رَصَّ عُلباً من حليب ماركة سنطرال فوق بعضها، مُلصقاً عليها ورقة تقول "ليس للبيع، تضامناً مع الشعب المغربي". هكذا انخرط سعيد، صاحب بقالة بمدينة سطات، وسط المغرب، في الحملة الوطنية الواسعة التي يخوضها المغاربة منذ قرابة أسبوع، مُستهدفين 3 من أكثر المنتجات الاستهلاكية انتشاراً، رفضاً لغلاء الأسعار.
الحملة الشعبية التي لاقَت صدى واسعاً ووجدت في شبكات التواصل الاجتماعي تُربة خصبة سرعان ما تم تَنزيلها على أرض الواقع، استهدفت بالأساس "حليب سنطرال" الذي تُنتجه شركة "دانون سنطرال" الفرنسية، إذ إن إعلانها رفع ثمن عبوة الحليب قُبيل أسابيع من حلول شهر رمضان، الذي يزداد فيه الطلب على هذه المادة الغذائية، كان الشرارة الأولى المتسببة بغضب المغاربة وقرارهم الرامي إلى المقاطعة.
صباح النور برافو المغاربة. لا تهتموا للشاتمين الشامتين فبالنسبة لهم الاحتجاجات مؤامرة انفصالية، إلغاء تقاعد الوزراء…
Gepostet von Mayssa Salama Ennaji مايسة سلامة الناجي am Mittwoch, 25. April 2018
"خليه يريب".. (اتركه يفسد)
الحليب ليس المنتج الوحيد المغضوب عليه من طرف المغاربة، إذ دعا المقاطعون لعدم التوجه بسياراتهم صوب محطات وقود "إفريقيا"، وهي جزء من شركة "إفريقيا لتوزيع المحروقات"، أحد فروع المجموعة القابضة "أكوا كَروب" لصاحبها وزير الفلاحة والصيد البحري بالحكومة الحالية عزيز أخنوش، بالإضافة لماء "سيدي علي" التابع لهوليدينغ "أولماركوم" الذي تملكه وتديره مريم بنصالح رئيسة الاتحاد العام لمقاولات المغرب.
??سؤال للجميع…?لماذا فشلت مبادرة مقاطعة محطات افريقيا?
Gepostet von Hicham Hamdoun am Freitag, 20. April 2018
عشرات الصفحات الفيسبوكية تناقلت خلال أيام قليلة صوراً للمنتجات المُراد مقاطعتها، مرفوقة بوسم "خليه يريب"، والتي تعني "اتركه يفسد"، وهو ما تفاعل معه عدد كبير من المغاربة الذين تبنَّوا الفكرة، مؤكدين أن في مقدورهم الاستغناء عن بعض المنتجات حتى "تُردع بعض الشركات الجشعة وتقوم بخفض الأسعار".
"ليس من الجيد أن تعمل شركات على رفع أسعار منتجاتها كل فترة وفق هواها، ودون أن نلحظ أي تجويد للمنتج أو تحسين يعتريه، ودون مراعاة للقدرة الشرائية المتدنية لشريحة كبيرة من المستهلكين"، تقول خديجة لـ"عربي بوست".
وفيما تطلب الشابة من صاحب بقالة في مدينة سلا، قرب الرباط، لتراً من الحليب بعيداً عن ماركة "سنطرال"، أكد البقال أنه بات يعيد كميات من علب الحليب المعني بالمقاطعة لمُوزِّعيه "كل ما يهمني أن يقتني المستهلك المنتجات التي يرغب فيها، وعليّ أن أوفرها له".
المقاطعون.. "مداويخ" وخونة
أقل من أسبوع على حملة المقاطعة، كانت كفيلة لتدفع بعض سياسيي البلاد ليردوا عليها، إلا أن ردود أفعالهم كانت مُهينة وتحمل كلمات قدحية، وهو بالضبط ما فعله وزير الاقتصاد والمالية المغربي محمد أبو سعيد، خلال جلسة بالبرلمان المغربي منقولة على شاشة التلفاز، إذ وصف المقاطعين بـ"المداويخ"، وتعني المصابين بالدوار ممن لا يستطيعون تقييم الوضع بعقلانية.
سُّبَّة الوزير وإشادته بالشركات المعنية بالمقاطعة، صبَّت الزيت على النار، وأثارت غضباً واستياء عارمين لدى المغاربة، وزادت من أعداد المنخرطين في الحملة الوطنية لمقاطعة المنتجات التي تستحوذ على زهاء 70% من السوق المغربية، إذ انتشرت تدوينات وتغريدات تحمل وسماً (هاشتاغ) جديداً للحملة تحت اسم "كُلنا مداويخ" تهاجم الوزير وتطالبه بالاعتذار رسمياً للشعب المغربي.
كلنا مداويخ هذا الوطن..فأتوا بشعب غيرنا يقطن ارجاءه..
Gepostet von محمد لقراع am Dienstag, 24. April 2018
وزير الفلاحة عزيز أخنوش، استغلَّ فرصة مشاركته بندوة صحفية عقدتها مجموعة "سنطرال" لإنتاج الحليب ومشتقاته، على هامش فعاليات المعرض الدولي للفلاحة بمكناس، أمس الأربعاء، ليرُد على حملات المقاطعة الكبيرة بالقول إن قطاع الحليب يُشغل أكثر من 447 ألف عامل، وهؤلاء "لن توقِفهم الإنترنت عن عملهم".
لم يقف الوضع عند هذا الحد، بل خرج مدير مشتريات إنتاج الحليب "سنطرال" ليَصف الحملة بـ"المُغرِضة"، والمُقاطعين بكونهم "يخونون الوطن"، وسار إلى التأكيد أن "ضرب ومقاطعة منتجات تُصنع داخل الوطن لا يمكن تصنيفه إلا في خانة خيانة الوطن"، وهو ما رفضه المغاربة، وزاد من حنقهم وإصرارهم على مواصلة الحملة وإنجاحها.
متابعون مغاربة، أكدوا أن تصريحات المسؤولين ورميهم المواطنين بهذا الكلام المهين، دليل على تأثير الخسائر المالية الكبيرة التي تكبدتها الشركات، وهو ما أوضحته أسهم البورصة بالفعل، إذ تم تسجيل انخفاض في نقاط الشركات المنتجة للماء والحليب، والمزودة للبنزين، الأيام القليلة الماضية.
فئات شعبية.. وحَّدتهم المقاطعة
بات من الملاحظ إذن أن قوة الحملة الشعبية وحدتها زادتا عقب تصريحات مسؤولين مغاربة ممن أهانوا المقاطعين، إذ انضم إلى الحملة المزمع استمرارها مدة شهر إلى حين خفض الأسعار، نشطاء فيسبوكيون يديرون صفحات مليونية، بالإضافة إلى فنانين معروفين مثل لطيفة رأفت ومريم سعيد التي اعتبرت نفسها بنت الشعب ونشرت على صفحتها تضامنا مع المقاطعين، وصحفيين ومثقفين ومفكرين وتجار، فيما يتوعد نشطاء بأن تشمل الحملة منتجات أخرى مستقبلاً.
وكان من اللافت انضمام مُقاطعين من رجال الشرطة والدرك الملكي والقوات المساعدة وجنود الجيش وموظفي السجون، إذ انتشرت صور عديدة توثق لتعهداتهم المكتوبة، يؤكدون من خلالها مشاركتهم في الحملة الوطنية مرفوقة بقبعاتهم وبذلاتهم المعتمدة ونياشينهم، ما اعتبره كثيرون دليلاً على نجاح الحملة وامتدادها وتضرر شرائح المجتمع من الغلاء.
وعمد مغاربة إلى التأكد بنفسهم من نجاح حملة المقاطعة، إذ عملوا على التوجه صوب محلات البقالة والأسواق الكبرى والوقوف بأنفسهم على وتيرة اقتناء المغاربة للحليب والماء، وهو ما وثقوا له بأشرطة فيديو وصور توضح تراكم المنتجات المذكورة مقابل غياب الماركات التجارية الأخرى، في وقت عمدت فيه شركة "سنطرال" والأسواق الممتازة إلى تخفيض سعر المنتج، أو تقديم عبوة ثالثة هدية بثمن عبوتين، مخافة فساد الحليب.