مصطفى أبو شاقور أكاديمي وسياسي ليبي، من مواليد 1951، عارض نظام القذافي منذ السبعينيات عندما كان بالولايات المتحدة، في مايو 1984، حاولت الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا الإطاحة بنظام القذافي، وأدى فشل ذلك إلى إعدام الكثير من المعارضين الليبيين، الذين قد درسوا في الولايات المتحدة، واعتقال عدد آخر.
وفي أثناء ثورة 17 فبراير/شباط 2011، انضم أبو شاقور إلى ممثلي المجلس الوطني الانتقالي بالخارج، وانتخب المؤتمر الوطني العام الليبي في 2012 مصطفى أبو شاقور، مرشح الجبهة الوطنية المحسوب على التيار الإسلامي، رئيساً جديداً للحكومة بعد منافسة حادة مع رئيس تحالف القوى الوطنية محمود جبريل.
التقاه "عربي بوست" ليجري معه الحوار التالي حول وضع المشير خليفة حفتر في المشهد الليبي، والأموال المجمدة بالخارج، وآفاق حل الأزمة في ليبيا.
أموال الليبيين ضاعت..
- كنتم من المسؤولين عن ملف الأموال والأرصدة الموجودة في الخارج إبان وجودكم على رأس الحكومة.. هل عرفتم أين ذهبت أموال الليبيين؟
نظام القذافي لم يستثمر أموال الليبيين داخل ليبيا طوال 40 سنة، ولهذا بقيت البنية التحتية كما هي ولم تتطور، مما انعكس على كل مجالات الحياة، وجزء كبير من الأموال نهب من قِبل القذافي وأولاده والمحيطين بهم.
وهناك خبراء عالميون أعانوا القذافي على إخفاء أمواله بصفات متعددة وبأسماء مختلفة، ونعتبر ذلك غسل أموال؛ لأنها أموال منهوبة ومسجلة بأماكن أخرى، وهذا مخالف للقوانين الدولية.
عندما كنتُ على رأس الحكومة كنت أبحث عنها، وخاصة الأموال الكبيرة، وكانت هناك محاولات لاسترجاعها، ولكن الوقت لم يسعفنا، ثم انقطعت المجهودات بعد 2012؛ لأن الحكومات التي جاءت بعدُ لم تستعن بنا وأهملت الموضوع رغم أننا قدمنا تقريراً مفصلاً بذلك.
- أين هي الأموال المنهوبة.. في دول عربية أم أجنبية؟ وهل تعاونت هذه الدول معكم؟
الدول العربية بالذات لم تتعاون معنا في ملف الأموال المنهوبة، لكنّ غالب الأموال موجود في أوروبا وسويسرا، وهناك أيضاً الاستثمارات والصناديق الاستثمارية التي تمتلك مشروعات، مثل الفنادق في بلدان مختلفة، وهذه تختلف عن الأموال المنهوبة والمسجلة بحسابات سرية.
كان هناك تعاون مع الحكومة السويسرية واتفاق كبير سيحدث، وكانوا في انتظار تشكيل حكومة لإعادة الأموال، لكن بعد أن خرجنا من الحكومة لم يُستعد شيء.
وبعض الأموال قد يتم التصرف فيها؛ لأن أصحاب الحسابات يملكون صلاحية الوصول إليها حتى الآن.
حفتر لا محل له
- خليفة حفتر.. اسم ظهر على مسرح الأحداث في ليبيا بقوة في 2014، وهو عسكري قديم وكانت له صلات سابقة بالمعارضة الليبية في زمن القذافي، ومع ذلك هو طرف أساسي في الصراع الحالي بليبيا، كيف ذلك؟
من بداية 2014 عندما خرج حفتر بانقلابه التلفزيوني على الدولة، لينهي الربيع العربي والانتقال الديمقراطي في ليبيا ويحولها لنظام حكم عسكري، واقترحت عليه بعض الدول فكرة "الحرب على الإرهاب".
استغل أن مجموعة "أنصار الشريعة" مصنفة "إرهابية" وضرب كل بنغازي؛ للاستيلاء على المنطقة ثم توسيع نفوذه ليشمل كل ليبيا، كان مع القذافي كضابط قديم وأسير حرب في تشاد، ثم أحيل إلى التقاعد، ومع ذلك كان يريد أن يكون رئيس الأركان عندما عاد لليبيا بعد الثورة.
- لكن، كانت لكم كمعارضة صلة سابقة به؟
المعارضة الليبية في الخارج وجبهة الإنقاذ هما من أخرجا حفتر من السجن في تشاد، ومع ذلك أنا رفضت هذا المسار رغم كوني أحد مؤسسي جبهة الإنقاذ؛ لأني كنت أراه عنصراً مثل القذافي وفقط عنده ثأر شخصي؛ لأنه احتقره وامتهنه، وانقطعت علاقتي بالجبهة بسبب ذلك، ثم انقلب عليها حفتر فيما بعد. قبل 10 سنوات من الثورة، تواصل مع القذافي، وكان يغدق عليه الأموال، وأصبح مع زملائه مقربين من النظام.
- حفتر يتلقى راتباً من طرابلس حتى الآن، لكن هذا لا يكفي قواته التي تسيطر على معظم مناطق شرق ليبيا، السؤال هنا: من يدعم حفتر؟
مصر والإمارات دعمتا حفتر بالأموال والعساكر، لوأد الربيع العربي، خاصة في ليبيا التي كانت عنصراً أساسيا بالربيع العربي وكان يمكن أن تكون تجربة انتقال ديمقراطي حديثة وتحقق الرفاه لمواطنيها، لكنهم أرادوا وأد التجربة في ليبيا كهدف ثانٍ بعد أن أفشلوها بمصر.
المخابرات المصرية موجودة في المنطقة الشرقية وتدير أغلب الأمور هناك، ويريدون صنع نظام عسكري بليبيا يحاكي النظام في مصر، رغم أنه لا توجد مؤسسة عسكرية بليبيا مثل مصر، لكنهم راهنوا على حفتر ليقوم بذلك.
- هل تدعمه دول أوروبية أيضاً؟
هناك دولٌ أوروبيةٌ مثل فرنسا وبريطانيا، وربما أميركا؛ لأنه رفع شعار محاربة الإرهاب، رغم أنه لا يوجد تعريف واضح للإرهاب.
نحن قلنا إن الجهة التي ترفض الاعتراف بالدولة وتستخدم القوة لإملاء شروطها تعتبر إرهابية، وهذا التعريف يجعل حفتر جزءاً من الإرهاب في ليبيا وهو لا يملك أي شرعية، ورغم ذلك يتسلَّم راتبه من الحكومة؛ لأن الحكومة لم تقطع الرواتب عن أحد، سواء من يحارب مع الدولة أو يحارب ضدها.
هو لا يأتمر بأمر الدولة، وليس لديه أي موقع بعد أن تقاعد.
-
هناك حالة أمنية متدهورة للغاية في بنغازي بالشرق، وهناك عمليات اغتيالات واسعة حدثت هناك ولا تزال.. مَن المسؤول عن الاغتيالات في ليبيا؟
هناك جهات كثيرة مشاركة في الاغتيالات، وحفتر لا يُستبعد أن يكون متورطاً أيضاً، بعضها قام به إسلاميون متشددون، وبعضها مجرمون لتصفية حسابات، وعناصر نظام سابق ومخابرات أجنبية، وليس هناك تحقيق حقيقي لمعرفة من ارتكب الجرائم، وكل هذه الجرائم الفظيعة لزعزعة النظام في البلد.
- هل هناك مواقف أوروبية متباينة تجاه ليبيا.. تحديداً فرنسا وإيطاليا؟
الاتحاد الأوروبي ليس دولة موحدة، فإيطاليا تنظر إلى ليبيا كبُعد اقتصادي؛ لأن الاقتصاد الإيطالي يعتمد كثيراً على ليبيا، بينما الفرنسيون لهم أطماع أخرى؛ لأن لهم وجوداً بجنوب ليبيا وتاريخاً من الوجود في إفريقيا، وبريطانيا لها أطماع أخرى، وأميركا تركز على حرب الإرهاب وليس أي شيء آخر.
أرض ليبيا مستباحة
- أين توجد القوات الأجنبية في ليبيا؟
ليبيا بلد واسع وكبير، ولا توجد حكومة مركزية لديها هذه المعلومات.
وفي أيام الثورة كانت هناك قوى أجنبية محدودة، بعضها عناصر مخابرات، لكن لم يكن هناك جيش أو وجود كبير. ولاحقاً، تزايد حضورهم في بنغازي، خاصة القوات الفرنسية، حتى إن بعضهم قُتلوا في حوادث متفرقة، والإماراتيون لديهم قاعدة عسكرية بالشرق فيها طائرات حربية وأخرى للاستطلاع.
- إذا فشل مسار الحل السياسي كما يبدو حالياً في ليبيا، فهل سيكون هناك حل عسكري من قِبل أحد الأطراف؟
الخيار العسكري ليس خياراً متاحاً؛ لأنه لا توجد قوات عسكرية ليبية قادرة على الهيمنة على البلد كله، وهذا جانب إيجابي؛ لأننا لا نريد للعسكر أن يعودوا لحكم ليبيا مرة أخرى.
لكن الكتائب موجودة وصارت متمكنة في ليبيا وتملك قوة حقيقية، ولن ينتهي دورها بطريقة سهلة.
الانتخابات خيار غير واقعي
- لماذا لا يذهب الليبيون لانتخابات كما توصي الأمم المتحدة ومبعوثها غسان سلامة؟
لا يتوافر الجو المناسب لإجراء الانتخابات، جرَّبناها في السابق وزادت الأمور تعقيداً، بالإضافة أن كل من يربح الانتخابات لا يريد أن يترك منصبه، يعني من انتخبناهم في 2012 لا يزالون موجودين لليوم! وجاء بعدهم برلمان لم يسلِّم السلطة، واستمر البرلمان وانتخبنا برلماناً آخر ثالث ولا يزالون كلهم موجودين حتى الآن!
يصعب أن تكون هناك انتخابات شفافة في ليبيا الآن مثل 2012، حيث كان هناك استقرار وانتخابات نزيهة ومناخ إيجابي.
مثلاً، إذا أجرينا انتخابات رئاسية فهل يستطيع مرشح من طرابلس أن يذهب لبنغازي، أو لو ترشح حفتر مثلاً فهل يستطيع أن يقف في طرابلس ليشرح برنامجه، هذا بالطبع غير ممكن..
- أنتم متهَمون بأنكم لم تبنوا مؤسسات في فترة وجودكم بالحكومة للحفاظ على مكتسبات المرحلة وإنجاز الانتقال المطلوب بعد الإطاحة بالقذافي؟
فترتنا كانت قصيرة جداً 8 أشهر فقط، ونحن جئنا وليست هناك مؤسسات بالدولة، ولم استطع مثلاً في ذلك الوقت أن أكلم الشرطة ليؤمِّنوا لنا مقراتنا، وحتى مكتبي في طرابلس لم يكن محميّاً.
ودخْل البلد من البترول كان قد توقف تماماً، استطعنا أن نرفع إنتاج البترول من 100 ألف برميل إلى مليون و600 ألف خلال 4 أو 5 أشهر، وسنة 2012 كانت الأعلى دخلاً في تاريخ ليبيا.
بعد خروجنا سلّمنا الحكومة فائضاً أكثر من 30 مليار دينار/ ولم نكن قادرين على صرف هذه الأموال، والانتخابات نحن من حققنا الأجواء لإجرائها، لكن هناك عدم إنصاف لنا.
بدأنا بناء المؤسسات، ومن جاء بعدنا ألغى هذه المؤسسات، يعني مثلاً التعليم انتظم في عهدنا،
لكن من جاء بعدنا، حكومة علي زيدان وغيرها، لم يراكموا على هذه الجهود أو يكملوها.
المستقبل أولى بالتفكير
- نعود للمسار السياسي.. لماذا بعد كل هذا الكم من جلسات الحوار لم تصلوا لاتفاق ناجح؟
جلسات الحوار بالصخيرات أخذت في الاعتبار كل وجهات النظر، ووضعت الحلول التي كانت قادرة على إخراج من البلد الفوضى، لكن بعض الأطراف رفضت تبني رؤية الحل، وخاصة مجلس النواب في طبرق، الذي رفض، رغم أنه كان ينبغي أن يعدّل الإعلان الدستوري ليكون اتفاق الصخيرات جزءاً منه، ورفض أن يعتمد حكومة الوفاق، لكننا اعتمدناها في الخارج بتوقيع شخصي.
والحقيقة أن مجلس النواب مختطف؛ لأنه لا يمكن أن تجلس في اجتماع ويأتي من يغلق عليك الباب أو يمنعك من التصويت، ومجلس النواب حتى الآن ما زال عنده حكومة اسمها حكومة الثني في البيضاء، رغم أنه اعترف باتفاق الصخيرات الذي يلغي هذه الحكومة.
الأمم المتحدة حاولت المساعدة في الحوار مدة سنة كاملة، رغم أنه كان يمكن أن ينتهي في 3 أشهر، وتدخَّلت دول عربية بالدرجة الأولى لإفشال هذا الاتفاق السياسي.
كانوا يخافون من أن يؤدي الاستقرار في ليبيا إلى حكم الإسلاميين، رغم أن الليبيين 99% على مذهب واحد، لكن استمر التخويف من الإسلام السياسي .
- هناك من يقول إن ليبيا لم تعرف دولة وطنية قديمة وراسخة، ولهذا فالروابط العائلية والقبلية والمناطقية هي الأساس، وهذا يمنع قيام دولة حقيقية حديثة؟
عبر التاريخ، لم تكن هذه الدول موجودة، كانت هناك مناطق، وليبيا بالمعنى الحديث هي صنيعة الأمم المتحدة في 1951، كانت فيدرالية ثم دولة موحدة يحكمها الملك إدريس السنوسي.. وهذه مشكلتنا بالعالم العربي أننا نعيش في الماضي..
- لكن الثورة رفعت شعارات تاريخية أيضاً، ورفعت عَلم الملكية قبل القذافي وهتفت للملك إدريس؟!
كانت عفوية لتُظهر وحدة ليبيا، لم يكن الثوار قادرين على رفع العَلم الأخضر الذي يرمز إلى القذافي،
رفع الثوار عَلم الاستقلال (وليس علم الملك)، لكننا نريد أن نعيش في المستقبل وليس الماضي.