تواصلت تداعيات حملة خلّيها تصدي (اتركها تصدأ)، التي كانت انطلقت في الجزائر لمقاطعة أسواق السيارات، لاسيما بعدما دخلت الحملة مرحلة أخرى بعد تدخل رجال الدين بفتوى تُحرِّم مقاطعة الأسواق، ما أثار جدلاً كبيراً في أوساط جزائرية.
قبل أيام أصدر الداعية الإسلامي والمنتمي للتيار السلفي "لزهر سنقيرة" فتوى نقلتها وسائل إعلام محلية، تتحدث عن عدم جواز مقاطعة المنتجات، بما فيها السيارات، الأمر الذي اعتبره متابعون متعلقاً بأسباب سياسية واقتصادية بحتة، وليس من جوانب شرعية.
وفي حديث خاص لـ"عربي بوست" قال الداعية "سنقيرة" إنه " لا وجود لدليل شرعي يمكن على أساسه القول بجواز مقاطعة المنتجات، وإنه لم يتحدث بسوء، أو تحت أي تأثير، وإنما تحدَّث وفق ما جاء في الكتاب والسنة وبالدليل".
متابعاً "أنا لم أقم سوى بواجبي، وصلني سؤال من قبل أحد المواطنين الجزائريين الحريصين على دينهم، يستفسر على حكم المقاطعة التي ينادي بها البعض، فأجابه الدين قبلي، وربطت ذلك بالذنوب والمعاصي التي تؤثر على الأسعار".
تراشق حول الفتوى ..
سارع وزير الشؤون الدينية والأوقاف الجزائري محمد عيسى للرد على فتوى الشيخ لزهر سنيقرة، بعد سؤال إعلامي حول فوضى الفتوى في الجزائر، والتي أصبحت في مرمى عام، الأمر الذي رد عليه عيسى بأن الأمر لا يتجاوز كونه تصريحات من شخص غير أهل للفتوى (على حد تعبيره)، مشدداً أنه ينتمي لقطاع الشؤون الدينية والأوقاف في الجزائر، كما أنه ليس إماماً، كما يخطئ البعض في وصفه.
وذهب الوزير إلى أبعد من ذلك بقوله، إن "التيار المدخلي في الجزائر غير معتمد، وهو تيار متشدد ترفضه الدولة أصلاً، وقادته في البلاد هم ثلاثة، اثنان جامعيان، وهذا الشخص، يعني سنيقرة".رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في الجزائر، أبو عبدالله غلام الله، بدوره انتقد بشدة الشيخ لزهر سنيقرة، ووصف غلام الله الشيخ في لقاء إعلامي بـ"التاجر"، وبأنه يعمل لصالح التجار بفتواه هذه.
كيف نترك عمر بن الخطاب ونتبع سنيقرة؟
منسقو الحملة التي انطلقت عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك انتقدوا وبشدة هذه التصريحات متسائلين: "كيف أن سنيقرة تناسى قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قوله (أرخصوها بالترك)، ويفتي بعدم جواز الحملة، داعياً الجزائريين للاكتفاء بالدعاء لتحقيق انخفاض الأسعار؟
وهو ما ذهب إليه أحد المعلقين بالقول "النظرية الجزائرية #خليها_تصدي
هي نفسها نظرية عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لما نصح الناس في عهده بترك اللحم للجزارين حتى يرخص".
المقاطعة مثمرة وتوجه حضاري
من جانبه نفى مصطفى زبدي، رئيس جمعية حماية وإرشاد المستهلكين الجزائريين، وجودَ أطراف وراء الحملة التي قادها الجزائريون لمقاطعة أسواق السيارات، معتبراً ذلك من قناعات الشباب الذين تيقنوا بأن الأسعار التي تعرض في السوق غير منطقية، مقارنة بالأسواق العالمية.
وساند زبدي في تصريح لعربي بوست حملة "خليها تصدي" التي تكشف كما قال عن "توجه حضاري جديد، وطريقة تعبير راقية للمواطن الجزائري، فثقافة الترك، وحدها قادرة على وضع حد لسيطرة بعض الأباطرة على بعض المنتجات في الجزائر، بما فيها أسواق السيارات".
وعن ثمار الحملة حتى الآن، أكد زبدي أن "هناك تحركات من المستثمرين، لتخفيض أسعار السيارات، وهو ما أكدته شركات تعمل في الجزائر، إلا أن ذلك لم يؤثر في أسعار الأسواق، وهو ما تؤكده المعلومات التي وصلت مكتب الجمعية في العاصمة، وبعض المكاتب عبر الولايات".
واعتبر زبدي أنه "من المغامرة أن يرفع وكلاء السيارات الأسعار في هذه الفترة، لأن حملة "خليها تصدّي" في أوجّها، مبرزاً أن المتابعة اليومية للحملة أسفرت عن التوقف التام لسوق السيارات المستعملة، خوفاً من انخفاض أسعار السيارات الجديدة".
والحل في نظره زبدي يكمن في مراجعة وزارة الصناعة التكلفة الحقيقية للسيارات، وإقرار دفاتر شروط واضحة تفرض الاستثمار التام في هذا المجال بالجزائر، لخفض أسعار السيارات بشكل رسمي.
تهديد منسّقي الحملة
سمير أحد منسقي الحملة رأى أن المستثمرين وبعض المسؤولين المتسببين في زيادة الأسعار لجأوا إلى كل الحلول، بما فيها الأئمة والدعاة ورجال الإعلام.
ويؤكد أنه منذ إنشاء الصفحة والتهديدات تصلهم بشكل يومي لإنهاء الحملة وتجميدها، لما لها من تأثير على الأرباح الخيالية للمستثمرين.
ويؤكد سمير أن الحملة مستمرة، وشهدت التفافاً من قبل الجزائريين، الذين تركوا أسواق السيارات، وتركوا معها أحلام المصانع في تصنيع سيارات لا تزيد قيمتها عن 4500 دولار، وتبيعها بأكثر من 8500 دولار، حسب تصريحه.
الخبير الاقتصادي فارس مسدور، يرى أن حملة "خليها تصدي" أوجعت الكثيرين من السماسرة والمضاربين، وصرَّح لعربي بوست قائلاً "ظن الجزائريون بأن اشتراط الحكومة من وكلاء السيارات، بعث استثمارات وشراكات لتصنيع وتركيب السيارات في الجزائر، سيمكنهم من امتلاك مركبة مريحة بأسعار منطقية ومقبولة، لكن وبعد أربع سنوات كاملة، ازداد اشتعال سوق السيارات، وبات الوصول حتى إلى القديم والمستعمل أمراً مستعصياً بسبب الأسعار".
وساند مسدور الحملة التي اعتبرها أسلوباً راقياً في إعادة الموازين إلى حقيقتها، من خلال فرض أسعار منطقية للسيارات.
نصب واحتيال..
يوسف نباش، رئيس جمعية وكلاء السيارات المتعددة العلامات، وصف ما يقوم به المستثمرون في قطاع صناعة وتركيب السيارات في الجزائر بالنصب والاحتيال على الشعب الجزائري.
وتساءل نباش في تصريح لعربي بوست "كيف يمكن لمستثمر جزائري أن يفوق هامش ربحه في السيارة الألمانية الواحدة، والمركبة في الجزائر 100 مليون سنتيم بالعملة المحلية (7000 دولار)؟"
واعتبر أن الجزائريين باتوا أكثر حرصاً على جودة المنتجات أكثر من أي وقت مضى، ويقارنون أسعار السوق العالمية للسيارات قبل إسقاطها على السوق الوطنية".
خليها تصدي..
حملة "خليها تصدي" أو اتركها تصدأ، قادها شباب جزائريون، لمقاطعة سوق السيارات، خاصة تلك المصنعة محلياً، رفضاً لأسعارها التي لا تتماشى مع السوق العالمية، والدخل الاجتماعي، ومستوى الدعم الذي تقدمه الدولة لهؤلاء المستثمرين من خلال الإعفاء من الضرائب والتسهيلات الجمركية، مع منح أراض، وفي بعض الأحيان مصانع جاهزة ومبنية من عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، كما قال خبراء اقتصاديون.
وجاءت الحملة، التي انطلقت في فبراير/شباط 2018، والتي حققت نجاحاً واسعاً للحثِّ على مقاطعة أسواق السيارات بالجزائر، لتعيد فتح ملف تصنيع وتركيب السيارات، والذي بدأ يبني أحلام الجزائريين قبل أربع سنوات، مع استقبالهم صور أول مصنع لتركيب سيارات "رونو" الفرنسية، وحينها تعهد القائمون على قطاع الصناعة، وعلى رأسهم الوزير السابق عبدالسلام بوشوارب، بتحويل الجزائر إلى قطب إفريقي في تركيب السيارات.
ليكتشف الجزائريون بعدها أن صناعة السيارات في الجزائر مجرد "حلم جميل" عاشوه عبر الصور والفيديوهات، قبل أن يتحول إلى كابوس، حرم عائلات بأكملها من ركوب سيارة، حتى وإن كانت مستعملة.