عندما احتشد آلاف من أنصاره للاستماع إليه، فاضت مياه الصرف الصحي بالأرض لأسباب غامضة في المكان.
حتى القبعة القبلية ذات اللونين الأحمر والأسود والمزدانة بنقوش من العناكب التي اشتهر بها، والتي أصبح آلاف الباكستانيين يرتدونها، باتت محظورةً بشكل غير رسمي.
ورغم كل هذه الإجراءات وغيرها، ما زال منظور الشاب العشريني ذي الحضور الطاغي، والذي نادراً ما يظهر دون قبعة "الباشتين" على رأسه، يقود حركة حماية البشتون، التي زلزلت أركان باكستان بنقدٍ لاذع غير مسبوق لنفوذ القوات المسلحة، حسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
وتتهم الحركة الجيش بالضلوع في ارتكاب قائمة مطولة من الإساءات في المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية، وهي مناطق على الحدود مع أفغانستان، والتي تخضع لسيطرة أقلية البشتون القوية، البالغ تعدادها 15 مليوناً، والتي تتهم باحتضان مجموعات إرهابية متنوعة.
لماذا أطلق عليه غيفارا باكستان؟
مع أن بشتين ملتزمٌ بنهج التظاهر السلمي، فإن عنفوان شبابه وخطاباته النارية وقبعته المميزة دفعت البعض إلى مقارنته بتشي غيفارا.
وما يميز حركة حماية البشتون كتهديد خاص على الجيش الباكستاني، الذي يحكم البلاد لأكثر من نصف عمرها البالغ سبعين عاماً، هو أن المزاعم التي تطلقها الحركة تشبه تلك التي يطلقها المسؤولون الغربيون، أي أن الجيش يتعامل مع قضية الإرهاب بازدواجية، إذ يدعم سراً الجماعات التي تستهدف الهند وأفغانستان.
ردّت الحكومة الباكستانية على اتهامات الحركة بحملة قمع، وبحظر التظاهرات ومضايقة مؤيدي الحركة.
وأعلن عن اختفاء تسعة نشطاء تابعين للحركة في كراتشي، العاصمة الاقتصادية الجنوبية لباكستان. وحاول متظاهرون مؤيدون للجيش في تجمهر نهاية الأسبوع الماضي في سوات، منع دخول حشد يبلغ قوامه 25 ألف متظاهر.
وفي حشدٍ في لاهور، في 21 أبريل/نيسان، دعا بشتين إليه تحدياً للحظر الحكومي للتظاهرات، هتف حوالي 8000 شخص، يرتدي العديد منهم قبعات البشتين، بعبارات: "الجيش يدعم الإرهابيين"، وهو شعارٌ يحمل دلالة خاصة في مقر الجيش في راولبندي.
وقال بشتين لجمهوره إنه قد حضر إلى لاهور، المدينة التي تقطنها نسبة ضعيفة نسبياً من البشتون، لـ"يفضح ممارسات الجيش ضد البشتون". وإلى يمينه عُلق ملصق ضخم يظهر شارعاً مدمراً يملؤه الحطام، في مدينة شمالي وزيرستان، سوّاها الجيش بالأرض جزئياً، أثناء حملة عسكرية عام 2014 ضد طالبان باكستان.
آلاف مِن حالات الاختفاء القسري
ويُرجع الفضل إلى هذه الحملة التي قام بها الجيش في تقليل عدد الوفيات الناجمة عن الهجمات الإرهابية لأكثر من الثلثين. غير أن الحركة قالت إن مواطني البشتون العاديين وجدوا أنفسهم في مرمى النيران، ويخضعون منذ ذلك الحين لإهانات أثناء فرض حظر التجول ونقاط التفتيش والعقاب الجماعي على يد القوات المتمركزة للحفاظ على النظام.
وتولِّد ما تسمى بحالات "الاختفاء القسري" حالةً خاصةً من الحزن. وتعاملت لجنة حكومية مع ما يقرب من 5000 حالة منذ عام 2011، غير أن الجماعات الحقوقية تقول إن هذا العدد يقلل من حجم المشكلة الحقيقي.
في حين يقول منظور بشتين في تسجيلاته الصوتية، التي تبث بشكل يومي عبر شبكات التواصل الاجتماعي، إنه منذ بداية الحرب على الإرهاب عام 2001 وحتى الآن، فُقد أكثر من 30 ألف شاب بشتوني على يد السلطات الباكستانية والاستخبارات، لا يُعرف مصير الكثير منهم، فيما تجد أسرهم جثث بعضهم بين الفينة والأخرى.
وفي إحدى خطبه قال: "وفقاً للدستور، يخضع كل من ارتكب جرماً للمحاكمة خلال 24 ساعة. غير أن العديد من الناس قد قُبض عليهم ولا يزالون مفقودين".
ثم ارتفع صوته إلى ما يشبه الصراخ، وهتف في الجمع المحتشد أمامه: "هل أنتم مع الطغاة؟" ويطالب بشتين صغار الجند بعصيان أوامر قيادتهم العليا، فيما اعتبره البعض خيانة للوطن.
ويعضّ أحد الحضور من إقليم بنجاب ضمن الجمع المحتشد على شفتيه وهو ينظر خلفه بقلق، ويقول، بعد أن اشترط عدم الكشف عن اسمه: "من اللافت أن نسمع أمراً كهذا، ولكني لا أدري ما الذي ينذر به لباكستان.
توقفوا عن الإشارة لاسم الجيش بالملائكة
وغالباً ما يُرمز إلى الجيش الباكستاني بـ"المؤسسة"، أو في حالة الخوف من جواسيس المخابرات يشار إليه بـ"الملائكة". غير أن الحال بدأ يتبدل في أوساط مؤيدي حركة حماية البشتون.
ويقول شهر الله خان، الذي "اختفى" أخوه من متجر لبيع حقائب السفر عام 2016: "قبل أن تظهر الحركة لم نكن نتكلم في أي شيء حتى في غرف نومنا عن المخابرات المدنية والعسكرية". ويضيف أنهم بعد أن شعروا بالأمان نظراً لكثرة عددهم: "يمكننا الآن أن نقول كل ما في أذهاننا وقلوبنا".
ويقر قادة الحركة أن بعض حالات الاختفاء يمكن أن تكون ذات صلة بطالبان، غير أنهم يرون ضرورة عرض الحالات جميعها على المحكمة لمواجهة ما يقال لهم من تهم.
ويرفرف علمٌ أبيض، يرمز لالتزام الحركة بالتظاهر السلمي، فوق المسرح. ويقول المحلل فازي زاكا، إنه من بين الأسطوانات المشروخة التي يساعد بشتين في القضاء عليها، أن "البشتون مجموعة عرقية مسلحة خلقت للنزاعات". ويُحاجج قادة البشتون بأنهم ضحايا لطالبان، أكثر مما يجري تصويره في وسائل الإعلام على يد من يستضيفون الإرهابيين، فأحدهم، وهو علي وزير، شهد مقتل أفراد من عائلته.
ولكن سبق أن قال منظور بشتين، في تسجيل صوتي له بث عبر صفحته على "فيسبوك"، إن "الحكومة تسعى لاستخدام كل الطرق والوسائل لقمع اجتماعاتنا الجماهيرية، وعليها أن تعي أن تلك الحركة مستمرة، وأن استخدام القوة في وجهها سيخرجها من الحالة السلمية إلى ما قد لا تطيقه البلاد".
موتي قد يكون مفيداً للناس
ويشي رد الجيش على الحركة بغضب خانق في أوساطه. فالجنرال باجوا، رئيس أركان الجيش الباكستاني قد أشار ضمناً إلى الحركة باعتبارها "محرَّكة" من جانب أعداء باكستان. وبات محظوراً على وسائل الإعلام إيراد أي أخبار عن الحركة.
وحتى الآن لم تعلن أي جهة خارجية دعمها لها، سوى الرئيس الأفغاني أشرف غني، الذي اعتبر نشاط الحركة نضالاً لأجل الأمن في المنطقة. حسبما ورد في تقرير لصحيفة العربي الجديد، ولكن يطالب الكثيرون، ومنهم قيادات الحركة، عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ومن خلال خطاباتهم، الولايات المتحدة الأميركية والقوى الإقليمية والدولية بالوقوف إلى جانبهم، ولكن أي دعم أجنبي قد يُعرّض الحركة لمخاطر أكبر، إذ سيثبت ما تدعيه السلطات الباكستانية بأن الحركة تعمل لصالح قوى أجنبية.
وبعد أن اكتشفت الحكومة عدم قدرتها على إيقاف نمو الحركة، عقد الجنرال نذير أحمد اجتماعاً الأسبوع الماضي مع قادتها، لمناقشة "المظالم المشروعة"، في إشارة إلى قائمة من خمس نقاط، بمطالب من بينها نزع الألغام، ومعاقبة ضابط شرطة في كراتشي متهم بالقيام بعمليات قتل خارج إطار القانون و"لجنة حقيقة ومصالحة" لحل أزمة الاختفاء القسري.
ويقول ناشط الحقوق المدنية جبران ناصر، إن "نجاح الحركة" يتمثل في "إقرار بعض ضباط الجيش" بعد سنوات من الإنكار "بوجود بعض التعديات".
ويخبر بشتين صحيفة The Guardian البريطانية من المقعد الخلفي لسيارة تقله ليغادر الجموع، أنه غير قلق بشأن التهديد المحتمل لحياته.
ويقول: "في البدء قالت أسرتي إنها ستطردني من المنزل، ولكنهم الآن يقولون لي إن قتلت فستكون على الأقل قد قمت بشيء مفيد للناس".