أعلنت السلطات التركية اعتقال مساعد أبي بكر البغدادي، الزعيم الهارب لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أثناء محاولته التخفي بين اللاجئين للوصول إلى أوروبا.
وذكرت وسائل الإعلام التركية، أن قوات الأمن ألقت القبض على قصير الهداوي، أمير تنظيم داعش في محافظة دير الزور، التي تقع شرقي سوريا، خلال حملة شنَّتها في مدينة إزمير غربي البلاد، صباح الجمعة 27 أبريل/نيسان، واعتقلت ثلاثة قياديين آخرين كانوا برفقته، وفقاً لصحيفة The Telegraph البريطانية.
وأفادت التقارير أن الأشخاص الأربعة كانوا يتخفون وسط مجموعة من اللاجئين السوريين، يُخطِّطون للوصول إلى اليونان على متن مركب. وكانت قد تسلَّلَت إلى أوروبا سابقاً عناصر من داعش، متخفين كلاجئين، ثم نفَّذوا هجماتٍ إرهابية هناك.
وفي هذه الأثناء، ضبطت شرطة الاتحاد الأوروبي "يوروبول" مُخَدِّماتٍ (سيرفرز) تُستَخدَم في الدعاية للتنظيم، وصادرت كذلك أدلةً رقمية في عملية وُصِفَت بأنها "ضربةٌ قوية" للشبكة الإعلامية للتنظيم.
مقرب من زعيم داعش
وبحسب الصحيفة البريطانية، كان الهداوي، والمذكور في أوراق المحكمة بالأحرف الأولى من اسمه (K E H)، ضمن الدائرة المقربة من البغدادي، وفقاً لما ذكرته السلطات التركية.
ولا يزال البغدادي هارباً، حتى مع انهيار خلافته المزعومة في سوريا والعراق. وتشير الاحتمالات إلى أنَّه أُصيبَ في ضربةٍ جوية، ويختبئ شرقي سوريا قرب الحدود مع العراق.
وتأمل الوكالات الاستخباراتية الغربية والتركية أن يدلي الهداوي بمعلومات مُفصَّلة حول مكان اختباء البغدادي.
وقال حسن حسن، من كبار الزملاء في معهد التحرير الأميركي لسياسات الشرق الأوسط، إنَّ الهداوي يُعد أحد قادة الصفوف الوسطى للجماعة الجهادية.
وذكرت وكالة الأناضول التركية، أن الهداوي مسؤولٌ عن مذبحةٍ قُتِلَ فيها 700 مدني في دير الزور، خلال فترة إمارته للتنظيم هناك، في إشارةٍ إلى مقتل المئات من أبناء عشيرة الشعيطات السنية، التي انتفضت ضد سيطرة التنظيم في عام 2014. وردَّ التنظيم بقتل حوالي 1000 مدني عُثِرَ على جثثهم في مقابر جماعية بعدها بسنوات.
والهداوي هو صهر أحد أقارب صدام الجمل، المقاتل السوري الذي انشق عن الجيش السوري الحر، وانضم إلى داعش، ليصبح أحد قياداته. وشارك لاحقاً في إنتاج مقاطع الفيديو لعمليات الإعدام التي ينفذها التنظيم، بحسب الصحيفة البريطانية.
وأفادت تقارير بأن القوات الكردية المدعومة من الغرب تمكَّنَت من اعتقاله أثناء تقدُّمها في وادي نهر الفرات، في أكتوبر/تشرين الأول.
ولم تُشِر السلطات التركية إلى الرجال الثلاثة الذين اعتُقِلوا مع الهداوي سوى بـ"M M"، و"M E Z" و"Ö M"، بجانب أنها نشرت صوراً غير واضحة لهم، يبدو فيها أن جميعهم من الشباب.
وكشفت "يوروبول" أن العديد من الدول الأوروبية، منها بريطانيا، نفَّذت، بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية، هذا الأسبوع، عمليةً تهدف إلى التعرُّف على المسؤولين عن إدارة الدعاية للتنظيم الجهادي، وربما أيضاً الوصول إلى داعمي التنظيم داخل أوروبا وأماكن أخرى.
وصادرت قوات الشرطة المشتركة، خلال العملية التي نُفِّذت يوميَ 25 و26 أبريل/نيسان، مُخَدِّماتٍ تابعة للتنظيم في هولندا وكندا والولايات المتحدة، وكذلك أدلة رقمية في دولٍ أخرى.
داعش اختفى من الأرض وظهر على شبكات التواصل الاجتماعي
وذكرت "يوروبول" في بيان أصدرته يوم الجمعة، أن مُحقِّقين في جرائم مكافحة الإرهاب في بريطانيا تولَّوا عملية تحديد وإعادة توجيه مسجلات نطاق عالية المستوى كانت تستغلها عناصر داعش، بحسب الصحيفة البريطانية.
وبرغم أن القوات السورية والعراقية استعادت العام الماضي الكثيرَ من الأراضي من قبضة داعش، فإنه لا تزال المنصات الإلكترونية التي يُروِّج التنظيم أفكاره من خلالها منتشرة.
يقول المفوض الأوروبي للهجرة والشؤون الداخلية والمواطنة، ديميتريس أفراموبولوس، إن "داعش" لم يعد يتلقى هزائم على الأرض فقط، وإنِّما على منصات الإنترنت أيضاً، مؤكداً: "لن نتوقف حتى نقضي تماماً على الدعاية الخاصة بهم على الإنترنت".
واستهدفت الحملة تحديداً وكالة أنباء "أعماق" التابعة للتنظيم، التي أعلن من خلالها مسؤوليته عن عددٍ من الهجمات الإرهابية في أوروبا ومناطق أخرى.
وقال المدير التنفيذي لشرطة "يوروبول" روب ويينرايت: "من خلال هذه العملية غير المسبوقة، أحدثنا فجوةً كبيرةً في قدرة داعش على نشر دعايته عبر الإنترنت ونشر التطرُّف بين الشباب في أوروبا"، بحسب الصحيفة البريطانية.
واستهدفت الحملة أيضاً محطات إذاعية إلكترونية، ووكالة أنباء "ناشر" التي يبث التنظيم من خلالها بياناته الرسمية والفيديوهات، غالباً عبر تطبيق الرسائل "تليغرام".
وقد توخَّى الخبراء الحذر -مع ذلك- أثناء عمليات البحث عن الوسائل الإعلامية للتنظيم، حول مدى تأثير هذه الحملة الرقمية، لكن بدا أن موقع "أعماق" قد سقط بالفعل.
المنشورات ما زالت تتوالى
ونشر داعش، في يوم 27 أبريل/نيسان وحده، ما لا يقل عن 7 منشورات من "أعماق" و"ناشر"، عبر قنوات تطبيق "تليغرام"، من بينها مقطع دعائي حول دمشق بينما كانت تحت حكمهم، وفيديو حول عملية إرهابية نفَّذوها ضد مدرعةٍ مصرية في سيناء.
وفي هذا الصدد، علَّقَ أمارناث أماراسينجام، زميل باحث رفيع في معهد الحوار الاستراتيجي لمكافحة التطرُّف: "لم أرَ تراجعاً كبيراً في نشاط التنظيم الإعلامي، من حيث المنشورات. من الضروري الوصول لفهم أفضل حول الأشخاص المستهدفين (من هذه الدعاية) وأماكنهم"، بحسب الصحيفة البريطانية.
من جانبه، وَصَفَ تشارلي وينتر، أحد كبار الزملاء الباحثين في مركز أبحاث الإرهاب في كلية كينغز بلندن، خسارة التنظيم لموقعه الإلكتروني الذي يضم أرشيف المادة الدعائية له منذ 2015، بأنه ضربةٌ للجهاديين.
وقال إن نجاح هذه العملية الرقمية في أن تتخلَّص من هذا يُعد انتصاراً باهراً، فتنظيم داعش "مهووسٌ بالإرث".
ولكن يظل الجانب الأهم هو أن إمكانية تعقُّب أفراد "داعش" وداعميه الذين يساهمون في الدعاية له قد تعرقل محاولات التنظيم لتنفيذ ضربات في أوروبا.
تتولى القيادة الإعلامية للتنظيم الإرهابي إدارة وكالَتَيْ "أعماق" و"ناشر" للأنباء، ولكن المنصتين تعتمدان على شبكةٍ عالمية من الداعمين لرفع المحتوى الدعائي وترجمته وتحريره، وكذلك العمل كـ"مراسلين"، وربما التواصل مع المُتطرِّفين الذين يُخطِّطون لشنِّ هجمات.