صوَّر نفسه وهو ينتظر الذهب الروسي .. اليساري المخضرم الذي ترك الثورة لتشييد الجسور يقترب من رئاسة المكسيك

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/07 الساعة 18:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/07 الساعة 18:41 بتوقيت غرينتش

تسلَّلتْ سراً لتستمع إلى الرجل الذي يُبشِّر بالثورة في هذه المدينة الجنوبية الشرقية القائظة الحر، وبعد هذا اللقاء انضمت على الفور إلى قضيته.

مَرَّ أكثر من 3 عقود منذ أن حضرت تيريزا جابر هذا اللقاء، لتشاهد الرجل الذي سيُلقِّبونه فيما بعد بـ"آميلو".

قالت تيريزا، مُستذكِرةً التجمُّع السري الذي عُقد عام 1987: "أتذكَّره وهو يقول: البلد لا يمكن أن يكون ملكية خاصة لـ4 أو 5 أشخاص'".

وقبل أن يرسل أتباعه لنشر رسالته، تتذكر تيريزا آميلو وهو يُقدِّم تنبؤاً أخيراً تلك الليلة. وتقول إنَّه أخبرهم: "سأصبح رئيس المكسيك".

وبعد 31 عاماً، يبدو أنَّه قد يكون محقاً.

ففي ظل استعداد المكسيك لانتخاب رئيسها المقبل، في الأول من يوليو/تموز 2018، يُعَد آميلو، أو باسمه الكامل أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، أوفر المرشحين حظاً، حسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

إذ تمنح استطلاعات الرأي، اليساريَّ صاحبَ الشعر الفضي -البالغ من العمر 64 عاماً، والذي يحمل تحالفه اسم "معاً سنصنع التاريخ"- تقدُّماً بفارقٍ كبير عن أقرب منافسيه؛ ريكاردو أنايا (39 عاماً)، وهو محامٍ يتزعَّم تحالفاً يجمع بين اليمين واليسار، ويبلغ الفارق بينهما -وفقاً لاستطلاع نشرته وكالة Bloombergنحو 17.5%  .

ويحل مرشح الحزب الثوري المؤسساتي الحاكم خوسيه أنطونيو ماييدا في المركز الثالث.

تعهدات صادمة: السيطرة على صناعة النفط والعفو عن المتورطين في حرب المخدرات

وفي أثناء الحملة الانتخابية، تعهَّد آميلو بإعادة السيطرة على صناعة النفط المكسيكية، ودراسة إصدار عفو عن أولئك المتورطين في حرب المخدرات المدمرة بالمكسيك، وتحدِّي "مافيا" البلاد القوية السارِقة.

وقد لاقت هذه الرسالة الأخيرة المتعلقة بالمافيا تأييداً واسعاً، في بلدٍ غاضب ومُحبَط من فضائح الفساد المثيرة للذهول، وضمن ذلك داخل النخبة الحاكمة.

قالت مارغريتا جارثيا رودريغيز، وهي ربَّة منزل وأم لـ3 أطفال، في أثناء تجمُّع جرى مؤخراً لآميلو بمنطقة التمدد الصناعي المحيطة بالعاصمة المكسيكية: "لوبيز أوبرادور هو الخيار الوحيد. إن لم يتمكَّن من مساعدتنا، فلا أحد آخر بإمكانه ذلك. سينهار النظام بأكمله".

وآميلو هو صديق لزعيم حزب العمال البريطاني جيرمي كوربن وزوجته المكسيكية لورا ألفاريز، ونشر مؤخرا تغريدةً في حسابه على "تويتر"، أرفقها بصورة له مع كوربن، وعلَّق عليها: "كنا في البرلمان البريطاني بناءً على دعوة من جيرمي كوربن، زعيم  حزب العمال".

 هل يتحول إلى مستبدٍّ يدمر الاقتصاد على غرار تشافيز؟

ستُدمِّر سياساته العتيقة الاقتصاد المكسيكي، هذا ما يتخوف منه منقدوه وخصومه، الذين يُصوِّرونه باعتباره مستبداً على غِرار الزعيم الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز .

قال خورخي كاستانيدا، أحد مديري حملة أنايا ووزير الخارجية المكسيكي السابق: "إنَّه يؤمن بالقومية عتيقة الطراز، وسيطرة الدولة عتيقة الطراز، والدعم (الإعانات) واسع النطاق عتيق الطراز".

واتهم آميلو رجال الأعمال البارزين بالاستفادة من الفساد واستخدام نفوذهم في التأثير على السياسات الاقتصادية.

ويقول أليخاندرو راميريز، الرئيس التنفيذي لأكبر رابع سلسلة سينمائية في العالم، Cinepolis de Mexico SA، إن رجال الأعمال قلقون من أن يلجأ شخص يطمح إلى أن يصبح رئيساً إلى اللجوء للغة مثيرة للشقاق.

وذهب إلى اتهام آميلو بمحاولة القضاء على المعارضة باستخدام تكتيكات مشابهة لتلك التي استخدمها الرئيس دونالد ترمب.
وقد وصف المرشح اليساري، في بعض الأحيان، قادة الأعمال التجارية بأنهم جزء من "مافيا السلطة"، وفي الآونة الأخيرة قال إنهم "مهرِّبو نفوذٍ" أكثر من كونهم رجال الأعمال.

هل نستمر في هذا الرعب؟

رغم هذا السجال، سعى آميلو لتهدئة مثل هذه المخاوف عن طريق تسمية فريق من الخبراء الحاصلين على تعليمٍ عالٍ ليُمثِّلوا حكومته، والتعهُّد لقادة الأعمال بأنَّه "لن يكون هناك أي مصادرة ولا تأميم" إن فاز.

ينفي آميلو الاتهامات بأنَّه يسعى لإعادة ثاني أكبر اقتصاد في أميركا اللاتينية إلى الماضي. وقال في تجمُّعٍ له جرى مؤخراً: "إن كان هذا الرعب الذي نعيشه الآن هو ما يرغبون في منحنا إياه بالمستقبل، فالماضي هو الأفضل إذاً".

لكن مع اقتراب انتخابات يوليو/تموز 2018، يتمثَّل رد المكسيك على "مشروع الخوف" في تكثيف عملياتها، في محاولةٍ أخيرة لإحباط مساعي آميلو للوصول إلى السلطة.

وقال كاستانيدا، وهو شخصية رئيسية في المساعي التي تهدف إلى إفشال حملة آميلو عبر تصوير تولِّيه رئاسة المكسيك باعتباره انهياراً للبلاد: "هذا رجلٌ يُمثِّل البديل الخاطئ للمكسيك. إنَّه تَعِب وعجوز وعفى عليه الزمن. وهو مُحاط بالمجانين ولديه أفكار عتيقة".

وأضاف: "الناس لا يذهبون إلى تجمُّعاته أو يستمعون إليه أو يُصدِّقونه لأنَّه يتحدث بذكاء أو ببلاغة أو بكاريزما؛ بل يذهبون بسبب ما يُمثِّله: نهاية النظام".

في انتظار الذهب الروسي

وقف الرجل، ذو الشعر الرمادي، ينظر إلى البحر ويضحك بهدوء، في انتظار غواصة روسية محتملة تحمل شحنة من الذهب.

هذا ليس جزءاً من رواية بوليسية، لكنّه مشهد ظهر به المرشح المكسيكي آميلو في شريط فيديو ساخراً من مزاعم تلقيه دعماً سرياً من موسكو.
وتصاعدت مزاعم التدخل الروسي في الانتخابات، وقد بدأت بتصريحات مستشار الأمن القومي الأميركي السابق هربرت ماكماستر، بأن هناك "علامات أولية" للتدخل الروسي في المكسيك. ولم يقدم أي تفاصيل.

لكن الحزب الحاكم بالبلاد جعل هذه الادعاءات تشكل لَبِنة مركزية في حملته ضد آميلو.
ورداً على ذلك، نشر المرشح اليساري هذا الفيديو، الذي قال فيه مازحاً إنه كان ينتظر غواصة لإحضار "الذهب من موسكو"، وقال إنه يُعرف الآن باسم "أندريس مانويلوفيتش".
وقد نشرت كل من صحيفة "Washington Post" ووكالة"Bloomberg" مقالات رأي تحاجج بأن فوز آميلو لصالح موسكو. وقد تم استغلالها من قِبل الحزب الحاكم، حسبما ذكر تقرير آخر لصحيفة The Guardian.

بدأ حياته بالدفاع عن السكان الأصليين وعاش بينهم

قصة آميلو بدأت في بلدة تيبيتيتان على نهر تاباسكو، حيث وُلِد في نوفمبر/تشرين الثاني 1953، ليكون الأول بين 7 إخوة.

اليوم، يقف تمثالٌ نصفي للابن الأشهر للمدينة مُنتصباً خارج أحد منازل طفولته، إلى جانب لافتة كُتِب عليها "وجه الأمل".

أصبح آميلو نشطاً سياسياً في أواخر السبعينيات، فانتقل إلى ناكاجوكا، وهي منطقة شمال عاصمة ولاية توباسكو، فيلاهرموسا، تُعَد موطناً لشعب شونتال مايا من السكان الأصليين (الهنود الحمر)؛ كي يعمل ممثلاً محلياً للمعهد الوطني للسكان الأصليين.

كتب خوسيه أغوستين أورتيث بينشيتي، في سيرة ذاتية جديدة للثناء على صديقه بعنوان "Amlo: With his Feet on the Ground": "حمل لوبيس أوبرادور على عاتقه هذا الدور كما لو كان هذا مصيره، وأدَّاه بروح تبشيرية. فذهب للعيش بكوخ مثل الذي تعيش فيه عائلات السكان الأصليين".

تذكَّر بينشيتي أنَّه خلال السنوات الست التي قضاها آميلو في المنطقة الفقيرة، كيف كان هو وأسرته ينامون في الأراجيح الشبكية، وتحمَّلوا "درجات الحرارة التي تتجاوز الأربعين درجة مئوية كما في إفريقيا"، ولم يكن لديهم سوى مروحة واحدة لتلطيف الجو. كانت تلك بمثابة تجربة جعلته مُصِرّاً على أن يرى المكسيك تخضع لحكم الأكثرية لا الأقلية.

هناك مواقف تجعلهم يثقون بوعوده

من مثل هذه المواقف اكتسب آميلو تأييداً ضخماً من القاعدة الشعبية. فقالت غليندا خاسو أكوينو، وهي امرأة منحدرة من شعب شونتال مايا كانت تعرف المرشح الأوفر حظاً في ذلك الوقت: "أياً كان ما يقول، فإنَّنا نؤمن به، وأياً كان ما يقول، فهو ينفذه. إنَّه رجل يفي بوعوده".

تذكَّرت خاسو نضال آميلو ضد شركة النفط الحكومية المكسيكية "Pemex"، وإقامته معسكرات للاحتجاج خارج مكاتبها؛ لإجبار الشركة على دفع تعويضات للسكان الأصليين والمزارعين الذين تلوثت أراضيهم. وقالت: "آميلو كان الشخص الوحيد الذي اعترض بوضوح على الأمر".

دفع سعي آميلو السياسي إياه، في نهاية المطاف، للانتقال من تاباسكو إلى عاصمة البلاد، مكسيكو سيتي. وفي عام 2000، انتُخِب عمدةً لمكسيكو سيتي، وتعهَّد بـ"جعل الفقراء أولوية، من أجل صالح الجميع".

كيف كانت تجربته عندما أصبح عمدة العاصمة؟

لاقت إدارته العاصمة قبولاً؛ إذ هزم اليسار، خصومه، في انتخابات مكسيكو سيتي اللاحقة، بعد أن دعم أسعار تذاكر قطارات الأنفاق، ووفَّر رواتب للمواطنين من كبار السن والأمهات العزباوات، وشيَّد طرقاً سريعة مرتفعة. وندد المنتقدون بهذه المشروعات باعتبارها شعبوية، ولكنَّهم سرعان ما أقموا مثلها في مناطق البلاد الأخرى.

يقول كارلوس برايو ريخيدور، الأستاذ بمركز التعليم والبحوث الاقتصادية في المكسيك: "إذا نظرت إلى الطريقة التي يدير بها مكسيكو سيتي، لقد كان أبعد ما يكون عن التطرف".

بعد تجربته في مكسيكو سيتي، بدأ يتطلع إلى الرئاسة. وخسر بفارق ضئيل في محاولته الأولى للفوز بالرئاسة في عام 2006، وبعد ذلك زَعَم بطريقة مثيرة للجدل، أنَّه كانت ضحية عملية تزوير في الانتخابات، وتزعَّم على أثر ذلك معسكر اعتصام دامَ أشهراً في القلب السياسي لمكسيكو سيتي. وفي عام 2012، هُزِم مجدداً في الانتخابات.

ولكن.. لماذا أصبح مخيِّباً لآمال بعض مؤيديه رغم ازدياد فرصه بالفوز؟

منذ الهزيمة الثانية، سعى آميلو لإظهار صورة أكثر اعتدالاً، مُخيِّباً بذلك آمال بعض أتباعه القدامى مثل تيريزا جابر، التي تعمل الآن محامية، والتي كانت تأمل زعيماً أكثر ثورية. وقالت: "لم يعُد آميلو ذلك الثوري الذي كان عليه في تلك السنوات".  

وسواء كان آميلو ثورياً أو لا، يعتري كثيراً من المحللين الثقةُ بأنَّه في وضعٍ حصين مع اقتراب يوم الاقتراع، حتى لو أظهر استطلاع رأي حديث أنَّ شعبية منافسه الرئيسي تزداد.

فقد سئم العديد من الناخبين المكسيكيين الآن للغاية من النظام، وأصبحت الفكرة التي تدور بعقولهم هي: "نريد فحسب، التخلص من هؤلاء الأشخاص، وحسناً، كما تعلمون، دعونا نمنحه  فرصة".

يأمل آميلو ومؤيدوه أن يحصل، في الأول من يوليو/تموز 2018، أخيراً على هذه الفرصة.

 

علامات:
تحميل المزيد