمة".
يقول عرفان إنه بعد الاتفاق النووي بدأت شركات الأدوية في إيران باستيراد أنواع كثيرة من الأدوية من فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، "ساعد ذلك على انتعاش سوق الأدوية، فكان لدي رفوف كثيرة في الصيدلية فارغة تماماً من الأدوية، لكنها الآن امتلأت".
لكن هل تعود رفوف صيدلية عرفان فارغة مرة أخرى بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي؟، يرى عرفان أن الأمر أكثر تعقيداً بالنسبة لقطاع الرعاية الصحية عن باقي القطاعات فيقول "أزمتنا الحقيقة أننا نستورد تلك الأدوية بالدولار الأميركي، ومنذ أن أعلن ترمب قراره بالانسحاب انهار الريال الإيراني بنسبة كارثية أمام الدولار، وتلك مشكلة كبيرة بالنسبة لنا".
قبل الاتفاق النووي كان عرفان يشعر بالعجز كلما أتى إليه مريض يطلب دواء معين ولا يجده، ويبدو أن الأمر سيتكرر مرة ثانية، "لا يمكننا العودة والعيش تحت شبح العقوبات مرة ثانية، نحن نرسل مرضانا إلى الموت بسبب تلك العقوبات والقرارات الهوجائية من قادة لا يشعرون بنا".
يكمل عرفان حديثه بكل أسى قائلاً "تخيل أن يأتي إليك مريض بالسرطان أو السكري، وتقول له علاجك غير موجود، وكل هذا بسبب أمور لا ذنب لنا بها".
بالنسبة لكل من عرفان وفرناز ومجيب، ثلاثتهم مجمعون أن الأسوأ قادم، وأن الأيام القادمة ستتسبب في خسائر كبيرة لهم، وسيعاني الشعب الإيراني من جديد. وبغض النظر عن توجهاتهم السياسية، لكنهم كانوا متفقين أن الاتفاق النووي جاء بالخير عليهم، وبالتالي هم لا يتخيلون العودة من جديد لنقطة الصفر، وربما ما هو أسوأ.