لم يكن 7 مايو/أيار 2018 يوماً مزهراً في سجلِ "تيار المستقبل" كما أراد، وذلك بعد أشهر من التعويل على هذا التاريخ.
فبدلاً من أن يخرج رئيس مجلس الوزراء، سعد الحريري، منتصراً بتكتل نيابي، أطل في مؤتمر صحفي عقده في بيت الوسط، استعرض فيه نتائج الانتخابات، حيثُ قال: "النتائج تعطي التيار كتلة من 21 نائباً. كنا نراهن على كتلة أكبر. لكن (المستقبل) كان يواجه باللحم الحي مشروعاً إقصائياً".
بداية، عدم تشجع الناخبين
قراءات كثيرة حول تراجع كتلة الحريري، من 33 نائباً إلى 21، من عدم تشجع الناخبين على الذهاب إلى صناديق الاقتراع بسبب الغياب الإنمائي والخدماتي، إلى التحالفات الداخلية.
إضافةً إلى تراجع الثقة بعد أزمة استقالته من الرياض و"صدمته الإيجابية"، ثم تريُّثه وتراجعه عن الاستقالة، ما شتَّت المؤيدين، الذين لم يعودوا ينظرون إليه على أنه "الزعيم السنِّي القوي".
لا سيما مع "التيار الوطني الحر"، والتي لم ترضِ كثيرين في الشارع السني، وصولاً إلى "هيبة رئاسة الحكومة" التي كانت محط أنظار الكثير من القيادات السنية، التي لم تكن مؤيدة للطريقة التي يتصرف بها الحريري.
وإن ما يحدث بالمنطقة في ظل التوسع الإيراني بسوريا على حساب السعودية، والتنافس بين القوتين السعودية والإيرانية وتأجيج الصراعات في العراق واليمن، أسفر عن تقليل التدخل السعودي في الشؤون اللبنانية، الأمر الذي تقوم بعكسه إيران في لبنان، وقد انسحب ذلك على نتائج صناديق الاقتراع التي اكتسحها الثنائي الشيعي؛ أي حركة أمل وحزب الله.
صدمة تشرين
في مراجعة سريعة لما حصل في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، فقد كانت المفاجأة المصيرية بالمسيرة السياسية للحريري، يوم حطَّت طائرته في المملكة العربية السعودية، ولم يكن هناك صف من أمراء سعوديين أو مسؤولين حكوميين، كما هو المعتاد، لاستقبال الرجل كرئيس لوزراء لبنان في زيارة رسمية للاجتماع مع الملك سلمان بن عبد العزيز، كما نقلت وكالة "رويترز".
وبالطبع، لن يروق للشارع السنِّي أن يرى زعيمه قد تمت مصادرة هاتفه الجوال، وفي اليوم الثاني أُجبر على تلاوة بيان استقالته كرئيس للوزراء، في بيان بثته قناة "العربية".
وقالت مصادر قريبة من الحريري، لـ"رويترز"، إن السعودية كانت قد خلصت إلى أن الحريري
ليس مستعداً لمواجهة حزب الله؛ إذ إن الحريري أبدى موقفه حول كيفية التعامل مع حزب الله في لبنان، وقال إن المواجهة معه سوف تزعزع استقرار البلاد، فلم يعجب السعوديين ما سمعوه".
إذاً وبحسب نتائج الانتخابات الأولية فمن الواضح أن استقالة الحريري والمسائل الإقليمية المتشابكة أثرت كثيراً في مسيرته، إلا أن هناك وجوهاً سُنية كثيرة، وعلى الرغم من مواجهة الحريري إياها قبل الانتخابات وتعهده بأنه سيتقدم عليها، فقد حققت نتائج كاسحة.
أبرزها رئيس مجلس الوزراء السابق نجيب ميقاتي، والنائب في البقاع الغربي عبد الرحيم مراد، الذي جاء الحريري الى منطقته وتوعده بالفوز عليه، إلا أن "رياح الناخبين لم تأتِ كما يشتهي الحريري".
وبما أن الرئيس نجيب ميقاتي من أبرز المنافسين على مقعد رئاسة الحكومة المقبلة، والذي عمل على المحافظة على "هيبة الرئاسة" في عهده وبقيَ مقرباً من الشارع السنِّي حتى بعد مغادرته منصبه، فقد انعكس ذلك في صناديق الاقتراع.
هذا ما يريده المزاج اللبناني
المستشار السياسي للرئيس ميقاتي، الدكتور خلدون الشريف، علَّق في حديثٍ لـ"عربي بوست"، على نتائج الانتخابات، التي حاز فيها ميقاتي -الذي رأس "لائحة العزم"- 4 مقاعد مقابل 3 للحريري، الذي حاولَ دخول المدينة من أبواب مشايخها تارةً ومن نوافذ أخرى مرات أخرى.
وقال الشريف: "من الواضح أن المزاج اللبناني لم يعُد متخذاً بالشعارات والعناوين الكبرى؛ بل إن اللبنانيين يريدون من يحفظ ويحقق لهم حقوقهم من طِبابة وتعليم وغيرهما، وهذا ما أثر على نسبة الاقتراع في كل لبنان"، معتبراً أن تكتلَي الحريري والتيار الوطني الحر لم يقوما بما كان متوقعاً.
وفي ظل أجواء اليأس الشعبي، أوضح الشريف ما جرى في طرابلس، أكبر مدينة تحتضن الطائفة السنية بلبنان، قائلاً إن "ميقاتي كان مع الناس طيلة 9 سنوات -أي منذ الانتخابات الأخيرة- وحفظَ مصالح السنّة من جهة، والسِّلم الأهلي من جهة أخرى".
وأضاف أن "رباعية ميقاتي النيابية تعني أن بوصلة المدينة والبوصلة السنّية وبوصلة مصالح الناس يعبر عنها ميقاتي الذي كرَّسَ زعامةً سُنية".
كما لفت إلى أن الرئيس ميقاتي سيكون مع كل من يريد مصلحة المدينة ومن يسعى إلى مكافحة الفساد، مؤكداً أننا "ذاهبون نحو تحالفات جديدة".
وعما إذا كانت السعودية كفَّت يدها عن الحريري، الذي قال في بداية حملته الانتخابية "ذاهبون إلى الانتخابات من دون مصاري"، اكتفى الشريف بالقول: "من الواضح أن السعودية لم تتدخل في الانتخابات وتعاملت معها كاستحقاق لبناني بحت، ولعبت دور المراقب".
تراجع الحريري أصبح أمراً واقعاً
من جانبه، قال المحلل السياسي ومدير مركز الارتكاز للإعلام، سالم زهران، الذي كان اسمه متداولاً في بورصة الترشيحات عن المقعد السني بدائرة بيروت الثانية، في حديثٍ لـ"عربي بوست" إن "تراجع الحريري أصبح أمراً واقعاً بالأرقام، فقد تراجعت كتلته من 33 إلى 21، وهي تضم وجوهاً سُنية مثل وليد البعريني ومحمد القرعاوي اللذين لم يقطعا علاقتهما مع سوريا حتى هذه اللحظة".
معتبراً أن الحريري انهزم في طرابلس والبقاع الغربي، وكاد ينهزم ببيروت".
وقال إنّ الأسباب تعود الى أنّ "المستقبل" لم يَبنِ مؤسسة حقيقيّة، ما انعكس على ماكينته الإنتخابيّة، كما أنّ السعودية لم تؤمّن غطاءً له، فهي لم تعمل ضدّه، كما أنّها لم تعمل معه"، وأوضح أنّ البيئة الشعبية لـ"المستقبل" أظهرت أنّها لا تريد تحالفه مع "التيار الوطني الحر".
وقال: "لم تكن حملة الحريري الإنتخابيّة كما يريد المجتمع، فالناس لم تكُن بانتظار صور السيلفي ولا الوعود، إضافةً الى أنّ نواب المستقبل غابوا عن الشارع بعكس وجوه سنيّة أثبتت قربها من الناس والشارع مثل الرئيس ميقاتي وعبدالرحيم مراد وفيصل كرامي وجهاد الصمد".
ولفت إلى أنّ كتلة الحريري تضمّ أكثر المقاعد السنيّة وهي 16، لكنّه ليس الأقوى في الطائفة السنيّة".