طالب النظام أكثر من 10 ملايين سوري ممن فروا من الحرب المستعرة في البلاد أن يتقدموا بإثبات ملكيتهم لمنازلهم في موعد أقصاه أوائل شهر مايو/أيار، وإلا فإن الحكومة ستضع يدها عليها.
أثار قانون الملكية الذي أُعلن عنه هذا الشهر مخاوف واسعة النطاق لدى المواطنين السوريين الذين عارضوا بشار الأسد، من أنهم يواجهون خطر العيش في المنفى الدائم، وأن أشخاصاً آخرين ممن يُعتبرون موالين للنظام قد يُسمح لهم بالتوطين في مجتمعاتهم المحلية، بحسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
وبما أن غالبية اللاجئين النازحين داخلياً والمغتربين خارجياً ليسوا قادرين أو راغبين في العودة لإثبات ملكيتهم للممتلكات، فإن المحللين والمنفيين يقولون إن القانون، والمعروف باسم المادة 10، والإطار الزمني الضيق المحيط به، يُمكن أن يستخدم كأداة للتغيير الديموغرافي والأمن الاجتماعي.
على غرار ما حدث في لبنان
وقد تشابه ذلك القانون مع التشريعات والقوانين التي سُنت في لبنان بعد الحرب الأهلية للاستيلاء على الأراضي في وسط بيروت، وكذلك قانون أملاك الغائبين في إسرائيل، الصادر عام 1950 والذي يُجيز الاستيلاء على ممتلكات الفلسطينيين الذين طردوا من أراضيهم.
ويُخول القانون السوري الإدارات المحلية صلاحية إعادة تسجيل ملكية الممتلكات داخل مناطقها، وهي خطوة تتطلب من مالكي الأراضي أن يكونوا حاضرين.
يقول الخبراء القانونيون السوريون إن القانون يركز على المناطق التي دمرتها الحرب حول دمشق ولا يشمل المناطق التي لم يلحق بها ضرر جراء المعارك. غير أن، النقاد ومُلاّك الأراضي في المنفى يقولون إن التنظيم يحمل بعداً سياسياً واضحاً، وينطوي على آثار تمتد إلى ما هو أبعد من إعادة تقسيم المناطق بصورة انتقائية، بحسب الصحيفة البريطانية.
قالت مها يحيى، مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، "بالنسبة لملايين النازحين داخلياً واللاجئين، فإن الإتيان بدليل إثبات الملكية ذلك سيكون في الغالب مهمة مستحيلة". وأضافت "لقد غادر الكثيرون دون سندات الملكية، وعاش بعضهم في مستوطنات غير رسمية، وبالتالي بدون إثبات ملكية قانوني معترف، وبالنسبة لغيرهم – ولا سيما اللاجئين – فإن العودة إلى سوريا لتقديم مثل هذا الإثبات بمثابة مهمة انتحارية"، بحسب الصحيفة البريطانية.
3 عصافير بحجر واحد
وتابعت قائلةً "بينما من منظور النظام، سيخدم ذلك القانون ثلاثة أغراض: فهو يمنح النظام صكاً إضافياً للتدقيق في العائدين، بالإضافة إلى طريقة لتجريد المعارضين السياسيين من أصولهم. أما بالنسبة للاجئين الذين يعتبرهم النظام إلى حد كبير خونة، فإن هذا يزيد من خطر تعرضهم للنفي الدائم. وسيسمح ذلك للنظام بتوطيد قاعدته السُلطوية عن طريق إعادة توطين المناطق الاستراتيجية بالموالين للنظام. مما يضع سكان المستوطنات العشوائية في المدن الكبرى في خطر المزيد من تجريد الملكية. وقد يزيل هذا أي مصدر محتمل للمقاومة في المستقبل إلى الأبد".
وقد نوقشت تأثيرات القانون المقترح على نطاق واسع في مؤتمر المانحين الذي عقده الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة في بروكسل هذا الأسبوع. وعلى هامش القمة التي اختتمت بعجز في تعهدات المساعدات يتجاوز قدره خمسة مليارات دولار، قال مسؤولون من كلا الجانبين إن هناك تفهماً متزايداً في أوروبا بأن العديد من السوريين الذين يُقدر عددهم بـ 1.5 مليون لاجئ حالياً في القارة لن يعودوا إلى بلادهم، بحسب الصحيفة البريطانية.
وقال مسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي "إن ذلك هو القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة لهم". وأضاف "إن ذلك يعتبر ترسيخاً صارخاً للسلطة من قبل الأسد. وبكل تأكيد تُعد تلك الإجراءات عقابية وليست تنظيمية. لأنه من ناحية، من الطبيعي أن تفعل شيئاً من هذا القبيل بعد حدوث كارثة طبيعية مثل الزلزال. لكن ليس الآن. وليس بهذه الطريقة. فلا تزال الحرب مستعرة ومستشرية. ولم توشك بأي حال من الأحوال على الانتهاء".
أضعف التصور بأن الحرب قد شارفت على الانتهاء، مقرونة بالإرهاق الناجم عن الصراعات، شهية المانحين المحتملين وجعل التسوية السياسية بعيدة المنال أكثر من أي وقت مضى.
وقد تمكن الأسد بدعم قوي من روسيا وإيران، من شق طريقه إلى الانتصار وفرض سيطرته على الأجزاء الرئيسية من ساحة المعركة، بما في ذلك في دمشق، حيث واصلت القوات السورية والروسية هجوماً شنته على مخيم اليرموك الفلسطيني يوم الخميس، بحسب الصحيفة البريطانية.
مصير الآلاف في قلق
قال بيير كراهينبول، المفوض العام للأونروا – وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين- رداً على آخر الاشتباكات، "لقد عانى مخيم اليرموك وسكانه من ألم وعذاب لا يوصف على مدى سنوات من الصراع. ويساورنا قلق عميق إزاء مصير آلاف المدنيين، بمن فيهم اللاجئون الفلسطينيون، بعد مرور أكثر من أسبوع من العنف المتزايد بشكل كبير".
بينما في شمال وجنوب سوريا، لم تبدأ هجمات النظام بشكل كامل بعد. فقد تحول الصراع في كلا المنطقتين عدة مرات، وحتى مع الدعم الوطيد من طهران وموسكو، فإن استعادة السيطرة الكاملة على البلاد في أي وقت قريب يُعد اقتراحاً غير محتمل.
قال نديم شحادة، مدير مركز فارس لدراسات شرق المتوسط التّابع لجامعة تافتس في الولايات المتحدة، إن الأثر الكامل لقانون الملكية لا يزال غير واضح. "سيتوقف الكثير على طريقة التنفيذ. يُمكن أن يكون ذلك تطهيراً عرقياً خفياً، ولا يختلف عن القوانين الغيابية التي رأيناها من قبل".
وأردف قائلاً "في لبنان كان هناك قانون مماثل أثناء إعادة بناء مخيم نهر البارد الذي دمره الجيش اللبناني عام 2007 في معركة مع جماعة إرهابية تُدعى فتح الإسلام. كما كان هناك منشآت غير قانونية تتعارض مع أنظمة تقسيم الأراضي والبناء، وحقوق ملكية غير واضحة، بالإضافة إلى أنظمة تعويض معقدة".