تعكف دول أوروبية على تسليم الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، الأسبوع المقبل، خطة لإنقاذ الاتفاق النووي مع إيران، في وقت بدأت فيه أيضاً بالعمل على حماية العلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي وطهران، إذا نفذ ترمب تهديده وانسحب من الاتفاق، وفقاً لما ذكرته 6 مصادر لوكالة رويترز.
ويقول مسؤولون إن ترمب قرر أن ينسحب في 12 مايو/أيار 2018، من الاتفاق المبرم عام 2015 والذي يصفه بأنه "كارثة"، ويستعد لرفض جهود يبذلها الأوروبيون منذ 4 أشهر لتبديد مخاوفه.
لكن فرنسا وبريطانيا وألمانيا تسعى لأن تقدم للبيت الأبيض اتفاقاً سياسياً منفصلاً يحمل التزاماً باتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه إيران، إذا تمكنوا من التوصل في الوقت المناسب إلى اتفاق مع وزارة الخارجية الأميركية، شريكهم الأميركي في المحادثات.
وعبَّرت عدة مصادر عن تشكُّكها في أن الجهود ستُكلَّل بالنجاح، وقالت جميعها إن الأوروبيين يعملون أيضاً على سيناريوهات للحد من الأضرار إذا فشلت.
أمل ضئيل بالنجاح
دبلوماسي أميركي كبير قال لوكالة رويترز: "لدينا أسبوع لنواصل الحديث مع الأميركيين، ونرى ما إذا كان بإمكاننا التوصل إلى توافق بشأن الاتفاق (…)، لكني لا أعتقد أن هناك أي سبب يدعو للإفراط في التفاؤل".
ولا يشمل الاتفاق السياسي، الذي يتوِّج جهوداً دبلوماسية عبر الأطلسي، أطراف الاتفاق الأخرى؛ إيران أو روسيا والصين.
ويسعى الاتفاق لأن يوضح لترمب أن أوروبا ستحاول احتواء برنامج طهران للصواريخ الباليستية ونفوذها في سوريا واليمن، والشروط التي يزور بموجبها المفتشون المواقع الإيرانية المشتبه فيها، والبنود التي تحدد أجَلاً لبعض شروط الاتفاق.
وفي حين أن الأوروبيين والأميركيين ضيَّقوا خلافاتهم، فإنهم ما زالوا يجدون صعوبة في الاتفاق على كيفية تلبية طلب واشنطن في تمديد بعض القيود على برنامج إيران النووي، دون إعادة التفاوض على الاتفاق الموقَّع في يوليو/تموز 2015.
وقال دبلوماسي أميركي كبير ثانٍ: "نحن نحاول إيجاد الصيغ المناسبة التي تفي بتوقعات الأميركيين دون أن تتعارض مع الاتفاق"، معتقداً أن "ثمة فرصة في التوصل إلى اتفاق، لكن حتى لو نجحنا في ذلك، فإنني لست على قناعة بأن ذلك سيكون كافياً لمنع الانسحاب الأميركي".
وفي حزمة عروضهم لترمب، يتعامل الأوروبيون مع رغبة أميركية في توضيح أنه يتعين على إيران إتاحة وصول المفتشين الدوليين للمواقع العسكرية. ويقول الأوروبيون إن هذا وارد ضمناً بالفعل في الاتفاق الأصلي.
في حين قال دبلوماسي ثالث شارك بالمناقشات: "هناك رأي أميركي بأن بنود التفتيش ليست قوية بما يكفي رغم أن الأوروبيين لا يرون ذلك".
شراء الوقت وإجراءات الطوارئ
من جانبه، يواصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الضغط على ترمب، لكن مع كون أن يغير ترمب رأيه احتمالاً بعيداً، فقد تحوَّل التركيز إلى التعامل مع التداعيات وتجنب حدوث فراغ خطير.
وكان ماكرون اقترح، خلال وجوده في واشنطن الأسبوع الماضي، أنه بغض النظر عن قرار ترمب، يجب أن يكون هناك نقاش أوسع بين إيران والقوى التي تساند الاتفاق، الذي استغرق التفاوض بشأنه 12 عاماً، للعمل بشأن صفقة كبرى.
وستشمل تلك الصفقة الاتفاق النووي الحالي وقضايا محل نقاش حالياً بين الأوروبيين والأميركيين. لكن من الصعب رؤية كيف يمكن إعادة إيران إلى الطاولة، لا سيما أن طهران تقول إنها ملتزمة بشروط اتفاق 2015 ولا نية لديها للتفاوض بشأنه مرة أخرى.
وتقول فرنسا وبريطانيا وألمانيا إنها ستظل ملتزمة بالاتفاق حتى لو انسحبت الولايات المتحدة منه، وستحاول حماية وتعزيز التجارة مع إيران والتي زاد حجمها منذ أن رفع الاتحاد الأوروبي معظم عقوباته الاقتصادية على طهران.
مخاوف على الاقتصاد
وقفزت صادرات إيران للاتحاد الأوروبي -وهي بالأساس الوقود ومنتجات الطاقة الأخرى- عام 2016 بنسبة 344 في المائة إلى 5.5 مليار يورو (6.58 مليار دولار) مقارنة مع العام السابق، في حين ارتفعت الاستثمارات في الجمهورية الإسلامية إلى أكثر من 20 مليار يورو.
وقال مسؤول فرنسي إنه إذا لم يتسنَّ إقناع ترمب بعدم الانسحاب، فإن "ثاني أفضل الحلول هو تشجيع الأميركيين على الحفاظ على الظروف التي تمكِّن شركاتنا في القطاعات غير النفطية من مواصلة العمل".
وذكرت وزارة الاقتصاد الألمانية أنها تنتظر قراراً أميركياً رسمياً بشأن اتفاق إيران قبل أن تقرر ما إذا كانت ستوقف تقديم ضمانات تصدير للشركات الألمانية للدخول في صفقات تجارية مع طهران. وتوفر ضماناتٌ من هذا القبيل حماية للشركات في التعامل بالخارج عندما يتقاعس المدينون الأجانب عن السداد.
ويمكن أن تمثل إمكانيات التجارة مع أوروبا أداة للأوروبيين لتهدئة الإيرانيين وإثنائهم عن اتخاذ قرارات متسرعة، مثل ترك الاتفاق أو إحياء الأنشطة النووية التي وافقوا على التخلي عنها.
وقد تشمل الإجراءات المضادة قانوناً وضعه الاتحاد الأوروبي في التسعينيات، لكنه لم ينفَّذ بشكل كامل، وذلك لحماية الشركات الأوروبية التي تتعامل مع إيران من التحركات القضائية الأميركية إذا أعادت واشنطن فرض العقوبات.
لكنَّ خطط الاتحاد الأوروبي لمواصلة تدفق الأموال إلى إيران تتطلب موافقة الولايات المتحدة على تسهيلات ائتمانية للصادرات غير المقومة بالدولار وغيرها من أشكال الدعم المالي لمساعدة الشركات على دخول إيران دون الخوف من التداعيات القانونية الأميركية.
وذكر مسؤولان أوروبيان أن إحياء قوانين حماية الشركات لن يعدو أن يكون مجرد خطوة رمزية لتُظهر للإيرانيين أن أوروبا ملتزمة بالاتفاق. وفي الواقع العملي، ستخشى الشركات من أن يضر الاستثمار في إيران بمصالحها التجارية مع الولايات المتحدة.
ووافق مسؤول إيراني كبير على ذلك الطرح، وقال: "هناك أفكار جيدة لتظهر أن الأوروبيين ملتزمون بالاتفاق، لكننا نعتقد أنه إذا كان عليهم الاختيار بين إيران والولايات المتحدة فسيختارون أميركا".